إن مجلس الأمن الدولي بات رهينة لدى واشنطن في قضية غزة وهو عاجز عن إحلال السلام الدولي. أن هناك أطراف تسعى لتوفير أمن الكيان الصهيوني عبر حضورها العسكري في بحار ومضائق المنطقة، أن أي إجراء ضدّ إيران وأمنها ومصالحها القومية وقواتها الاستشارية في سوريا لن يبقى دون ردّ.
أن عدوان الصهيونية العالمية على حق الشعب الفلسطيني ومقدسات المسلمين منذ ما يقرب من قرن من الزمان، وإن الحروب والصراعات والنزاعات في روسيا وأوكرانيا واليمن وسوريا وليبيا وهلم جرا،
كل ذلك قاطعٌ بأن السلام العالمي لا يزال حلما كحلم أفلاطون بالمدينة الفاضلة، ولا يزال أملا يراود النفوس ويعانق الأحلام، ومع ذلك يبقى السعي نحو تحقيق السلام العالمي ضرورة يوجبها الشرع والعقل ويتفق على أهميتها كل ذي عقل سليم معافى من داء الهوى والغفلة ؛ حتى لا تشتعل حروب مدمرة تقضي على الأخضر واليابس ، وتُهلك الحرث والنسل، والكبير والصغير، والغني والفقير ، والقوي والضعيف.
قبل ثلاثين عاماً قالوا لنا إن ثمة سلاماً جديداً في الشرق الأوسط، ولكنه مع مرور الأيام أثبت أنه مجرد سلام وأرض منزوعة السلام هي غزة وأريحا «الملعون من يبني فيها حجراً» وفق المنطق الكهنوتي، في ظل «فيتو» دائم على السلام مع سكانها «الملعونين» حتى بلا حجر، فلا يمكن أن يكون هناك سلام في ظل وجود من يؤمن بمصطلحات اللعن والملعون، فجميعها مصطلحات ومفاهيم تعرقل أي تعايش سلمي ممكن في المنطقة.
من الظاهر أننا لم نفكر يوماً في ابتلاع خرافة سلام غزة وأريحا، فمنذ سنوات طويلة مضت ونحن نتلذذ طعم التعبير الكاذب، بعد أن سقطت الأقنعة عن جليد أوسلو حيث كانت كواليس الاتفاق قبل ثلاثين عاماً، وبات الفكر الصهيوني هو السائد في عموم إسرائيل. بالتأكيد ليس جميع اليهود صهاينة ومتطرفين، وهذه حقيقة؛ فهناك من اليهود من يؤمن بالسلام والتعايش، ولكنهم ليسوا في مواقع السلطة وصنع القرار، التي أصبحت حكراً على المتطرفين من الإسرائيليين،
بل هناك من المؤمنين اليهود من يرفض قيام دولة إسرائيل ويعد قيامها مخالفة للتعاليم، مثل جماعة «ناطوري كارتا»؛ أي «حارس المدينة»، وهي حركة يهودية ترفض الصهيونية بكل أشكالها وتعارض وجود دولة إسرائيل. الأمم السعيدة الموفقة هي التي تطفئ نيران الحرب ولا تقحم نفسها فيها.
تحقيق السلام العالمي ضرورة يوجبها الشرع والعقل ويتفق على أهميتها كل ذي عقل سليم. الدعوة إلى الحرب دعوةً إلى الدمار والموت والدعوة إلى السلم دعوة إلى الحياة. يجب على الدعاة على الإصرار على الدعوة وعدم اليأس.
انه من الواضح ان إطالة أمد الاحتلال الإسرائيلي «لا يعود فقط لعدم استجابة إسرائيل وتنفيذها لالتزاماتها الدولية أنما أيضا الي عدم تحمل المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الأمن لمسؤولياته القانونية التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة وسماحه لإسرائيل بمواصلة التصرف كدولة فوق القانون ومعفية من أي عواقب والتزامات».
ان إسرائيل فسرت مبادرة السلام العربية على أنها «ضعف» فتمادت في «غطرستها وأعمالها العدوانية وإجراءاتها القسرية ضد الفلسطينيين وشددت حصارها على غزة ما نتج عنه مأساة إنسانية مخيفة تم توثيقها من قبل الأمم المتحدة وعاينها على أرض الواقع السكرتير العام للأمم المتحدة أثناء زيارته الأخيرة الي قطاع غزة».
«يتم وأد مبادرة السلام العربية نتيجة استمرار إسرائيل في الممارسات والسياسات غير القانونية والتدابير أحادية الجانــــب الهادفة الي تغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي للأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية ومحاولات الالتفاف على أسس عملية السلام والقضاء على فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس»
.ان مجلس الأمن الدولي بات رهينة لدى واشنطن في قضية غزة وهو عاجز عن إحلال السلام الدولي. و أنه ”لا يمكن لأميركا دعم الحرب على غزة والقول إنها لا تسعى لتوسيع رقعة الحرب في الوقت ذاته”.
قطاع غزة وجميع الأراضي الفلسطينية لا عودة لها لما كان عليه الوضع قائما فيهن قبل السابع من اكتوبر 2023 م، لقد مثل هذا التاريخ يوما وحدثا مفصليا في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وما تمخض عنه من عدوان سافر وهمجي على قطاعنا الحبيب وعلى فلسطين وشعبها الصامد والمكافح في كل الميادين من أجل الحرية والإستقلال.
إن الجنون الصهيوني المدعوم غربيا وفي المقدمة منه الدعم الأمريكي المطلق للكيان في الرد على أحداث يوم السابع من اكتوبر وما نتج وينتج عنه من جرائم حرب موصوفة في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة خاصة وفلسطين عامة، لن يخفي ذاك اليوم من التأريخ ولن يلغي نتائجه السياسية والعسكرية والأمنية والإجتماعية وأثرها على الكيان وعلى مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وارتداداته العربية والإسلامية والدولية شعبيا ورسميا ..
فقد كشف هذا اليوم حقيقة الكيان الصهيوني الإستعماري الكولنيالي الإحلالي الأستيطاني العنصري الفاشي لجميع دول وشعوب العالم كما كشف استمرار الروح الإستعمارية للدول الغربية في تعاطيها مع مفاعيل الصراع في المنطقة العربية ومع الكيان الإستيطاني العنصري الإحلالي الساعي لإبتلاع كامل إقليم فلسطين وتصفية القضية والشعب الفلسطيني ..
لكن هذه الأحلام والأوهام الإستعمارية تتحطم اليوم على صخرة الصمود والتحدي والتصدي للغزاة واستمرار المقاومة الفلسطينية بكل أطيافها وتجلياتها في كل الميادين وعلى جميع المستويات، واضعة القضية الفلسطينية على رأس سلم الإهتمامات العربية والإقليمية والدولية،
فلا أمن ولا سلام في المنطقة وفي العالم دون حل عادل ومنصف يحترم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الثابتة وغير القابلة للتصرف وفي مقدمتها كنس وإنهاء الإستيطان والإحتلال للأراضي الفلسطينية والعربية وعودة اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194 لسنة 1948 م وحق تقرير المصير وفق القرار 181 لسنة 1947 م والذي قضى بتقسيم إقليم فلسطين وإنشاء دولتين (إسرائيل وفلسطين)،
على المجتمع الدولي الذي أيد وجود دولة إسرائيل وقبل عضويتها في الأمم المتحدة أن يقبل اليوم ويؤيد قيام دولة فلسطين وقبول عضويتها في الأمم المتحدة كما قبل عضوية دولة إسرائيل وفقا للقرار الدولي المشار إليه رقم 181 وعدم التغاضي عن ذلك وتركه رهينة لرغبات المحتل وداعميه في خططهم الإستعمارية، والاقلاع عن السياسات المزدوجة والكيل بمكيالين وسياسة النفاق السياسي والعمل على إدارة الصراع دون الاقتراب الفعلي من سياسة حل الصراع على اسس من العدالة والإنصاف والمبنى على قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
ان فرض تنفيذ واحترام حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه في العودة والحرية والإستقلال وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس هو المدخل لحل الصراع والمدخل لإقرار الأمن والسلام والتقدم والازدهار لدول وشعوب المنطقة والعالم، وغير ذلك لا يعني سوى استمرار العنف وعدم الإستقرار وعدم الإزدهار.
هنا نؤكد ان التفكير الصهيوأمريكي /الغربي بإبقاء الوضع القائم على ما هو عليه عقودا جديدة بات أمرا مستحيلا ومخزيا ومخجلا ..
ان حجم التضحيات التي قدمها ويقدمها اليوم الشعب الفلسطيني لن يعوضها سوى انتهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية وتخلي الصهيونية عن فكرها العنصري الإحلالي والفاشي الكولنيالي في التعاطي مع الشعب الفلسطيني وقضيته.
لا وألف لا للعودة إلى وضع ما قبل السابع من أكتوبر 2023 م، فهل يدرك العقل السياسي المتحكم في هذه المستعمرة الإسرائيلية ومالكيها وصناعها وداعميها من الغربيين في مواقفها وسياساتها المتنكرة للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني هذه الحقيقة وهذه المسلمة،
بالتأكيد لغاية الآن العقل الصهيوني لازال متحجرا وقاصرا عن الفهم واستيعاب الحقيقة والواقع ولا يفكر سوى بالحلول الأمنية والعسكرية ومنطق العنف والقوة المفرط ومنطق التطهير العرقي للفلسطينيين ونفيهم وتهجيرهم خارج الجغرافية الفلسطينية ..
لكن الشعب الفلسطيني لن يرفع الراية البيضاء للمستعمر وسيستمر في كفاحه ونضاله ومقاومته الباسلة حتى ينتزع كامل حقوقه غير منقوصة .. يرونه بعيدا ونراه قريبا وإنا لصادقون ..