يكتمل التكليف الإلهي للإنسان بإعمار الأرض بمساهمة الكائنات التي خلقها الله سبحانه وتعالى وحدد لكل منها لغتها ومجالها ومهامها وفوائدها والأضرار التي قد يسببها في نظام دقيق للغاية لا يمكن الخروج عنه على مدى الحياة..
**أيضا يكتشف الإنسان لهذه الكائنات أدوارا أخرى قد تكون مجهولة عمن سبقنا من البشر لكنها قائمة بالتأكيد وإن كانت محجوبة لوقت ما ومنها الأشجار التي يتعلم منها الإنسان وعنها هذا المقال ..
**التأمل والتدبر.. سلوكان حميدان أمر بهما الله سبحانه وتعالى الإنسان.. منذ أن نزل الأرض آدم وحواء فى مهمة إعمار متواصلة عن يوم البعث العظيم وهما من أهم أركان التعلم واستلهام العظات.. كما ترسم للإنسان طريق النجاة من الخطر أو عبور المخاطر والآلام.. ومن أبرز الأمثلة على ذلك.. الغراب الذى نبش فى الأرض بالقرب من قابيل بعد أن قتل هابيل.. ليعلمه كيف يدارى سوءة أخيه ويوارى جسده التراب.
**ولكى يكون التأمل والتدبر متاحان لكل البشر.. من جميع الأجناس وفى كل البلاد تتصدر الأشجار مكانة مرموقة.. ونماذج ملحوظة.. لمن يريد التعلم والاستفادة ودروسها متاحة فى كل وقت.. بل ظاهرة للعيان.. بدءاً من رحلة تجديد الأوراق.. والانتقال بين النضارة والجفاف.. مشيرة لفصلى الربيع والخريف بالنسبة للأوراق.. وتتبادل مع المواسم الأربعة طرح الثمار.. بحكمة إلهية عميقة الاحترام والتقدير فالجميع يسقى بماء واحد ولكن تتنوع ثماره فى الحجم والكم والمذاق والإقبال.
** وإذا كانت الأشجار تعيش بالماء الذى هو أساس كل شيء حى.. فإنها لا تنحنى طلباً للارتواء.. وتحتفظ بشموخها وارتفاع رأسها مهما كانت عطشة ترشدنا للحفاظ على الكرامة وعدم التفريط فيها مهما كانت المغريات.. وتثق فى قدوم الراعى أو البستانى وقيامه بسقياها.. بالإضافة للعناية بها وتهذيب أوراقها وتجميل أشكالها.. وحماية ثمارها من الآفات والديدان وعبث العصافير والطيور.. وينتظر بفارغ الصبر نضجها الكامل.. لتأتى الشاحنات ناقلة للمحصول للأسواق.. ومساعدة أناس لا تعرفهم على المضى قدماً فى مشوار الحياة.. ونتعلم منها درساً بليغاً.. ملخص من جد وجد.. وكلما تبذل الجهود الصادقة.. يحقق الإنجازات.
**ومع هذه المهمة المتواصلة على مدار التاريخ.. لتأمين الأمن الغذائى كما يطلق عليه المحترفون.. هناك أشجار الظل التى تخفض من حرارة الأرض.. ويلجأ إلى ظلها الناس.. عند الراحة أو التنزه.. ونجد الفلاح يختار جلسته المفضلة لشرب الشاى وعزف الناى.. تحت ظل أشجار شاطئ النهر أو الترعة أو بجوار الساقية تحت ظل شجرة الجميز.. ناهيك عن أفواج العشاق والمحبين الذين يركنون بجلسات حميمية تحت ظل أشجار الحدائق.. يحلمون بالمستقبل ولا ينسون تسجيل أسمائهم على ساق الشجر.. وفى بعض البلدان.. يلجأ الناس إلى غرس شجرة تتوج قصة الحب والارتباط.. أو ذكرى لعزيز وتكون ثمارها على روحه الطاهرة بعد الرحيل.. لتعطينا الظلال ميزة تؤكد فائدة الطرف الآخر للكائنات.. ودعوتهم إلى السلام والوئام.
**ويأتى تنوع الأشجار واستطاعة الإنسان تطعيم بعضها ببعض.. لإنتاج أصناف جديدة أعظم فائدة لتؤكد درساً مهماً لمن يريدون التقدم والاستثمار الناجح للطموح والإبداع بداخل العقول والأفئدة.. إن الطريق مفتوح للمبتكرين والمبدعين.. لدعم القوة الناعمة للمجتمع.. وتغيير أنماط الحياة إلى الأفضل كلما كان ذلك ممكناً.. أو مطلوباً وتؤكد أيضاً أن قوة المجتمعات تقوم على التنوع والتعددية.. واحترام قوة العمل.. ونبذ العنصرية والتعصب وضرورة اعتماد المساواة وقدرات الإنسان.
**وهناك تلك الجذور التى يرميها الناس فى الطرق وعلى الأرض.. يتراكم فوقها التراب.. تنمو البذرة وقد تتحول إلى شجرة «عشوائية»، ومنها نبات الصبار والأشجار التى تنمو وحيدة فى الصحراء.. وصولاً إلى الغابات الواسعة التى شهدت مذابح لتتحول إلى أخشاب.. وأثرت على التوازن البيئى وحددت ثقب الأوزون الذى كلف البشرية الكثير.. وما تلا ذلك من دعوة عالمية للعودة للأخضر.. والتوسع فى غرس الأشجار التى تساهم فى توفير الأوكسجين.. أكسيد حياة الإنسان والحيوان.. كلها تحمل دروساً لمن يريد تعلم الحكمة والسلوك الرشيد ناهيك عن الدرس الأكبر.. يحدث عن شيخوخة الشجر.. أو قطعها من الساق حيث ينبت فرعاً صغيراً لا يستمر طويلاً.. ولكنه يحمل دعوة مستنيرة لتواصل الأجيال.. وتصديقاً للدعوة الكريمة التى دعا إليها الرسول الكريم.. محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.. عندما قال ما معناه.. إذا قامت القيامة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها.. صدق الرسول العظيم.