انا لا اتحدث عن نفسي او تجربتي في هذا المقال بل اتحدث عن صديق لي من فترة قرأ المقالة السابق نشرها مقالة ( بعد الخمسين) لكن الكلام الذي قاله لي هذا الرجل بالرغم من اننا اصدقاء فوق العادة بل ان بيننا اسرار كنا نبوح بها لبعضنا سرا..
لكنه في هذا اللقاء كان متجهم الوجه صامت شارد يجمع كلماته بصعوبة وينظر لي نظرات حادة حينما قال لي .. انت إنسان اناني لأنك قد تحدثت عن نفسك ونقلت تجربتك انت احساس ما بعد الخمسين لماذا لم تنقل احساسي انا وغيري ؟؟؟ وانا عمري خمسة وستون وقال لي بصوت مكتوم ..
انقل احساسي مشاعري وانا ميت حي وليس كل الأموات من هم تحت التراب بل هناك اموات فوق الارض يسيرون بيننا وهم كثيرون وانا منهم ..
حينها لمعت عيناي وتسمرت احاسيسي ومشاعري عن نقطة الصفر بل انها وصلت تحت الصفر الي درجة التجمد وقال لي وصوته يتحشرج ..
قال لي انا بركه يعني وجودي في الحياة مجرد بركه بل انني انتقلت من مرحلة موجود الي مرحلة محطوط وشتان الفرق بينهم لان الموجود وصاحب الوجود هو الله وجوده مؤثر وبدونه تختل الدنيا سبحان من لا تأخذه سنة ولا نوم .. اما المحطوط في احد الاركان هو لا قيمة له لكنه موجود مثل كرسي زينه كرمز أو رئيس شرفي انتقلت لا بل سحبت منه جميع اختصاصاته .
بل ان كلامي اصبح بحساب وحينما اتحدث بحرية في اي مجلس عائلي او اي مناسبة عامة الف عين تنظر لي حملتها ببن زراعي وسهرت عليهم علي مدي سنين عمري و اري العيون تحملق في مثل الطفل الذي يتحدث باسلوب غير لائق امام الناس او الطفل الذي يتحاوز حدود الادب واللياقة امام الضيوف..
لم يضربني احد ولم يتطاول علي احد بل انني اصبحت بركه نعم بركه قطعة ديكور اعتادت ان تجلس في ركن معين منذ فترة .. وما اصعب علي النفس البشرية ان تقسم ممتلكاتك و توزع اختصاصاتك الادارية والقيادية وانت حي وأصبحت مجرد معلق علي الاحداث وان يوضع لي الطعام وعلي ان آكل الطعام الذي يقدم لي حتي أن كان ناقص ملح دون طعم او رائحة …
حينها قال لي انت لست بكل هذا السوء حينها ابتسم وقال لي تمتع بالأسواء لان القادم اسواء .. وابتسم وانهي كلامه معي وقال لي ايام تمر بلا طعم او رائحة ولا لون ايام وانتظر امر السماء لعل يكون فيها الخلاص ..
ورحل وعينه تملائها الدموع المتحجرة في الاحداق .. و تركني ورحل في صمت تام مع نفسي وما اصعب ان تتداخل الاحاسيس داخل النفس البشرية في وقت واحد …
هذا الرجل كان في مركز حساس ولم يتاخر في خدمة احد بل كان ودود مع الكبير والصغير وكان بار بوالديه الي درجة مخيفة انا اعرفه من فترة ماذا حدث وماذا يحدث ولماذا هذا الكم من الجحود لمن سهروا ومن ربوا ومن علمونا مسك القلم … وانا متاكد من ان صديقي نموذج وما اكثر النماذج المتشابهة في زمن الجحود ونكران الجميل زمن الاصنام …
نصيحتي ان لا تستجدوا العطف والحنان والمحبة من أصنام لا حياة فيها وان الحب قد جفت ينابيعه ونحن الان في زمن شح العواطف ..
احبوا انفسكم فلا يوجد أحد يستحق عناء البكاء عليه..