إن جوهر الأمن هو التحرر من الخوف من أي خطر أو ضرر قد يلحق بالإنسان في نفسه أو ممتلكاته، ويكون في مقدوره التنقل بكل حرية داخل وطنه دون خوف، وأن يكون بإمكانه أن يفكر ويدلي برأيه دون تسلط أو إرهاب من قبل الآخرين. وفى أوقات الثورات والأزمات يفتقد الأنسان الشعور الطبيعي بالأمن، وينعكس ذلك على سلوكياته.
التوزيع العادل للدخل له دور هام في إحلال الأمن والعدالة الاجتماعية التي هي من أهم اركان السلم الاجتماعي، ففي عالم يغلي بالمشاكل وانفجر بعضها بسبب عدم العدالة الاجتماعية وعلى الرغم من وضوح الظاهرة للعيان واستفحال مشكلة الظلم الاجتماعي الناتج عن سوء التوزيع بازدياد ثروات من يملكون على مستوى الأفراد وعلى مستوى المجتمعات وازدياد الفقراء، لأن انعدام السلم الاجتماعي هو من أهم اسباب انحدار الامم واضمحلال دورها الحضاري.
يعتبر الأمن الإقتصادي من أهم دعامات الأمن الانسانى، نظرًا لما لعامل الإقتصاد من أهمية وتداخل في مجالات الحياة شتى. فلا يمكن الحديث عن تنمية انسانية من صحة وغذاء وتعليم إلا في ظلّ اقتصاد سليم. وفي ظلّ عولمة الإقتصاد أصبحت إقتصاديات الدول مترابطة بعضها مع بعض على جميع المستويات، وهذا ما يجعل أي خلل يصيب إقتصاد إحدى الدول يؤثر بالضرورة على إقتصاد دولة أخرى. ومن ناحية ثانية يرتكز الأمن الإقتصادي على إتخاذ الإجراءات الكفيلة من أجل حماية الإقتصاد الوطني من مخاطر العولمة الإقتصاديّة، وبالتالي العمل على تأمين الإستقرار في الإقتصاد على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي، لأن عدم الإستقرار سينعكس سلبًا على الأمن الانسانى ويجعله في حالة تهديد مستمرة.
ان تدهور الأمن الاقتصادي يؤثر على الأمن القومي بالسلب، ويحتاج الى وقفة لدراسة التحديات التي تقابل الاقتصاد المصري وبالتالي الأمن القومي، حيث أن الأمن الاقتصادي مفتقد لدى شريحة كبيرة من المواطنين بسبب الفقر وانخفاض الدخل، فقد تراكمت المشكلات التي يواجهها المجتمع المصري على مدار العقود الأربعة الماضية وكانت سببا لقيام ثورة 25 يناير 2011.
في كتاب “الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي” الذي سعى فيه صمويل هنتنجنتون لتفسير أسباب موجة التحول الديمقراطي حول العالم بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، ذكر أن ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي قد يكون محفزا لحدوث الثورات. وقد استنتج ذلك من خلال الربط بين ارتفاع معدلات نصيب الفرد من إجمال الدخل القومي وعملية التحول الديمقراطي، وكانت فكرته أن ذلك يسمح بظهور طبقات وسطى متعلمة أكثر وعياً بحقوقها المدنية والسياسية. لكن يبدو أن اندفاع الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي جاء متأخرا الى تونس ومصر وليبيا وغيرها، ربما بتأثير فواعل خارجية وداخلية.
ويعتبر غياب العدالة الاجتماعية أحد أسباب الحراك الاجتماعي الثوري الذي تشهده مصر وبعض الدول العربية. فمبدأ المساواة وعدم التمييز، وتكافؤ الفرص الذي يمثل حجر الأساس في العدالة الاجتماعية، جرى اهداره على مدى عقود، شهدت تغيرات محلية وإقليمية وعالمية.
ان العدالة الاجتماعية الناتجة عن التوزيع العادل للدخل هي من أهم اركان السلام الاجتماعي. والنظريات الحديثة فى التنمية وربطها بالحرية دحضت الادعاء القائل بان تركيز الثروات في ايدي قلة قليلة من النخبة تزيد كفاءة الانتاج، بل على العكس وجد ان الحرية والديموقراطية مع التوزيع العادل للدخل قد زود الانتاج بعامل مهم وضح تاثيره الايجابي على النمو الاقتصادي والتنمية في تجارب العديد من الدول الصاعدة في العالم . كما ان اهمية السلام الاجتماعي تاتي بترتيب عالي في هرم الاحتياجات الاجتماعية ربما قبل الحاجة الى الغذاء والدواء .
وهناك علاقة وثيقة بين الأمن القومى والأمن الاقتصادى. فالتهديدات التي تؤثر على الأمن القومي لاتأتي من الخارج فقط، بل قد تنبع من الداخل نتيجة لسوء السياسات التي تؤثر على الغذاء والصحة والتعليم والصناعة، وجميع المجالات الاقتصادية التي تؤدي بدورها لرفع نسب البطالة التي تمثل مشكلة ذات حدين اجتماعية واقتصادية. ان الفيصل فى تأثير التهديدات الخارجية والداخلية هو ما يُسمى “حد الخطر”، الذي تتحول بعده مشكلة عادية إلى مشكلة أمنية، وبالنظر الى الأعوام المنصرمة منذ اندلاع ثورات الربيع العربي 2011، نرى تطبيقا فعليا لهذه المهددات الخارجية والداخلية التي أدت فجرت قضايا العدالة الاجتماعية والحرية والسلام الاجتماعى.
وحينما نتحدث عن مفهوم جديد للأمن القومى والأمن الانسانى أكثر شمولية، لابد من الإشارة إلى أنّ المصادر المهددة للأمن الإنساني باتت تتركز في ظواهر عديدة أهمها الإجرام المنظم الذي يشكل تحديا أمنيا كبيرا، وظاهرة المخدرات التي باتت تشكل خطرا على الأفراد نظرا لتعدد أبعادها. إضافة إلى ظواهر أخرى مثل ظاهرة غسيل الأموال التي تمكن من تسهيل عمليات ارتكاب جرائم عديدة منها التجارة بالمخدرات والأسلحة والمتفجرات، وتوسيع دائرة الفساد السياسي والإداري، ونشر الرشوة. وفي هذا السياق، تساهم كذلك ظواهر أخرى في تهديد الأمن مثل ظاهرة انتشار الأسلحة التقليدية، كالسلاح الخفيف، والألغام البشرية المهددة لأمن الإنسان.
وكذلك خطر الأوبئة التي تفتك بالملايين من الأشخاص في الدول الفقيرة، مهددة بزوال العنصر الانسانى فيها خاصة مرض الإيدز أكثر الأمراض فتكًا، ويتركز حوالي 90 % من المصابين به في الدول النامية. يضاف إلى ذلك الهجرة غير المشروعة، والنمو الدیمغرافي السریع وغير المنتظم خاصة في الدول الفقيرة، وكذلك ظاهرة الفقر الذي يهدد الكثير من سكان الدول النامية. والنزاعات والحروب الأهلية التي أدت إلى تشريد أكثر من 35 مليون لاجئ في العالم. إضافة إلى هذه التهديدات نجد خطر التلوث البيئي الذي يهدد الأمن البيئي والصحي وبقاء الجنس البشري. وكذلك ظاهرة إنتشار السلاح النووي والبيولوجي والكيماوي.
الأمن الاقتصادي على المستوى القومى يعنى فى هذا السياق البعد الاقتصادي للأمن، والذي يهدف إلي توفير سبل التقدم والرفاهية للمواطن وحماية المصالح الاقتصادية على المستوى القومى، وذلك بخلق الظروف المواتية والمشجعة للزيادة النسبية لانتاجية العمل ورأس المال، والتي تضمن للأفراد مستوى معيشة مرتفع ويتحسن باستمرار، وتأمين وضع اقتصادي عادل وآمن. أما الأمن الاقتصادي للمواطن فهو يشمل تدابير الحماية والضمان الاجتماعى التي تؤهل الإنسان للحصول على احتياجاته الأساسية من المأكل والمسكن والملبس والعلاج والتعليم وضمان الحد الأدنى لمستوى المعيشة. ويتمثل الأمن على المستوى الفردي في تحقيق قدر من الطمأنينة والسكينة للفرد، من خلال توفير وسائل السلامة له من الاخطار التي تهدد حياته أو عرضه أو شرفه أو حريته أو ماله، وبالتالي فان اشباع الحاجات الاساسية على المستوى الفردي يمكن ان تؤدي الى تحقيق الأمن الاقتصادي للمجتمع والعكس صحيح في حالة عدم اشباع هذه الحاجات الاساسية فان الافراد يصبحون مهددا اقتصاديا للمجتمع باعتبار ان الانسان هو الذي يقوم بعمليات الانتاج والتوزيع والاشراف عليها وهو المحرك الاساسي للنشاط الاقتصادي. اما الأمن على المستوى الجماعي فيتمثل في تحقيق الحماية لحقوق الجماعات المختلفة في المجتمع ورعاية مصالحها في المجالات المختلفة وتوفير النظم والمؤسسات التي تخدم هذه الجماعات، فالامن الاقتصادي لا يمكن تحقيقه الا من خلال توفر الأمن للافراد والجماعات المكونة للمجتمع.
الاستقرار الاجتماعي يتحقق باستمرار وجود التمازج الاجتماعي والثقافي في المجتمع، دون تعرضه لتغيير مفاجئ أو جذري، والاستقرار الاجتماعي لا يعني بالضرورة وجود حالة من الثبات تسود المجتمع، وبناء علي ذلك يكون المجتمع الذي يطرأ عليه تغيرات تدريجية وبطيئة وكافية لإعداد التوافق دون أن تؤدي إلي أي اضطرابات أو تفكك مجتمعا مستقرا. وتشهد المجتمعات عموما درجات متفاوتة من التغيير.
وقد يكون الحديث عن السلام أو الحرب على صعيد علاقة المجتمع بمجتمعات أخرى، أو يكون على مستوى الوضع الداخلي للمجتمع والعلاقات القائمة بين طبقاته وفئاته. فهناك مجتمع يعيش حالة احتراب وصراع داخلي، ومجتمع تسوده أجواء الوئام والانسجام والوفاق. وحديثنا عن السلام الاجتماعي نقصد به حالة السلام والوئام داخل المجتمع نفسه وفي العلاقة طبقاته وفئاته. ان من أهم المقاييس الأساسية لتقويم أي مجتمع، هو تشخيص حالة العلاقات داخلية فيه، فسلامتها علامة على صحة المجتمع وامكانية نهوضه، بينما اهتراؤها دلالة على التخلف.