القرن 19 في السينما المصرية… القرن المظلوم!
(فصل من كتابي… “السينما المصرية.. قضايا وأسئلة”… قيد التجهيز)
باستثاء خمسة أفلام فقط، لم تقترب السينما المصرية من القرن التاسع عشر على الإطلاق حسب علمي،
رغم أن هذا القرن كان محتشدًا بأحداث جسام بالغة الأهمية تدفع صناع السينما دفعًا إلى استلهام الكثير منها لو امتلكوا قدرًا من الجسارة وحفنة من خيال،
فقد شهد هذا القرن القضاء على المماليك تمامًا، أولئك الذين حكمونا نحو 650 سنة متواصلة:
حكموا منفردين في حدود 250 عامًا، ثم حكموا بمشاركة العثمانيين نحو 300 سنة أخرى انتهت بالمذبحة الشهيرة، التي أزاحتهم من كتب التاريخ، في 1811.
كذلك استحوذ محمد علي وأبناؤه وأحفاده على مقدرات القرن التاسع عشر، فمنهم من بنى وعمّر، ومنهم من دمّر وخرّب،
ولا تنس أن إنشاء المدارس والمصانع والسكة الحديد ودخول الترام والتليفون والكهرباء والتلغراف وحفر قناة السويس وإصدار الصحف وتأسيس المسارح والمحاكم العصرية والبرلمان…
كل ذلك وغيره عرفته مصر للمرة الأولى في هذا القرن المغبون، كما ابتليت مصر بالاحتلال الإنجليزي أيضا في ذلك القرن المنسي،
وفيه أيضا انتفض الشعب ضد بطش الخديو توفيق، حين قاد أحمد عرابي ثورة تطالب بحقوق الناس، لكنه أخفق بسبب خيانات كثيرة.
تخيل… كل هذه الأعاجيب حدثت في قرن واحد، وقد بلغ عدد المصريين في مطلع القرن 19 نحو 2 ونصف مليون نسمة،
وفي نهايته ارتفع عددنا إلى 10 ملايين نسمة وفقا لما ذكره جمال حمدان في موسوعته المذهلة” شخصية مصر”،
فكيف لم يجد أهل السينما الطريق إلى القرن التاسع عشر بدروبه وممراته المترعة بوقائع درامية تصلح للسينما وتحقق نجاحات مدهشة إذا تصدى لها فنانون متميزون؟
وكيف نفسر عدم ظهور هؤلاء الحكام والمسؤولين على شاشة السينما رغم تأثيرهم الضخم جدًا على حياة المصريين وبلدهم أمثال:
محمد علي باشا أو إبراهيم باشا أو الخديو توفيق أو المثقف الأول رفاعة الطهطاوي أو نوبار باشا (الأرمني الغريب الذي لا يعرف اللغة العربية، ومع ذلك تولى رئاسة وزراء مصر ثلاث مرات).
لا يغيب عن فطنة المشاهد الحصيف أن السينما المصرية تأثرت كثيرًا جدًا منذ نشأتها بالسينما التي تنتجها هوليود،
ورغم أن الأمريكان ملأوا شاشاتهم الفضية بأفلام عديدة فاتنة عن القرن التاسع عشر وصراعاته، إلا أننا لم نلتفت إلى القرن المظلوم بما يليق به، وذلك لأسباب كثيرة سأشرحها لاحقا.
أما الأفلام المصرية الخمسة التي جرت بعض وقائعها في القرن التاسع عشر فهي بترتيب إنتاجها وعرضها :
1- (ليلى) عرض في سنة 1942، من إخراج توجو مزراحي وبطولة ليلى مراد وحسين صدقي. (يتناول آخر أربعة أعوام من القرن التاسع عشر).
2- (قصة غرام) عرض في 1945 وأخرجه كمال سليم ومحمد عبد الجواد، ولعب أدوار البطولة كل من أميرة أمير وإبراهيم حمودة وزكي رستم وبشارة واكيم وزينات صدقي،
وكمال سليم هو مخرج الفيلم الشهير (العزيمة/ 1939)، ويبدو أنه كان يعاني المرض، عندما أقدم على إخرج (قصة غرام) فعاونه محمد عبد الجواد،
لأن المصادر تؤكد أنه مات في العام نفسه الذي عرض فيه الفيلم، أي في 1945. و(قصة غرام) يتناول آخر عشرين سنة من القرن التاسع عشر.
3- (مصطفى كامل) عرض في 1952، من إخراج أحمد برخان، وبطولة أنور أحمد وماجدة ومحمود المليجي (ويتناول الربع الأخير من القرن التاسع عشر، حيث عاش مصطفى كامل بين عامي 1874/ 1908.
4- (ألمظ وعبده الحامولي) عرض في 1962، من إخراج حلمي رفلة وبطولة وردة الجزائرية وعادل مأمون وحسين رياض، وتدور أحداثه في عهد الخديو إسماعيل الذي حكم مصر في الفترة من 1863/ 1879.
5- (شفيقة ومتولي) عرض في 1978، من إخراج علي بدرخان، وبطولة سعاد حسني وأحمد مظهر ومحمود عبدالعزيز وأحمد زكي.
وتدور أحداثه في فترة حفر قناة السويس والتي امتدت بين عامي 1859 حتى 1869.
باختصار… ليت أهل السينما يخوضون عباب بحر القرن التاسع عشر بجدية ودأب، وكلي ثقة بأنهم سيعثرون على لآلئ مذهلة وجواهر ثمينة.