الأونروا هي منظمة نشأت عقب النكبة الفلسطينية عام 1949 م لتقديم العديد من الخدمات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين، الذين تخطى عددهم آنذاك أكثر من 1,000,000 لاجئ في حاجة للإغاثة وبناء مخيمات ذات بنية تحتية، فضلا عن تشغيل اللاجئين الفلسطينيين وتقديم خدمات التعليم والصحة والأمن المجتمعي والاستجابة السريعة الطارئة في حالات النزاع المسلح.
تتعرض الدولة الفلسطينية لحرب إبادة في منطقة قطاع غزة تحديدا منذ أكثر من 100 يوم، شملت هذه الحرب أشكالا عديدة من الجرائم المخالفة للقانون الدولي، الذي لم يأخذ خطوة لإيقافها وتجريمها كالقتل العمد والتعذيب ضمن معاملة غير إنسانية بحق الأسرى والمعتقلين، الترحيل والنزوح القسري لسكان القطاع ، أخذ المواطنون كرهائن واستخدامهم كدروع بشرية، استهداف الحياة المدنية والمدنيين في المدارس والمستشفيات، التجويع بفرض الحصار ومنع دخول المساعدات، استخدام الأسلحة المحرمة والمحظورة دوليا كالقصف بالقنابل الفسفورية والصواريخ ومسح مناطق كاملة من القطاع واستخدام القذائف العنقودية ، اعتقال الفلسطينيين وإخفائهم قسرا ، التدمير العشوائي المتعمد للمدن والقرى ، سرقة الممتلكات العامة والخاصة للدولة والمواطنين، تدمير التاريخ الثقافي للدولة الفلسطينية والمعالم الأثرية، تعمد استهداف الوحدات الطبية، انتهاك قوانين الدولة الفلسطينية، الاعتداء على قوافل الإغاثة، فضلا عن جرائم متكررة كالاعتقال التعسفي والتجسس على المؤسسات والمواطنين وقتل مواطنين غالبيتهم من الأطفال بغدر في مناطق آمنة يقطنها الاحتلال الإسرائيلي.
تواجه الأونروا حربا شرسة من قبل ( الآيباك) (لجنة الشؤون الإسرائيلية الأمريكية العامة) المنوط بها الدفاع عن السياسات المؤيدة لإسرائيل لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية للولايات المتحدة والتي تمارس ضغوطا رهيبة على صناع القرار الأمريكيين لتبني سياسات مناهضة للأنوروا بصفة خاصة والفلسطينيين بصفة عامة، وقد بات هذا الأمر واضحا حين تعمدت دولة الاحتلال الإسرائيلي بشكل إجرامي وهمجي التضييق على أعمال وكالة الأونروا ثم محاولة خنقها تمهيدا لتصفية نشاطها في فلسطين، حين أصدرت المخابرات الإسرائيلية بيانا منذ أيام عدة زعمت فيه إن عددا من موظفي الوكالة قد شاركوا في عملية (طوفان الأقصى) دون ظهور أي أدلة على ذلك، مما كان سببا في تعليق الولايات المتحدة الأمريكية (وهي المانح الأكبر للوكالة) مساعداتها المالية وبالطبع تبعتها بريطانيا وكندا وألمانيا وأستراليا واليابان وإيطاليا وفرنسا ودول أخرى ثم حكومة الاتحاد الأوروبي، ثم تطور الأمر إلى دعوات صهيونية لتصفية الوكالة عقبة ممارسة ضغوطات كثيرة على المفوض العام (فيليب زاريني) لفصل الموظفين المشتبه بهم ثم استقالته من منصبه دون انتظار لنتائج التحقيقات التي أعلن عنها أمين عام الأمم المتحدة (أنطونيو جوتيريش) الذي يتعرض هو الآخر لحملة شرسة عقب تصريحاته الأخيرة أن غزة قد تحولت إلى (مقبرة مفتوحة للأطفال) ، وانتقاده الجرائم الوحشية التي ارتكبتها إسرائيل ضمن مجازرها في الحرب الأخيرة على قطاع غزة.
ولأن العالم يسير بمعايير مزدوجة ولأن المجرم الذي يحكم هنا هو القاضي، فمن سيقف ضد قطع المعونات والخدمات الإنسانية التي تقدمها (الأونروا) إلى ٦ملايين لاجئ فلسطيني تقريبا ؟ وهل يتسبب عشرة موظفين في غلق منظمة بأكملها يعمل لديها ما يقارب 13,000 موظف دون محاكمة أو دليل؟
أصبح جليا الآن لماذا تتزايد هذه الحرب على ( الأونروا ) التي تعتبر أكبر منظمات الإغاثة الإنسانية في القطاع وفلسطين والتي تعمل جنبا إلى جنب مع الهلال الأحمر الدولي والهلال الأحمر الفلسطيني في توقيت يحمل أكبر كارثة إنسانية مرت على الشعب الفلسطيني عقب حرب إبادة إجرامية تخطت الأربعة أشهر وأدت إلى استشهاد نحو 27,000 فلسطيني وجرح أكثر من 60,000 وتدمير القطاع بالكامل، مما سيؤدي إلى تقليص قدرة الوكالة على القيام بمهامها في هذه الظروف الكارثية.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تقطع فيها الولايات المتحدة المساعدات عن وكالة (الأونروا) حيث قام ترامب بذلك عام 2018 ثم أعادها بايدن عام 2021 في إطار مساع مزيفة ( لحل الدولتين ) الذي تطلب حينها أن تلعب الولايات المتحدة دورا أكبر في الشرق الأوسط وتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج العربي.
ولكي تستطيع ( الأونروا ) استكمال نشاطاتها المقدمة للاجئين الفلسطينيين لابد من تجاهل حروب الصهيونية بقيادة منظمة ( الآيباك ) التي تهدف إلى إيقافها، بطرق أكثر فاعلية من كلمات الإدانة و الشجب ، الدول العربية بحاجة الآن إلى إثارة هذه القضية ( قطع المساعدات عن الأونروا ) أمام المحافل الدولية وكشف كذب المزاعم الصهيونية وانحياز الولايات المتحدة والدول الأوروبية لإسرائيل، مما سيعزز وقوف دول العالم بجانب الشعب الفلسطيني، ومن جانب الآخر لابد من سد الفراغ الذي تركه قطع هذا التمويل بدعم من الدول العربية الغنية التي تستطيع تغطية الأماكن التي يتواجد بها اللاجئون الفلسطينيون في (غزة، الضفة الغربية والقدس، الأردن، سوريا ولبنان)، وربما كان هذا أقل ما يمكن أن تقدمه الدول العربية العربية للشعب الفلسطيني في هذه الحرب القاسية، كما سيصبح من الجيد أيضا أن يكون للوكالة حسابات تذهب إليها تبرعات المجتمع المدني، الأحزاب والنقابات لتعزيز موازناتها ودعمها في تخطي هذه الكارثة الإنسانية التي ما زالت قائمة حتى الآن.