في بطولة الدوري العام أنت مطالب باللعب على ملاعب الخصوم عددا من المباريات مساويا تماما للمباريات التي ستلعبها على ملعبك.
أما في الحياة، فأنت لست مطالبا باللعب خارج ملعبك فيكفي أن تلعب فقط على ملعبك وفوق الأرض التي تجيد اللعب بها وتعرف تضاريسها ومطباتها وتعرجاتها.
أما إذا استبد بك التميز الذي حققته في الملعب الذي تجيد اللعب به ولعبت برأسك نشوة النجاح السريع فقررت أن تغادر ملعبك ومددت عينيك إلى ما تمتع به جيرانك وأصدقاؤك وأبناء كارك من نجاح في ملاعبهم فإنك ستفشل حتما – أو على أقل تقدير – لن تحقق نجاحا مساويا لما يحققه الذين يكتفون باللعب فوق ملاعبهم.
تخيل مثلا لو أخذت نور الشريف الغيرة من نجاحات عادل إمام في مدرسة المشاغبين والواد سيد الشغال وقرر أن ينافسه في الارتجال ( كوميديا ديلارت)، وفي نفس الوقت أكلت الغيرة قلب عادل إمام من إجادة نور الشريف التمثيل باللغة العربية الفصحى، فقرر – في لحظة مجنونة – أن يقوم ببطولة مسلسلات مثل عمر بن عبدالعزيز وهارون الرشيد فسوف تكون النتيجة غير مرضية للطرفين وسيخسر الاثنان لأن كلا منهما قرر اللعب خارج المنطقة التي يجيد فيها.
وإذا كان عادل ونور قد انتبها جيدا لضرورة أن تكتفي باللعب في الملعب الذي تجيده، فإن محمود عبدالعزيز احتاج إلى كثير من الوقت حتى يتعلم هذا الدرس.
نحن الآن في منتصف الثمانينات .. اشتعل خلاف ملموس بين محمود عبدالعزيز وعادل إمام إثر تصارع على بطولة المسلسل الشهير رأفت الهجان.
ورغم أن المسلسل قد ذهب في النهاية إلى محمود عبدالعزيز إلا أن الغضب كان قد تمكن منه لاعتقاده أن عادل إمام سعى لتمثيل هذا المسلسل بدلا منه.
حاول عبدالعزيز أن يحارب إمام في ملعبه وهو المسرح الكوميدي فقام ببطولة مسرحيتي خشب الورد و727 ولكن المسرحيتين لم يحققا النجاح المطلوب.
لا بأس من مثال آخر حاول أسامة أنور عكاشه بعد النجاح الطاغي الذي حققه في التلفزيون أن ينقل هذا النجاح إلى السينما والمسرح فكتب عددا من الأفلام والمسرحيات التي حققت نجاحا محدودا لا يقارن بالحلمية والراية البيضا وضمير أبلة حكمت وبقي عكاشة أمير الدراما التلفزيونية.
قبل أربعين عاما سادت صرعة
بين عدد من رؤساء التحرير.
فجأة .. شعر عدد منهم بعد أن استوى على كرسي رئيس التحرير ودانت له صحيفته بما رحبت أن شيئا ما ينقصه.
فلا يصح وهو المسؤول الأول عن النشر في مؤسسته أن يكون أقل من خيري شلبي وبهاء طاهر وإبراهيم عبد المجيد إلى آخر قائمة الروائيين العظام.
فجأة .. نشر الأستاذ إبراهيم سعدة شيئا ما يصعب تصنيفه بين القصة القصيرة أو الرواية بعنوان “القنبلة”.
وبطريقة أو بأخرى طلب من عادل إمام أن يمثلها وعندما رفض إمام المعروف بعدم المجاملة في عمله جند مؤسسة أخبار اليوم كلها لمحاربته وكان يكتب فيلم السهرة على باب الوزير بطولة سعيد صالح ويسرا وكل الممثلين ماعدا عادل إمام.
شيئ مثل هذا فعله الأستاذ وحيد غازي الذي نشر قصة مسلسلة بعنوان “مدام شلاطة” في صحيفة الأحرار التي يرأس تحريرها.
ورغم أن القصة ساعدت في رفع توزيع الصحيفة وتم تحويلها إلى فيلم بعنوان “نجوى” بطولة شريهان بعد أن اعترضت الرقابة على اسم “مدام شلاطة” إلا أن إبراهيم سعدة ووحيد غازي ظل يشار إليهما على أنهما كاتبان صحفيان مجيدان وليس روائيين متميزين.
تريد مثالا آخر .. لابأس.
كان اللاعب الشهير أحمد حسام “ميدو” مشروع مدرب ناجح.
فقد هضم ميدو التجربة الكروية الأوروبية واستوعب مقومات نجاحها رغم تنقله بين عدد كبير من الأندية في وقت قصير.
خاض ميدو تجربة تدريبية ناجحة وفاز بكأس مصر مع الزمالك ثم درب الاسماعيلي وقدم عروضا ممتازة أشاد بها النقاد والجمهور وتوقعنا أن نكون أمام الجوهري الجديد.
فجأة توقف ميدو وقرر أن يمد عينيه إلى ملعب آخر كان يبدو هو الحصان الرائج في تلك الأيام.
على حين غفلة من أهل الإعلام أراد ميدو أن يصبح إعلاميا وأن يجمع بين التدريب والإعلام رغم أن المجالين يسيران في خطين متوازيين لايمكن أن يلتقيا.
قدم ميدو برنامجي “قوضة اللبس” و “ريمونتادا” على التوالي وكانت النتبجة أن فشل كمدرب ولم ينجح كإعلامي.
على العكس من ذلك فهناك نماذج قررت ألا تلعب إلا في ملاعبها فنجحت نجاحا كبيرا ولافتا وصارت “أيقونات” في مجالاتها
خذ عندك محمود الجوهري مثلا.
اختار الجوهري مجال التدريب ومنحه جهده ووقته وكل حياته ورفض كل عروض العمل في مجال الإعلام أو المشاركة في تحليل المباريات أو تقييم زملائه فحقق نجاحا كبيرا لأنه تفرغ للمهنة التي يجيدها.
تريد مثالا آخر في الفن.
عندك عبدالحليم حافظ، فرغم أنه درس الموسيقى وقاد الفرقة الموسيقية في عدد من الحفلات إلا أنه رفض أن يقتحم مجال التلحين واستفاد من إبداع أهم الملحنين في العالم العربي ولم يرقص على السلم مثل محرم فؤاد وعبداللطيف التلباني.
والمعنى أن كل إنسان لن يجيد اللعب إلا في ملعب معين.
ولذلك فإن عليه ألا يغادر هذا الملعب إلى ملعب أو ملاعب أخرى لايجيد اللعب فيها وأن يتركها بإرادته لأصحابها بدلا من أن يتركها لهم رغما عنه.