يوم لا أنساه
في حواراتي الصحفية بالصحف الورقية التي أمتدت لمدة نصف قرن (٤٧ سنة تحديداً) ألتقيت كما أخبرتك بنجوم المجتمع المصري في مختلف المجالات.
وكان من بينهم السيدة “جيهان السادات” رحمها الله ، وهي معرفة قديمة جداً ، ووالدي “إحسان عبدالقدوس” عليه ألف رحمة يعرف “السادات” قبل ثورة يوليو ١٩٥٢ عندما كان مفصولا من الجيش رحمه الله وكان ذلك أواخر الأربعينات من القرن الماضي.
والسيدة “جيهان” معروفة بين أصدقائها برقتها من ناحية وفي ذات الوقت تتميز بشخصية قوية ، سألتها بالطبع عن حرب العاشر من رمضان أو معركة السادس من أكتوبر المجيدة..
وأطلقت سيدتي “جيهان” مفاجأة عندما أخبرتني بحرص “أنور السادات” على الصيام طيلة مدة الحرب في رمضان عدا يوم واحد عندما أفطر في مقر القيادة العامة يوم بدء المعركة ليعطي القدرة لضباطه بأن تعاليم الإسلام تعطي لهم رخصة الإفطار لجسامة العمل العظيم الذي يقومون به .. وبعدها أستمر في الصوم حتى بعد وقوع الثغرة وأزدياد الأعباء الجسيمة الملقاة على عاتقه فقد رفض أن يفطر برغم إلحاح كل من حوله على ذلك.
سألتها: وهل كنت تعلمين بموعد بدء حرب التحرير ، وهل أخبرك بها بأعتبارك شريكة عمره وأقرب المقربين له ؟؟
أجابت على الفور وكأنها تنفي تهمة: لأ طبعاً .. في حياتي لم أسأله أبدا عن عمله ، وهو عنده قدرة عجيبة على كتمان خططه وما يفعله .. والعلاقات بيننا قامت دوماً على أن مملكتي الخاصة وهي بيتي فلا يتدخل فيها ، أعطاني الحرية الكاملة لإدارة شئون منزلنا ، فثقته بي كانت كاملة والحمد لله.
(حوار في الحديقة)
وتضيف سيدتي “جيهان السادات” وهي تضحك: أنا عندي والحمد لله ذكاء معقول .. فقد كانت هناك شواهد مؤكدة على أن الحرب ستبدأ قريباً جداً .. منها مثلاً أنه طلب يوم ٥ أكتوبر قبل المعركة بيوم تحضير “شنطة” له لأنه سيغيب عن البيت أيام عدة !
وفي ذات اليوم أتذكر أنني كنت أتنزه معه في الحديقة الصغيرة الملحقة بمنزلنا .. وأخذت في رفع روحه المعنوية: ربنا معاك .. أنت لم تعتدي على أحد ودائما فقط تعمل على إسترجاع أرضنا المحتلة ، وحتى لا قدر الله لو حدث شيء غير متوقع فإن العالم كله سيحترمك لأنك كنت شجاعاً ورفضت الذل والخضوع.
وهنا توقف “السادات” عن السير ونظر إلى زوجته قائلاً: إن شاء الله ربنا هاينصرنا !
تقول زوجته: قال تلك الكلمة في قوة وعزيمة وإصرار .. كانت أعصابه من فولاذ .. وهذه الأعصاب الحديدية من أهم ما يتميز به واستطاع من خلالها التغلب على كافة الصعاب التي واجهته في حياته.
(رمضان ثلاث أقسام)
وفي ختام حواري معها سألتها: كيف كانت حياة الرئيس الراحل عندما يأت رمضان بعيداً عن المعركة.
أجابت بأبتسامة حلوة تتذكر بها أيام زمان: كانت مقسمة إلى أقسام ثلاث ..
- الأيام العشرة الأولى يقضيها بيننا وسط أسرته.
- * والأيام العشرة الثانية في بلدته “ميت أبو كوم” وهناك يلتقي بأقاربه والفلاحين من أهالي قريته.
- * والأيام العشرة الأخيرة يقضيها في عزلة وإعتكاف متفرغا لقراءة القرآن وكان يحفظ أجزاء كثيرة منه ويقول أن قراءة القرآن ضرورة لمن أراد أن يتقن اللغة العربية ويتذوق حلاوتها.
فاجئتها بالقول: وعلى فكرة ودة نفس رأي والدي وحبيبي “إحسان عبدالقدوس” رحمه الله ، وعندما دخل السجن عام ١٩٥٤ .. قرأ القرآن مرات عدة وبعدها كتب قائلاً: إن قراءة كتاب الله أفاده جداً في تحسين أسلوبه الأدبي والصحفي بالاضافة طبعا إلى النواحي الإيمانية .