من غرائب السينما المصرية في القرن العشرين أنها لم تحتفل بالعيد إلا نادرًا، وأعني هنا العيدين الدينيين الشهيرين، عيد الفطر وعيد الأضحى المباركين.
فمن يرصد تاريخ السينما الروائية لدينا يكتشف بسهولة أن حظوظ هذين العيدين على الشاشة باهت بشكل يثير أكثر من سؤال.
في البداية أود أن أطرح أمامك بعض المعلومات والأرقام، حتى يتسنى لنا البحث بجدية في هذه الظاهرة العجيبة، وهي غياب العيد عن أفلامنا المصرية.
اللافت أن المصريين أنتجوا نحو 2865 فيلمًا روائيًا طويلا في القرن العشرين. كان أولها الفيلم الصامت (في بلاد توت عنخ آمون) الذي صدر عام 1923، وهو من إخراج الفنان الإيطالي فيكتور روسيتو.
وبالمناسبة فقد ظلت السينما صامتة لمدة تسع سنوات حتى نطقت على يد المخرج محمد كريم وفيلمه (أولاد الذوات/ 1932) الذي لعب بطولته يوسف وهبي وأمينة رزق.
المعلومة المهمة الأخرى أن كلمة (العيد) أو (عيد) لم تلتصق باسم أي فيلم مصري طوال ما يزيد عن ثلاثة أرباع القرن إلا مرة واحدة فقط،
وذلك حين قدم المخرج حلمي رفلة فيلمه الكوميدي (ليلة العيد) لإسماعيل ياسين وشادية والذي عرض في 19 ديسمبر 1949 بسينما الكورسال وفقا لما ذكره المؤرخ والناقد الفني الكبير الأستاذ محمود قاسم.
حسنا… كم مرة ظهرت أجواء العيد في أحداث الأفلام؟ وبأي وسيلة قدم المخرجون تلك الأحداث؟
الحق أن نصيب (العيد) محدود للغاية على الشاشة، فهناك غير (ليلة العيد) فيلم (في بيتنا رجل/ 1961) للمخرج بركات، حيث يكتب عمر الشريف رسالة لحبيبته زبيدة ثروت يقول فيها:
(أكتب إليك والعيد على الأبواب يا نوال لأعيّدك وأودعك في نفس الوقت… إن العيد الحقيقي يوم يتخلص وطننا من الاحتلال). وقد انتهى الفيلم بهذه الرسالة، ولم نر أي ملمح لعيد الفطر.
أما (لحن السعادة/ 1960) فأخرجه حلمي رفلة لمحرم فؤاد وإيمان، حيث استعرض بالكاميرا فرحة الناس بعيد الأضحى من خلال مشاهد تصورهم في الحدائق والملاهي والمراكب السعيدة.
المثير أن بعض الأفلام أتت على ذكر فريضة الحج وطقوسها وملابسها، لكنها لم تذكر عيد الأضحى المبارك بشيء، حيث نشاهد أحد أبطال الفيلم وهو يستعد للسفر إلى مكة لأداء الفريضة الإسلامية الشهيرة، أو نراه بعدما عاد من الأراضي المقدسة.
نذكر من هذه الأفلام (ليلى بنت الأكابر “زكي رستم”/ دهب “زينات صدقي”/ 1953)، و(صراع مع الحياة “هند رستم” 1957).
ربما يكون فيلم (حياة أو موت/ 1954) للمخرج الكبير كمال الشيخ هو الفيلم الوحيد الذي مرّ على عيد الأضحى مرورًا لافتا مؤثرًا،
فبطل الفيلم عماد حمدي مفلس عاطل عن العمل، ولم يصرف مكافأة نهاية خدمته بعد، والباقي على العيد يومان، الأمر الذي اضطره أن يبيع ساعته بثمن بخس، حتى يشتري لابنته فستانا جديدًا.
وتبقى أغنية ام كلثوم الخالدة (يا ليلة العيد) التي ترنمت بها في فيلم (دنانير/ 1940) لتغدو أجمل ما قدمته السينما المصرية حفاوة بالعيد وبهجته.