سبحان من جعل لقراءة القرآن فى رمضان تأثيرًا مختلفًا عن قراءته فى غيره من شهور، لم لا ورمضان هو شهر القرآن الكريم حيث يهرع الجميع إلى مصاحفهم التى هجروها طيلة العام إلا من رحم ربي، ويتسابق الكل فى القراءة والتدبر حيث القلوب مفتوحة لاستقبال كلام الله عز وجل أحسن استقبال، فيحدث ذلك الأثر العجيب الذى يجعل العامة أمثالى يشعرون وهم يقرأون القرآن العظيم أو يستمعون إليه فى رمضان أن بعض آياته لم تمر عليهم من قبل ولم تحدث بداخلهم نفس ذلك التأثير أو ربما مرت عليهم دون أن تترك فيهم أى أثر.حدث ذلك معى وأنا أستمع منذ أيام لبعض آيات الذكر الحكيم بصوت فضيلة الشيخ ماهر المعيقلى وهو ينساب فى سهولة وجمال وهو يقرأ قول الله سبحانه وتعالى: «كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر * فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر * ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر * وحملناه على ذات ألواح ودسر * تجرى بأعيننا جزاء لمن كان كفر» (الآيات من ٩ إلى ١٤ سورة القمر). لقد تعرض سيدنا نوح للسخرية والاستهزاء من قومه عندما بدأ يبنى سفينته فى الصحراء. لم يكتفوا برفض الدعوة ولكنهم اتهموه ظلمًا بالجنون، فتوجه لله سبحانه وتعالى بدعاء من ثلاث كلمات فقط: أنى مغلوب فانتصر، فإذا برب العزة يجيب دعوة نوح بسرعة ليرينا عجائب انتقامه من هؤلاء القوم ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر كما فجر سبحانه وتعالى الأرض فتحولت إلى عيون ماء وآبار التقى بماء المطر المنهمر لتبحر فيه تلك السفينة التى كان القوم منذ لحظات قليلة يتساءلون لماذا يفعل هذا المجنون سفينة فى صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء؟!ثم يعقب الله سبحانه وتعالى بذلك التعقيب الذى هو السر الأساسى الذى يجعل سفينة ذات إمكانيات بسيطة تمخر غباب الأمواج لتصل بمن لبوا النداء وركبوها إلى بر الأمان، والسر هو فى قوله: تجرى بأعيننا، نعم هذا هو مكن السر، فلو كانت الأمور تقاس بالمنطق الأرضى لما كان لمثل هذه السفينة أن تتحرك فى مواجهة الأمواج العاتية، لكن الأمور تقاس عند الله بمقاييس أخري، تخيل أى شيء يكون فى عين الله ورعايته، هل يمكن لهذا الشيء أن يصيبه أى مكروه، فأى شرف لهذه السفينة التى جرت بأعينه سبحانه وتعالى، وأى قوة فى ذلك الدعاء البسيط فى عدد كلماته، العميق فى يقينه على أن كل شيء بأمر الله. لقد أصغى سيدنا نوح لأمر الله وقام ببناء السفينة بمفرده، لذا عندما توجه للسماء متضرعًا لله أن ينتصر له من هؤلاء القوم الظالمين جاءت كل تلك الآيات لتقول لنا وحتى قيام الساعة ان هذه سنة الله فى الكون. فإذا أطعت الله سبحانه وتعالى ووضعت أوامره نصب عينيك فلن يهزمك أحد مهما كانت قوته وجبروته، إذا وضعت القانون الإلهى دائما فى عينيك فتأكد ساعتها أن مركب حياتك سوف تسير بأعين الله عز وجل. فدعوة المظلوم المغلوب على أمره المسّلم لأمر الله ليس بينها وبين الله حجاب سواء كان هذا الداعى نبيا من اولى العزم من الرسل، أو كان إنسانا عاديًا لكنه يملك فى قلبه من اليقين ما يجعله متأكدًا وواثقًا أن نصر الله قادم فقط مع الصبر وتسليم الأمر لصاحب الأمر.