أجل… أبهرنا العالم كله بموكب المومياوات الملكي المهيب الذي انطلق من المتحف المصري بميدان التحرير مساء 3 أبريل 2021 مخترقا شوارع القاهرة حتى بلغ مستقره في متحف الحضارة بالفسطاط،
كما أذهلنا الملايين بهذا الانضباط الفني الصارم الجميل والذي تجلى في الإضاءة والتصوير والموسيقى والغناء والأزياء،
الأمر الذي جعل أنهار الفخار تتدفق في شرايين المصريين، فالعالم كله شاهد مبهورًا تلك الدقائق التاريخية الملونة التي استردت بهاء المجد المصري القديم بشموخه وعزته وسحره.
ومثل كل الناس تابعت بشغف الاحتفال الجليل بقلب ينتشي بالعظمة، وانهمرت الأحلام الرائعة في جمجمتي لتلعب بخيالي وترفرف فوق الموكب العجيب،
فرأيت مصرنا العزيزة وقد استعادت فضيلة إتقان العمل في المجالات كافة بعد سنين عجاف كنا قد نسينا فيها هذه الفضيلة الحاسمة،
فشاهدت المسؤولون يأمرون بجمع القمامة من أحياء مصر وشوارعها ويوفرون الناقلات والحاويات لإتمام المهمة حتى صارت مصر خالية تمامًا من أي كوم (زبالة)،
كما تأملت العمال وهم يزرعون الحدائق في كل بقعة سكنية لتوفير المزيد من الأجواء الصحية بجانب اللمسات الجمالية التي توفرها الأشجار والزهور.
ووثبت الأحلام في رأسي إلى ذرى جديدة، فرأيتهم يضعون الخطط الناجعة لتطوير التعليم في جميع مراحله، بحيث يتلقى كل طالب أحدث وسائل العلم الحديث وهو في مدرسته أو جامعته المصممة على أفضل طراز يواكب الطفرات المتلاحقة في تطوير التعليم في العالم المتقدم،
فأعدنا حصص الرسم والموسيقى والخط العربي وشجعنا النشاط المسرحي، كما راودتني أحلام أخرى تبشر بالخير، إذ تابعت همة المصريين وهم ينشئون المستشفيات في كل مدينة كي تحمي أجساد الناس من العطب وتوفر لهم الخدمات الصحية بأسعار زهيدة،
وزادت الأحلام رونقا، فرأيتهم يوفرن اللقاح ضد فيروس كورونا الوغد لجميع المصريين، حيث نجحوا في تطعيم خمسين مليون مصري في ستة أشهر فقط، حتى نحفظ حياة الملايين، بعد أن فقد العالم كله أكثر من ثلاثة ملايين إنسان بسبب هذا السفاح الخفي.
يخترق الموكب الملكي المبهر شوارع القاهرة فتتأمله الحشود بذهول، وتتناسل الأحلام في رأسي، وأرى بلدي وقد تعامل مع شؤون الثقافة والإبداع بالتي هي أحسن،
فأنشأنا المزيد من قصور الثقافة في كل قرية وكفر ونجع، وأعدنا تشغيل ما هو متوقف ووفرنا للشباب في كل أنحاء مصر ما يفجر طاقاته الإبداعية الخلاقة في المسرح والسينما والرواية والشعر والموسيقى والغناء.
وقادتني الأحلام إلى مصر جديدة عفية تحتفل بالجادين الموهبين وترعاهم فتمنحهم ما يليق بهم من مكانة وكرامة ومجد، وفي الوقت نفسه تزيح عن مراكز القيادة والتأثير الأفاقين والكذبة وأرباع الموهوبين.
ولما بلغ الموكب العجيب متحف الحضارة انقطعت الأنفاس من روعة المشهد، وانسالت الأحلام تباعًا،
فرأيت مصر وقد انحازت تمامًا للتفكير العلمي العقلاني، ومنحت أصحابه الصلاحيات اللازمة كي ينشروا أفكارهم ورؤاهم لتدحض خرافات المتطرفين وكراهيتم للحياة،
وقد وقف أصحاب الرؤى التي تنتصر للعقل والعلم والآداب والفنون… وقفوا بالمرصاد ضد الذين يرفوض العصر ويطالبون باتباع من سبقونا في كل شيء دون نقد أو تمحيص.
ومع إسدال الستار على جلال الموكب الملكي للمومياوات ظلت الأحلام تتقافز في رأسي، فتمنيت أن نعمل بكل السبل على الحفاظ على ماء النيل، فلا نخسر منه نقطة واحدة،
ولا نحرم الأجيال القادمة من حقهم المشروع في النيل الذي يجرى منذ الأزل في بلادنا، وفي الوقت نفسه نجتهد بدأب من أجل أن ننشر في ربوع مصر كلها قيم العدل والإنصاف والحرية والحق والخير والجمال،
فأجدادنا الأفذاذ الذين صنعوا الحضارة المذهلة القديمة سيتململون في رقادهم كثيرًا إذا خسر أحفادهم معركة بناء الحضارة الحديثة.