السمات العامة التي تجمع فرقة القرآنيين
(زنادقة العصر، والملاحدة الجُدُد)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إخواني الكرام.
بدأنا في الحلقة الأولى نتحدث عن هذه الطائفة المرتدة، وبَيَّنَّا باختصارٍ شديدٍ أسسَ دينهم القائمِ على عزل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدين، وأنه ليس إلا مبلِّغًا فقط للقرآن الكريم، وأن سنةَ الرسول كلها لا تلزم المسلمين أصلًا، لأن القرآن فيه بيانُ كل شيء، ولا حاجةَ إطلاقًا للرسول صلى الله عليه وسلم في بيان الدين، فضلا عن كونه بشرًا يُتَوَقَّع منه الخطأ والوهم والمعاصي والكبائر، بل ويُتَوقع منه الكفر والشرك، والعياذ بالله. تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرًا.
-وبدايةً أقول لحضراتكم: هذه الفرقة ليس لها مثيل في تاريخ الإسلام كله، لأن الفرق الضالة التي نبتت في العهود القديمة لم يجتمع عندها مثلُ ما اجتمع عند هذه الفرقة من الضلالات والكفريات، وإنكارِ المعلوم من الدين بالضرورة، حتى إنهم يقرون بأن دينهم ليس هو دينَ المسلمين الذي يسيرون عليه منذ 1440 سنة.
وهذا هو اللقاء الثاني الذي أتكلم فيه عن السمات العامة التي تجمع هذه الفرقة الضالة، الذين هم أحق باسم زنادقة العصر، والملاحدة الجُدُد.
إخواني الكرام:
سأتكلم إن شاء الله تعالى عن خمسة أمور -تباعًا – تُعتبر مدخلا وتعريفًا بهذه الفرقة الموسومة بالقرآنيين، وعن سماتهم التي تجمعهم، وما هي أقوالهم في العقائد والعبادات وأحكام الشريعة، وما هو منهجُهم في الاستدلال على ما يقولون، وسأبين لكم تناقضَ هذه الفرقة الضالة في معتقداتهم، وسأورد لكم أقوالهم، وجميعَ ما استدلوا به من القرآن، وأبين لحضراتكم بطلانَ هذه الاستدلالات كلِّها، وسيتضح لكم أنهم من أكثر الخلق جهلا بكتاب الله، وكذبًا على الله وعلى دينه.
إخواني الكرام: أول ما أبدأ به كلامي عن هذه الطائفة، التي هي أحقُّ يوصف زنادقة العصر والملاحدة الجدد، هو بيان السمات العامة التي تجمعهم على سبيل الإجمال.
وأولُ ما تشترك فيه هذه الطائفة أن أكابرهم ليس لهم تاريخٌ في الدعوة إلى الله تعالى، وإنما هم أناس – غير متخصصين في دراسة الشريعة – وقفزوا إلى الدين عن طريق النت واليوتويب، أو البرامج والمنظمات المشبوهة التي تستخدمهم لأغراض معلومة.
-وبناء على هذا، لا تجدهم يعظون الناس بالتوبة والرجوع إلى الله، أو يوصونهم بتقوى الله والعمل للآخرة، أو التقرب إليه سبحانه بالطاعات، أو التمسك بأخلاق المسلمين، أو الاقتداء بالرسول والتمسك بهديه صلى الله عليه وسلم، بل تراهم يبيحون لهم كثيرا من المحرمات المقطوع بها في الشريعة كما سيتضح لنا فيما بعد إن شاء الله.
-وأولُ الاهتمامات عند هذه الفرقة هو العمل على هدم ثوابت الدين في العقيدة والعبادة والشريعة، وسأعرض عليكم أقوالهم فيما بعد إن شاء الله، وستجدون أن هذه الأقوال ما هي إلا هدمٌ لدين الإسلام من داخله تحتَ حجةِ التمسك بالقرآن الكريم وحده.
ولذلك فَهُمْ عمليًّا – وبطريق غير مباشر ومتستر – ممن يعملون على نشر الإلحاد والشك في دين الإسلام كله.
ثانيًا – من أكبر اهتمامهم الإصرارُ الغريب على تشكيكِ المسلمين في أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وفي أفعاله وفي سيرته.
- وذلك عن طريق ادعاء التناقض بين أقوال الرسول الثابتة عنه مع القرآن، أو تناقض الأحاديث مع الأحاديث.
- أو ادعاء كونها غيرَ محفوظة.
- أو أنها كُتِبت بعد 250 سنة من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو غير ذلك من الحجج التافهة.
وهذه الحجج كلها كذبٌ وجهلٌ وتضليل متعمَّد، وسيظهر لكم جهلُهم وكذبُهم بالبراهين القاطعة إن شاء الله تعالى.
ثالثًا: تراهم يتجاهلون سيرةَ الرسول صلى الله عليه وسلم تجاهلا تامًّا، فلا تجدُهم يحدثونك في أي موضوع عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكأنَّ رسول الله ليس له تاريخٌ أصلا، أو أنه كان شخصيةً مجهولة لا يعرف لها سيرة، وإنما اقتصر دورُه على تبليغ القرآن للمسلمين فقط.
طيب: ولماذا يُصِرُّون على التجاهل لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم الاعتراف بأقواله وأفعاله؟
هم يفعلون ذلك على اعتبار أن أقوال الرسول وسيرته صلى الله عليه وسلم ستهدم إلحادهم وكفرهم وأفكارَهم التي يروجون لها، بدايةً من إنكار وجوب الصلوات الخمس، ثم كيفية أداء هذه الصلوات، وكيفية العمرة والحج، وغير ذلك من بقية العبادات والأحكام الشرعية.
ومن أكبر ما يحرصون على إنكاره سيرةُ الرسول في الجهاد في سبيل الله، وإنكار إقامته للحدود.
-وكلُّ ما سبق – إخواني الكرام – من عدم اعترافهم بسيرة الرسول وأقواله وأفعاله، كلُّ ذلك ليتمكنوا بعده من اللعب بآيات القرآن الكريم، وتفسيره على حسب أهوائهم.
*ومن أغرب الأمور التي يحرصون على إثباتها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن أميًّا، وأنه كان يعرف القراءة والكتابة.
ولا أدري حقيقةً لماذا هذا الحرص الشديد على نفي أن الرسول كان أميًّا.
أتعرفون لماذا هذا الإصرار؟ حتى يسهل القولُ لدى بعضِهم أن بعض ما جاء به الرسول من الدين مأخوذ من شريعة اليهود كالرجم مثلا، وأن الرسول كان مطلعًا على هذه الأحكام في كتب اليهود والنصارى.
رابعًا: لا قيمة عند هؤلاء إطلاقًا لأقوال الصحابة في الدين ولا للعلماء كافة، قديمًا وحديثًا، ولا للغة العرب التي بها تُفهم الكلماتُ الغريبة الواردة في القرآن.
مع اتفاقهم على السخرية من أهل العلم كافة، وازدرائهم جميعًا والتطاولِ عليهم، ووصفِهم بأنهم أبالسة الدين، وكهنة الشريعة.
خامسًا: ثم تراهم يتَّسِمُون بسمة ظاهرة عليهم جميعًا، وهي الفهمُ المختل لآيات القرآن الكريم، وذلك لأن كلا منهم عنده هوًى مستقلٌّ، فينظر في الآية لا كما يتفق مع اللغة العربية التي نزل بها القرآن، ولا كما يتفق مع منطوق الآية نفسه، بل ينظرون إليها نظرَ من يريد استنطاقَها بغير ما تدل عليه أصلًا، لا من قريب ولا من بعيد.
وأنا أقسم بالله تعالى – وأنا دكتور متخصص في دراسة الشريعة منذ سنة 80 من القرن الماضي – أقسم بالله أن جميع الآيات التي يستدلون بها على ما يدَّعونه ويفترونه من الأباطيل، هو استدلال خاطئ قطعًا، ولا يدل أبدًا على ما يريدون إثباته.
والأمثلةُ على ما أقول لا تُعَدّ ولا تُحْصَى، وسترون فيما بعدُ إن شاء الله حقيقة ما أدعيه.
سادسًا: يجمعهم كذلك استغلالُهم لعدم معرفة معظم المسلمين بكيفية البحث في مسائل الشريعة، أو معرفة المصادر التي يراجعون من خلالها أقوالَ هؤلاء الذين يفترون على الله الكذب.
سابعًا: ومن أبرز سماتهم أنهم لا يحفظون القرآن الكريم، بل أكثرُهم لا يعرفون قراءتَه قراءةً سليمة، بل تكاد – واللهِ – تستلقي من الضحك عندما تسمع أحدهم يقرأ آيةً من القرآن، وهؤلاء هم الذين يزعمون أنهم المتدبرون للقرآن الكريم.
ثامنًا: وترى عندهم دائما التوهينَ المستمر، بل والاحتقار من مسألة حفظ القرآن الكريم، وكأنه لا قيمةَ عندهم لحفظ نصوص الشريعة.
تاسعا: الطعن الدائم في علماء الحديث والفقهاء -ومنهم أئمةُ المذاهب الأربعة طبعًا – فقد اتهموهم جميعًا بأنهم اخترعوا هذه الأحاديثَ التي أوردوها في كتبهم وأنهم نسبوها للنبي صلى الله عليه وسلم زورًا وبهتانًا، وأنهم قصدوا التقرب للسلاطين، والوصول إلى بعض المنافع الدنيوية.
وزيادةً على ذلك يسمونهم رجالَ الكهنوت، أو كهنةَ الأديان، أو أبالسةَ الدين، أو يُسمون الأحكام التي قالها الفقهاءُ بأنه دينُ الكهنة.
وبناءً على افتراءاتهم هذه: فإن هذه الأمة تُعتبر شرَّ أمةٍ أُخرجت للناس، وليست خيرَ أمة كما قال الله تعالى؛ فقد اتهموا العلماء بأنهم افتروا كلَّ هذه الأحاديث ونسبوها زورًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم غيَّروا الدين وزادوا فيه ما لم ينزل الله به سلطانًا، وأنهم شرعوا ما لم يأذن به الله.
ومعنى كلامهم هذا، أن دين المسلمين قد تبدَّل وتغَيَّرَ منذ عهد الصحابة، وأصبح دينًا آخر غيرَ دين الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
والنتيجة الحتمية لهذه الأقوال الكاذبة أن جميع أمة المسلمين في نار جهنم؛ لأنهم يسيرون على دينٍ مُبدل ليس هو دين الإسلام.
حادي عشر: ويجمعهم كذلك عدمُ تخرجهم من الكليات الشرعية وعدم دراسة الدين دراسة علمية على أيدي العلماء كما يفعل كل دارس في تخصصه.
شحرور – الكيالي – أحمد عبده ماهر – هداية – حسين الخليل
ثاني عشر: عدمُ دراستهم للغة العربية في الكليات المختصة بذلك، فهم ليسوا من خريجي هذه الكليات؛ ولذلك حُرِمُوا من فهم الآيات فهمًا سليمًا، كما تدل عليه لغة العرب.
ثالث عشر: ومن سماتهم – لمن تَتَبَّعَهم – أن أقوالهم ليست متفقةً، بل يتناقضون أشدَّ التناقض مع بعضهم البعض.
فأحدُهم يُقِرُّ بالصلوات الخمس عند المسلمين كشحرور.
وآخرُ يُقِرُّ بصلاتين فقط.
وأحدُهم يُقرُّ بكيفية الصلاة التي أخذها المسلمون عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وآخرُ يقول: مَن قَلَّدَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في كيفية الصلاة فهو مشرك. كمحمد هداية.
وبعضهم يعترف بالسجود في الصلاة.
وآخرُ يصف سجودَ المسلمين في الصلاة بأنه كلام فارغٌ. وهو محمد هداية.
وأحدهم يقول: القرآن نزل مكتوبًا مضبوطًا بالشكل كمحمد هداية.
وآخر يقول: القرآن نزل مكتوبًا غير مشكول؛ ولذلك هو يقرؤه على مزاجه، مثل مدحت الحريري صاحب قناة تدبرات قرآنية.
-وأحدهم يقول: القرآن نزل بهذا الترتيب الموجود بين يدي المسلمين، الفاتحة أول سورة، وبعدين البقرة، وبعديها سورة آل عمران وهكذا. مثل محمد هداية، وهو بذلك يخالف العالم كلَّه مسلمين وكافرين.
إخواني الكرام: ومن تتبع أقوال هذه الطائفة رأى تناقضَهم العجيب في تفسير الآيات والأقوال.
-وهذا دليل قطعي لمن يعقل أن تدبرهم المزعوم في القرآن نابعٌ من أهوائهم فقط.
وهو كذلك دليل قطعي أيضًا: على أن القرآن ليس تبيانًا لكل شيء على حسب رؤيتهم وتفسيرهم للآية؛ بدليل بسيطٍ وهو أن القرآن لو كان تبيانًا لكل شيء ومُفَصَّلًا في كل شيء، بحسب نظرتهم طبعًا. لو كان كذلك لما وقع بينهم اختلافٌ وتناقضٌ أصلا في الأقوال والأفكار.
وهذا برهان ضروري قاطعٌ على كذبهم في تدبرهم للقرآن، وأن القرآن لا يقول بما يريدون.
رابع عشر: ثم تراهم جميعًا قد نفضوا أيديهم تمامًا من موضوع الرد على شبهات الملحدين، أو شبهات النصارى، أو الردّ على شبه المرتدين.
فكلُّ هذا لا يشغلهم أصلا، وكيف يشغلهم وهم يؤدون نفسَ المهمة تحتَ ستار التمسك بكتاب الله وتدبره، ومن ثّمَّ فلا ترى لهم هَمًّا إلا تشكيكَ المسلمين في ثوابت الدين عقيدةً وعبادةً وشريعةً.
ثم تراهم بعد ذلك: يَصفون أفكارَهم وتفسيراتهم لآيات القرآن أنها ناتجةٌ عن التدبر والتفهم لمعنى الآيات.
وكأنَّ مفسري الأمة جميعًا لم يكونوا يفهمون القرآن أصلًا وأنهم كانوا نقلة فقط ولا عقول لهم.
سابع عشر: وتراهم جميعًا وكأنهم قرؤوا على شيطان واحد، فكلُّهم رضعوا من كتابات الملحدين والمنصرين والمرتدين في إثارة الشبهات التي يواجهون بها المسلمين، فترى هؤلاء ينقلون نفسَ الشبه ويُكررونها لتشكيك المسلمين في دينهم.
-ثامن عشر: وقبل الأخير: أنك ترى – لو تتبعتَ أمورَهم وحياتهم – أن العلمانيين والمنظمات المعادية للإسلام يحتفون بهؤلاء القرآنيين ويُفْسِحون لهم المجالات التي يَنشرون فيها باطلَهم.
-ولا تستغربْ ولا تتعجبْ من هذا الأمر، فالمنظماتُ المعادية للإسلام يحتفون بأمثال هؤلاء، لأنهم يُضْفُون على اليهود والنصارى وغيرِهم، لقبَ المؤمنين، وأنهم من أهل الجنة، وإنْ كفروا بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالإسلام وبالقرآن بل وكل شرائع الدين.
والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾.
-ولذلك تراهم يُعَظِّمون الكفارَ، ويترحمون على موتاهم؛ فهذا أحدُهم يمدح مخترع المكيف، ويقول بالحرف الواحد: (في هذا الجو الحار لا يَسعني إلّا أن أذكر هذا الإنسانَ العظيم ويلس كارير رضي الله عنه، الذي اخترع لنا مكيفَ الهواء. هذا فعلا هو من يستحق أن يكونَ من المبشرين بالجنة) انتهى كلامه.
وأخيرا: فإن مما يجمعهم أيضًا الميلُ الشديد إلى العلمانيين، ويتفق أكثرُهم أو كلُّهم على ما تطالب به الجمعياتُ النسوية، من التسوية في الميراث بين الذكور والإناث في كل الأحوال، والمطالبة بإباحة تزويج المسلمة من اليهودي والنصراني وغيرهما؛ والمطالبة بحرية الردة، ونفي الحدود عن المرتد، والسارق وشارب الخمر، وغير ذلك، حيث ترى أقوالَ هذه الطائفة في العقيدة والشريعة تَنصر مبادئ اللادينيين والنِّسوية، وسوف أحكي لكم أقوالهم التي يتفقون عليها والتي تخرجهم من دين الإسلام خروجًا تامًّا.
إخواني الكرام: أنا أكتفي بهذا القدر ونلتقي بإذن الله في اللقاء القادم لأبين لكم أقوال هؤلاء في العقيدة والعبادات والأحكام الشرعية.
وفقنا الله وإياكم والمسلمين لمعرفة الحق واتباعه. اللهم آمين.
مدرس الشريعة بكلية دار العلوم ج القاهرة