الفراشة الجميلة التي رحلت في عز مجدها وشبابها !!
حصلت علي لقب أفضل راقصة في العالم ..من مهرجان الشباب بروسيا
ولدت بين وحوش السيرك .. و” قرشان صاغ ” أول أجر لها !!
تمثال لها علي مدخل مسرح ” البولشوي ” .. بأوامر خروتشوف !!
لقنت كاميليا علقة ساخنة في معركة نسائية بكواليس ” بابا عريس “
هزمها المرض الخبيث بعد صراع ثلاث سنوات
/ بقلم / نادر أحمد /
تظل الفنانة الراحلة نعيمة عاكف واحدة من أهم نجمات السينما المصرية في زمن الفن الجميل ، فهي أشهر نجمة إستعراضية في تاريخ السينما المصرية ، وتعتبر من أبرز نجمات الرقص الشرقي ، ولموهبتها الفريدة إستطاعت أن تعتلي عرش الرقص الإستعراضي في فترة خمسينات القرن الماضي وتخطف قلوب الجماهير ، ولم تتوقف موهبتها عند فنون الرقص فقط بل أن موهبتها إمتدت للغناء والتمثيل وتقديم المنولوجات ، لذا فهي من الفنانات القلائل التي كانت تمتلك وتجمع وببراعة فائقة تلك المواهب معاً ، كما كانت خفيفة الظل وقريبة إلى القلب ،وجاء تألقها في عالم السينما برشاقتها وخفة دمها مما جعلها تحمل لقب نجمة ومعبودة الجماهير في فترة قصيرة .
ورغم مشوارها الفنى القصير الذي لم يتعدي 16 عاماً والوفاة المبكرة في عزعنفوان شبابها إلا أنها استطاعت أن تقدم أعمالًا تركت بصمة في ذهن المشاهد ، وتظل نعيمة عاكف – الفراشة التي رحلت في ريعان شبابها – هي أيقونة الرقص الشرقي والإستعراضي وقمة التألق الفنى لدي عشاقها وجمهورها ، فهي فنانة بعيدة عن المقارنة ، فأدائها الراقص التعبيري التي كانت تقوم بتصميمه جعلها صاحبة أجمل الرقصات الإستعراضية الغنائية التي تخلب بها الألباب .
وتعتبر الفنانة نعيمة عاكف هي الفنانة المصرية الوحيدة التي أعجب بها وبأدائها رئيس الإتحاد السوفييتي السابق نيكيتا خروشوف ، وذلك بعد أن تربعت علي عرش الرقص الشعبي وحصلت علي لقب أحسن راقصة في العالم من مهرجان الشباب الذي أقيم في العاصمة الروسية موسكوعام 1958 ، ومن شدة إعجابه بها أمر خروتشوف بتصميم وصنع تمثال لها وضع بمدخل مسرح البولشوي العالمي ، تلك هي نعيمة عاكف التي يمر علي رحيلها يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي – 23 أبريل 2024 – 58 عاماً ،حيث رحلت وهي لم تكمل 37 ربيعاً ، تاركةً خلفها عدد كبير من الأعمال الخالدة في تاريخ السينما المصرية والعربية .
( الميلاد وسط وحوش السيرك )
ولدت أيقونة الجمال والإبداع الفنانة نعيمة سيد إسماعيل عاكف في 7 أكتوبر 1929 بمدينة طنطا ، في السيرك الذي تمتلكه عائلتها وسط الوحوش ولاعبي الأكروبات والألعاب البهلوانية ، وكانت هي الشقيقة الصغري لأربعة بنات كلهن يعملن بالسيرك الذي كان يعمل في المناسبات والاعياد والموالد خاصة في أيام الإحتفال بمولد السيد البدوي ، وعندما ولدت نعيمة وفتحت عينيها علي الدنيا لم تستقبلها عائلتها بالأفراح بل إستقبلتها بالبكاء والعويل والحزن ، لأنهم كانوا يرغبون في أن يكون المولود ولدا بدلا منها فقد كانت هناك ثلاث شقيقات ، ولأنها أنثى تحملت نتيجة القدر والعقاب على مالا يد لها به ، وعانت من قسوة والدها الذي لم يكن يعلم أنه يملك دجاجة ستبيض ذهباً ، فكان يقوم باستغلال بناته فى السيرك الذى قد ورثه عن والده ، ويأخذ كل إيراداته للذهاب إلى مائدة القمار، ولا ينفقه على أسرته .
بدأت أسطورة الفن نعيمة عاكف مشوارها الفني وهي في الـرابعة من عمرها في السيرك الذي كان يمتلكه والدها ، وكانت في البداية ترفض أن تشارك شقيقاتها في ألعابهم البهلوانية ، ولكن والدها شعر أن طفلته الصغيرة تمتلك إمكانيات تختلف عن بقية أخواتها ، ومن الممكن أن تصبح نجمة في عالم الأكروبات والسيرك إبتداءً من تلك المرحلة المبكرة ، وهنا لجأ والدها لحيلة تمكن من أن يجذبها لعالم البهلوانات فقام بخدعة كي يُعلمها أصول المهنة وهي في هذا السن، فبدأ يُعلم شقيقتها الكبرى بعض الحركات الاستعراضية الخاصة بالسيرك ويثني عليها ويُشيد بموهبتها أمام نعيمة مما جعلها تغار من شقيقتها الكبري ، فأصرت على أن تتعلم هذه الحركات وبشكل أسرع منها لينجح والدها في أن يجذبها لذلك العالم ويجعلها نجمة وهي في مرحلة الطفولة .
( قرشان ..الأجر اليومي )
وأصبحت نعيمة عاكف نجمة الفرقة منذ كان عمرها أربع سنوات ، وعندما بلغت السادسة من عمرها شعرت بأهميتها فطالبت والدها بأجر عملها في السيرك وهددته بترك المكان ، فاضطر أن يرضخ لها بعد أن هربت بالفعل ، وأعادها البعض ممن يعرفها من رواد السيرك ، فخصص لها والدها قرشين أجر يومها في السيرك وقت العمل ، وفي الأجازات قرشاً واحداً .
والطريف أن أول مواجهة لنعيمة عاكف أمام الجمهورفي أحد حفلات السيرك كادت أن تلقي حتفها أو تتكسر عظامها ، أو علي الأقل تعتزل مهنة أو لعبة الأكروبات ، فبعد أن تدربت كثيراً علي القفز في الهواء عدة مرات ، وتتشقلب وتنزل واقفة علي أرضية المسرح ، حدث أن إنتابها خوف شديد عندما وجدت حولها جمهور غفير ، فأصابتها رجفة فلم تستطع تأدية حركة القفز والشقلبة في الهواء لتسقط علي الأرض وسط صيحات وصراخ الجمهور ، ولكن الحظ خدمها لأنها وقعت فوق أرضية المسرح والمغطاه بغطاء قطني سميك لتنجو من المصير المجهول ، ومع تصفيق الجمهور تشجعت لتعيد نفس القفزة في الهواء وتنجح في تنفيذها وسط أهات وتصفيق وتشجيع الجمهور .
( شارع محمد علي )
وكان والدها مدمن لعب القمار حتي انه في ليلة رهن السيرك بأكمله وخسره علي طاولة القمار بكل معداته وأدواته ، مما إضطره لأن يترك مدينة طنطا ويرحل مع أسرته إلي القاهرة ، وعندما بلغت نعيمة عاكف سن العاشرة تزوج والدها من سيدة أخري ، فأخذت الأم بناتها الأربعة لتعيش معهن في شقة صغيرة متواضعة بشارع محمد علي ، ولشظف العيش ولعدم وجود مهنة يعملن بها ، إضطررت الفتيات أن يعودوا لمهنتهم القديمة حتي ولو لم يوجد سيرك ، فسرن في الشوارع يتشقلبن في أكروبات التي إعتادوا عليها أمام المقاهي كي يكسبن بعض القروش لتكفي شبح الجوع عن الأسرة الفقيرة ، وبرزت نعيمة وسط أخواتها بحركاتها البهلوانية التي كانت تجذب الأنظار ، حتي شاهدهم يوماً الفنان علي الكسار فأعجب بهن فأخذهم معه لمسرحه وإتفق معهم ليقدمن نفس الفقرة البهلوانية التي يقدمنها في الشارع لتكون فقرة ترفيهية أثناء فصول عرضه المسرحي مقابل 12 جنيهاً شهرياً . !!
وبالرغم من أن المبلغ كان يكفي أسرتها في ذلك الزمن ، إلا أنها كانت تبحث عن الأفضل وبالفعل بعدما أبهرت الجميع ، إختطفت الفنانة بديعة مصابني الشقيقات لمسرحها ورفعت أجرهن إلي 15 جنيهاً شهرياً ، وقامت بديعة بتعليم نعيمة عاكف فن المونولوج والرقص الشرقى حتى لقبتها بديعة بـ«اللهلوبة» ، ومع ذلك لم يدم وقتها مع بديعة طويلًا ، بسبب أن بديعة فضلتها علي زميلاتها وزملائها ، مما جعلهم يشعرون بالغيرة.. ، وذات يوم تجمعوا عليها وحاولوا ضربها ، لكن نعيمة أثبتت أنها أقوى وأكثر رشاقة منهم ، وفازت بالمعركة القتالية مما تسبب في طردها من كازينو وملهي بديعة .
( السينما تفتح أبوابها )
لم يدم الحال طويلاً فقد إنتقلت نعيمة إلى مكان أخر ألا وهو ملهي ” الكيت كات ” والذي كان بالمصادفة يرتاده معظم مخرجي السينما ، وبالفعل عملت في ذلك الملهي لفترة طويلة ، إلى أن جاءت النقلة الكبيرة التي غيرت حياتها بالكامل ، ففي أحد الأيام شاهدها المخرج محمد كريم وأعجب بأدائها ، فطلب منها أن تقدم مشهد راقص علي الشاشة بفيلم ” حب لا يموت ” عام 1948 والتي لعبت بطولته راقية إبراهيم وزوزو شكيب وسراج منير وعباس فارس ، ولم يذكر إسم نعيمة عاكف في بوستر الفيلم بل كتب إسم الوجه الجديد وحيد صالح الذي لعب البطولة أمام راقية إبراهيم .
وجاء ثاني ظهور لها علي شاشة السينما علي يد الفنان أنور وجدي ، وهو أول من أعطي لها دور تمثيلي عندما قدمها في ثاني ظهور لها علي شاشة السينما كبطلة أمامه في فيلم ” أه ياحرامي” وبمشاركة سليمان بك نجيب وزينات صدقي وإسماعيل يس ، وزين انور وجدي بوستر دعاية الفيلم بدعاية صارخة فكتب : ” صانع العجائب السينمائية أنور وجدي يقدم لأول مرة نعيمة عاكف في الفيلم العجيب ” أه ياحرامي ” ، وهو الفيلم الذي لعب بطولته وإخراجه وإنتاجه عام 1948 أيضاً ، وبذلك يكون هو المكتشف الحقيقي لموهبة نعيمة عاكف الفنية ، وفي الفيلم أبرزت نعيمة قدراتها الإستعراضية إلي جانب أدائها التمثيلي ، ولكن فيلم ” أه ياحرامي ” لم يحقق النجاح الذي كان ينتظره أنور وجدي ، وإعتقدت نعيمة أن الدنيا توقفت عند ذلك الفيلم ، ولكنها رأت أنها لم تخسر شيئاً فهي ما زالت ترقص في ملهي الكيت كات ولها جمهورها الخاص الذي يحضر كل ليلة لمشاهدتها .
ونشاء الصدفة أن يشاهدها المخرج أحمد كامل مرسي وهي ترقص رقصة ” الكلاكيت ” ببراعة فإندهش من مرونة جسسدها ، فطلب منها تقديم نفس الرقصة من خلال مشهد بفيلمه ” ست البيت ” بطولة فاتن حمامة وعماد حمدي ، ووافقت نعيمة عاكف علي الفور وسعدت أنها ستعود مرة أخري للسينما حتي ولو بمشهد راقص أخر ، ولكن المخرج حسين فوزي الذي كان يشاهدها في صالات الرقص كان له رأي أخر، وأيقن أنه أمام موهبة فنية بل جوهرة نفيسة ، فقد كانت له نظرة “الجواهرجي” الذي يعرف كيف ينتقي الألماس ، وبنظرته الثاقبة رأى أنها نجمة موهوبة تنتظر من يأخذ بيدها ، فلم يقتنع بأن تؤدي دور راقصة في مشهد عابر بفيلم ” ست البيت ” فأخذها لتشارك في بطولة فيلم ” العيش والملح ” أمام الوجه الجديد أنذاك الفنان والمطرب سعد عبدالوهاب في أول ظهور له بالسينما .
( لهاليبو )
وعقب النجاح الباهر لفيلم ” العيش والملح ” تعاقد معها حسين فوزي على احتكارها كبطلة في الأفلام التي يخرجها لحساب إستديو نحاس فيلم ، فأسند لها بطولة فيلم ” لهاليبو ” والذي نجح نجاحاً كبيراً جعلها تنطلق لسلم النجومية والشهرة بسرعة الصاروخ ، والذي تدور جزء من أحداثه في السيرك ، حيث شعرت أنها وجدت نفسها في الفيلم الذي يجسد جانب من حياتها ولعب البطولة أمامها الوجه الصاعد حينذاك شكري سرحان مع سليمان نجيب وحسن فايق وعفاف شاكر شقيقة الفنانة شادية .
ومن عوامل نجاح فيلم ” لهاليبو ” أيضاً الأغنية التي قامت بأدائها في الفيلم ومطلعها ” لهاليبو يا وله .. أهي جاتلك يا وله .. دي حورية يا وله ” ولم يمر العام إلا وأصبحت نعيمة عاكف نجمة سينمائية يشار إليها بالبنان ، وقدمت مع حسين فوزي عدد من الأفلام السينمائية من إنتاجه وإخراجه وصلت إلي 15 فيلما من أجمل أفلامهما أشهرها بالطبع لهاليبو- العيش والملح – تمر حنة – بلدي وخفة – نور عيوني – بحر الغرام – فتاة السيرك – جنة ونار – النمر – عزيزة – العيش والملح – بابا عريس – ياحلاوة الحب – احبك ياحسن ,
ورغم فارق السن الكبير بينهما إلا أن المخرج حسين فوزي وقع في غرامها وأحبها وتزوجها ونقلها من شارع محمد علي إلى فيلا بحي مصر الجديدة ، وتغيرت الحياة معها إلي النقيض فإمتلكت نعيمة سيارة ، وأصبح لها رصيد في البنوك ، ولأنها لم تتعلم التعليم الكافي بسبب ظروف حياتها في طفولتها وعملها في السيرك كان يمنعها من الإستقرار في مدرسة ، فقامت بتعليم نفسها ، واستعان زوجها بمدرسين ليلقنوا زوجته دروساً في اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، وبذلك أصبحت تتحدث ثلاث لغات ، كما قام بتعليمها ” الإتيكيت ” من تناول الطعام والحديث مع الأخرين .
ولسطوع نجومية نعيمة عاكف تم إختيارها لتقوم ببطولة أول فيلم مصري بالألوان في تاريخ السينما المصرية “بابا عريس” عام 1950 مع الفنانة كاميليا التي توفيت قبل عرض الفيلم بأيام قليلة عقب سقوط الطائرة التي كانت إحدي ركابها ، كما عادت نعيمة لتعمل مع أنور وجدي في فيلم “أربع بنات وضابط” – وهو أول فيلم تخرج فيه نعيمة من عباءة زوجها – من بطولة واخراج أنور وجدي وهو الفيلم الذي اشتهر باستعراض “العدس الليلة ” والذي كان أخر أفلام أنور وجدي في السينما حيث توفي في العام التالي 1955 .
( 26 فيلماً )
مشوار نعيمة عاكف في السينما يصل إلي 26 فيلماً علي مدار 16 عاماً في الفترة من عام 1948 حتي عام 1964 ، فقدمت في فترة الأربعينات خمسة أفلام ، بينما قدمت في الخمسينات 15 فيلماً بمعدل ثلاث أفلام كل عامان ، ثم قدمت 6 أفلام في فترة الستينات والتي شهدت بداية تخليها عن أداء الدور الأول ، بينما كان أخر أفلامها مع زوجها المخرج حسين فوزي فيلم “أحبك يا حسن” عام 1958 مع الفنان شكري سرحان وقامت خلاله بتصميم رقصاتها في الفيلم وقدمتها مع فرقتها باليه ” نفرتيتي ” ، بينما كان آخر فيلم في حياتها الفنية الفيلم الشهير “أمير الدهاء” عندما جسدت شخصية الجارية زمردة مع الفنان فريد شوقي اخراج هنري بركات ، وهو يعتبر أخر أفلامها السينمائية وإعتزلت بعدها لظروف مرضها ورعاية إبنها الوحيد محمد ، والمفارقة أنها لم تشترك في أي عمل مسرحي بالرغم أنها كانت فنانة إستعراضية .
من المفارقات أنها قدمت ثلاث أفلام عام 1949 منها فيلم ” ست البيت ” بطولة فاتن حمامة وعماد حمدي في مشهد يجمعها مع المطرب عبدالعزيز محمود وهو يغني أغنية ” يامزوق ورد في عود ” ، ثم قدمت أشهر أفلامها ” لهاليبو ” مع شكري سرحان والذي يعتبر أحد أفلامها الهامة في تاريخها الفني ، ثم فيلم ” العيش والملح ” والذي كان أول أفلام المطرب سعد عبدالوهاب حيث حققا معاً نجاحاً كبيراً في ذلك الفيلم ، وقد أعيد إنتاجه في الثمانينات بعنوان ” إلي المأذون ياحبيبي ” بطولة سمير غانم وصفاء أبوالسعود ، وتوالت أفلامها ولمع نجمها فى السينما من خلال أفلام: تمر حنة ، بلدى وخفة، بابا عريس، فتاة السيرك، جنة ونار .
لعبت نعيمة عاكف أدوار البطولة في معظم أفلامها أمام كبار الفنانين، أمثال رشدي أباظة في “تمر حنة”، و”خلخال حبيبي”، وأنور وجدي في “أربع بنات وظابط”، ومحمد فوزي في “يا حلاوة الحب”، وفريد شوقي في “أمير الدهاء”، وشكري سرحان في أفلام “أحبك يا حسن”، و”عزيزة”، و”بابا عريس” و .. ” لهاليبو ” ، ويوسف وهبي “في بحر الغرام ” .
6 أفلام فقط قدمتها نعيمة عاكف بعد انفصالها عن زوجها حسين فوزي في أربعة سنوات إبتداءً من عام 1960 بفيلم " خلخال حبيبي " مع رشدي أباظة إخراج حسن رضا ، و" الحقيبة السوداء " مع شكري سرحان إخراج حسن الصيفي الذي أخرج لها أيضاً فيلمان أحدهما " الزوج المتشرد " مع أحمد رمزي وفيلم " من أجل حنفي " وبمشاركة أحمد رمزي أيضاً ، و" بياعة الجرايد " مع ماجدة إخراج حسن الإمام ،بينما جاء فيلم " أمير الدهاء " للمخرج هنري بركات وبطولة فريد شوقي ليصبح أخر أفلامها علي الشاشة عام 1964 أي قبل رحيلها بعامين .
( المرض الخبيث )
بعد ما يقرب من عشرة أعوام إنفصلت نعيمة عاكف في هدوء عن زوجها المخرج حسين فوزي ، والتقت بالمحاسب القانوني صلاح الدين عبدالعليم ليدير أعمالها ، إلا انها أحبته وتزوجته عام 1959 وأنجبت منه ابنها الوحيد محمد صلاح الدين ليتحقق حلم حياتها التي عانت منه سنوات وهو أن يكون لها إبناً ، حيث كان زوجها الأول رافضاً الإنجاب مكتفياً بأولاده من زوجته الأولي ، وبعدما رزقت نعيمة عاكف بإبنها الوحيد هاجمها المرض الخبيث في أمعائها ليقضي عليها ، فقد كان حظها في الحياة وهذا العالم قليلاً بالرغم أنها أسعدت الملايين إلا أن حياتها كانت قصيرة .
ظهرت بوادر المرض الخبيث دون إنذار أثناء تصوير نعيمه عاكف فيلم ” بياعة الجرايد ” سنة 1963 حيث إكتشفته بالصدفة ، عندما شعرت ببعض الألام في البطن ،وإعتقدت أن ذلك التعب والإرهاق والدوخة بسبب إجهادها في العمل ، وإعتقدت في بداية الأمر أنها حامل للمرة الثانية وتمنت أن تنجب فتاة هذه المرة ، فإنتقلت للمستشفي وأجرت الفحوصات والتحاليل لتكتشف انها مصابة بمرض السرطان اللعين ، وبالتحديد في منطقة الأمعاء ، و صارعت المرض وحاولت أن تقهره ولكنه إستمر معها ثلاث سنوات من حياتها ، وفي أثناء تصوير فيلم “أمير الدهاء” زادت آلام المرض لتكتشف أن السرطان يمتد في كامل أمعائها ، وهنا قررت نعيمة عاكف أن تعتزل الفن نهائيًا، كي تقضي أطول وقت ممكن مع طفلها الوحيد محمد، حيث كان هذا كل مالها في الحياة كما كانت أماً حنوناً له .
ولكن مرض السرطان لم يمهلها الفرصة ، وظلت تصارعه لمدة 3 سنوات، وأخبرتها بعد ذلك أحد المستشفيات في ألمانيا بإمكانية إجراء جراحة واستئصال الورم، لترتفع روحها المعنوية بشكل كبير ، ويوافق الرئيس جمال عبدالناصرعلي علاجها في الخارج بألمانيا..،
ولكن القرار تأخر كثيرا فقبل سفرها بعدة أيام تدهورت صحتها فجأة بسبب مضاعفات المرض ، وأصيبت بنزيف شديد، ودخلت على آثره المستشفى ، ويرفض الأطباء سفرها لأنها لن تتحمل مشقة السفر وركوب الطائرة ، وبالفعل تتوفي في اليوم الذي كانت تنوي الفر فيه إلي ألمانيا ، وينتهي مشوارها مع الحياة في عز شبابها يوم 23 أبريل عام 1966 عن عمر لم تكمل ال 37 عاماً ويوم الثلاثاء الماضي يمر علي رحيلها 58 عاماً .
كانت آخر كلمات نعيمة عاكف قبل وفاتها بدقائق في مستشفي الشفاء عندما كانت تنادي علي طفلها : “محمد.. ابنى محمد” ، وترحل وسنوات عمر طفلها الوحيد أربعة سنوات ، وتشيع جنازتهامن مسكنها بشارع أبوالفدا بحي الزمالك ، والقريب من مسكن السيدة أم كلثوم التي وقفت في شرفة فيللتها مرتدية الملابس السوداء تمسح دموعها بمنديلها وتلوح بالوداع لنعش نعيمة عاكف ، بينما تصدرت الجنازة المهيبة الأوسمة والنياشين التي حصلت عليها من الرؤساء والملوك طوال مسيرتها الفنية .
( نوادر ومواقف)
ومن نوادر نعيمة عاكف أنه في عام 1950 قرر المخرج حسين فوزي أن يجمع زوجته نجمة الإستعراض بجميلة الجميلات الفنانة كاميليا في فيلم واحد ، ودفعه الحماس لأن يصور الفيلم بالألوان الطبيعية أسوة بالأفلام الأجنبية ، وهو ما حدث في فيلم ” بابا عريس ” ليصبح هذا الفيلم أول فيلم مصري بالألوان الطبيعية ، والذي شارك في بطولته أيضاً شكري سرحان وحسن فايق وماري منيب وفؤاد شفيق .
ولكن الجميلتان لم يتفقا معاً ودبت الخلافات والمشاحنات والمشاجرات بينهما بسبب المنافسة ، وأيضاً الغيرة الشديدة ، خاصة أن إسم نعيمة عاكف سيتصدر أفيشات الفيلم والدعاية ، مما دفع كاميليا محاولة التقليل من قيمة نعيمة عاكف والإستهزاء بها بشتي الطرق بسبب نجوميتها ، وعندما فشلت أحضرت معها خادمة أطلقت عليها إسم ” نعيمة ” ، وكانت كاميليا تجلس وسط العاملين بالأستوديو وتنادي علي خادمتها بصوت عالي وتطلب منها أن تساعدها في إرتداء الحذاء قائلة بكبرياء : ” لبسيني الجزمة يا نعيمة ” ، وعندما تخطئ تقوم بوصفها بأسوأ النعوت مع وصلة شتائم ، والمقصود بها نعيمة عاكف ، إلا أن نعيمة لم تحتمل ذلك الوضع فوقفت تعطيها وصلة شتائم وسباب إنتهت بمعركة نسائية كبيرة إنتصرت فيها نعيمة ، ولقنت كاميليا علقة ساخنة وكدمات في وجهها وأنحاء جسمها أثبتت فيها أنها الأقوي .
( الإنتحار من برج إيفل )
في إحدي رحلات نعيمة عاكف مع زوجها الأول المخرج حسين فوزي سافرا معاً إلى مدينة باريس في أول رحلة لهما خارج مصر بعد زواجهما ، وذهبا لزيارة برج إيفل الشهير ولكن بسبب شدة الزحام هناك افترقا في أحدي الأدوار ، واعتقد حسين فوزي أن زوجته هبطت إلى الدور الأرضي فنزل ليبحث عنها، بينما كانت قد صعدت إلي الطابق الذي يعلوه بحثاً عنه، وعندما وجدت زوجها في الطابق السفلي أخذت تنادي عليه ولكنه لم يسمعها بسبب ضوضاء الزحام ، فقررت الذهاب إليه ولكنها فشلت أيضاً في التحرك بسبب شدة الإزدحام، وهنا خشيت أن يتوه من أمام عينيها ، خاصة أنها لا تعرف أحداً في فرنسا ولا تجيد أي لغة غير اللغة العربية .
فكرت نعيمة أن تستغل إمكانياتها الخاصة ولياقتها البدنية وتقفز إلى الدور الأسفل، خاصةً أن الذي كان يحول بينها وبين زوجها هو طابق واحد فقط ، فوقفت علي سور الدور التي تقف فيه لتقفز ،وعندما أوشكت على القفز، شاهدها رجال الشرطة الفرنسية المكلفون بحراسة البرج فإعتقدوا أنها تريد الإنتحار ، فأسرعوا إليها ومنعوها من القفز ، فثارت عليهم بصراخ من أجل تركها لكنهم لم يفهموا منها شئ ، فكانوا يتحدثون معها باللغة الفرنسية والتي لا تفهمها ، حتى إنتبه زوجها حسين فوزي بما يحدث في الدور الأعلي ، ووجد زوجته يحيطها رجال الشرطة، فصعد سريعاً لتلقي نعيمة نفسها في أحضانه باكية ، ويتحدث زوجها مع الشرطة موضحاً لهم الأمر . !!
( راقصة الكلاكيت )
في فرقة بديعة مصابني انبهرت نعيمة عاكف براقصة تدعى “تيشي” والتي كانت تتألق في رقصة “الكلاكيت” ،وفي إحدى المرات غابت الراقصة ” تيشي ” فدخلت نعيمة حجرتها وسرقت الحذاء الذي كانت ترقص به، وظلت تتدرب به على مدار ساعتين ، ثم أخذته إلى عامل الأحذية وطلبت منه أن يضع في حذائها قطع حديد مشابهة، وفي اليوم التالي أعادت الحذاء إلي مكانه، وبدأت التدريب بحذائها علي رقصة ” الكلاكيت ” ثم طلبت من بديعة مصابني أداء الرقصة في الصالة أمام الجمهور ولكن بديعة رفضت أن تخوض نعيمة تلك التجربة.
وبعد إلحاح شديد وافقت بديعة أن تؤدي نعيمة الرقصة العالمية ، وبمجرد صعودها للصالة أبهرت نعيمة الحضور والجميع بأدائها للرقصة الشهيرة .. وبعدها أصبحت نعيمة ليست مجرد راقصة بهلوانية فقط ؛ بل فنانة استعراضية متكاملة وتنال مكانة خاصة عند بديعة مصابني ؛ حيث إن “الكلاكيت” هو أحد فنون الاستعراض العالمية الذي يتميز بقلة محترفيه ويحتاج لمتخصصين لتدريسه ، بينما تمكنت نعيمة أن تتقن الرقصة بدون تعلم من المتخصصين.
المفارقة الغريبة أن الراحلة نعيمة عاكف كانت تخشى الإصابة بالمرض ، فكانت تحرص علي إستعمال المطهرات حتي لا تصاب بأي ميكروب أو جراثيم ، بل أنها كانت حريصة علي أن تغسل الخضروات والفاكهة التي تتناولها بالمطهرات ، وتوصي الطباخ الخاص بها أن يستخدم المطهرات في عمله وخاصة في أواني المطبخ ، وكانت لا تقبل أن يعمل أحداً عنها إلا بعد أن يحضر شهادتين ، أحدهما شهادة حسن السير والسلوك ، والثانية شهادة صحية من وزارة الصحة تؤكد سلامته ، وأنه يتبع إجراءات النظافة والوقاية من الأمراض والجراثيم وأي ميكروبات ، وبالرغم من تلك المحظورات والحرص إلا أن سخرية القدر في أن تتوفي نعيمة عاكف من جراء المرض الخبيث ، الذي لم يقهره المطهرات وقائمة المحظورات والحرص عن عدم الإصابة بأي مرض . !!
( حب حقيقي )
لم يكن زواج نعيمة عاكف من المخرج حسين فوزي زواج مصلحة كما يظن البعض إعتماداً علي أن هناك فارق سن كبير بينهما ، فقد أحبته بالفعل .. ولما لا ، أليس هو من فتح الباب علي مصراعيه لتكون نجمة في بضعة شهور ، أليس هو من أعطي لها الفرصة الكبيرة في القيام ببطولة فيلم سينمائي ، بل وإحتكر مجهودها مع إستديو نحاس فيلم ليقدما معاً سلسلة أفلام جعلتها نجمة النجوم ، لقد وجدت نفسها بمجرد أن وضعت قدمها في السينما أنها تعيش في عز ونعيم وجاه وغني لم تكن تحلم به ، فبالطبع أحبته حباً حقيقي .
وحسين فوزي لم يكن شخصية مجهولة ، بل أنه أحد ثلاث أشقاء من مخرجي السينما الكبار ، وإن كان إختلف الإسم الثاني لكل منهم ، فقد حرص كل منهم ان تكون له شخصيته المستقلة في الفن ، فشقيقه الأكبر هو المخرج المعروف أحمد جلال والذي تزوج المنتجة والممثلة ماري كويني وأنجب منها إبنه المخرج نادر جلال ، أي أن حسين فوزي هو عم نادر جلال ، أما شقيقه الأصغر منه فهوا المخرج عباس كامل الذي قدم للسينما عشرات من الأفلام الناجحة منها منديلي الحلو – فيروز هانم – عريس مراتي – العقل والمال .
كان حسين فوزي أكبر من نعيمة عاكف لأكثر من 25 سنة ، ولكنه أحبها هو أيضاً حباً حقيقي ، وكانت لغة العيون هي اللغة الوحيدة المشتركة بينهما ، ولم يتمكن حسين فوزي من إخفاء مشاعره معها ، وكان يخشي أيضاً فارق السن يكون حائل بينهما ، إلي أن إعترف لها في الإستديو أثناء تصوير أحد أفلامهم ليجدها أنها كانت تنتظر منه هذا الإعتراف ، ومن ثم إتفقا علي الزواج في اليوم التالي ليرتبطا عملياً وعائلياً ، وعلي مدار رحلة زواجهما قدما أجمل أفلامهما معاً .
( طلاق .. وزواج )
ودوام الحال من المحال ، حيث إقترب شبح الطلاق وإنفصال الفنانة نعيمة عاكف من المخرج السينمائي حسين فوزي عام 1958 بعد سنوات الحب والنجاح لعدة أمور تأتي في مقدمتها المشاكل الزوجية بسبب فارق السن الكبير بينهما ، ثم الغيرة القاتلة من زوجها عليها لشدة حبه لها ،إلي جانب إنطلاقها في كل المجالات الفنية ، وسفرياتها المتعددة مما أدي إلي تعثر حياتهما الزوجية، وخاصة بعد أن وقف زوجها ضد رغبتها الرئيسية في فكرة الإنجاب، نظرًا لأن لديه أبناء من زوجته الأولى، وكانت هي تريد إنجاب طفل كحق من حقوق الأمومة ، ليتم الطلاق في هدوء وبلا ضوضاء .
وبعد انفصالها عن زوجها حسين فوزي التقت بالمحاسب القانوني صلاح الدين عبدالعليم ليدير أعمالها ، إلا انها تزوجته عام 1959 بالرغم أنه كان من خارج الوسط الفني ، وأنجبت إبنها الوحيد محمد ، وكانت أماً حنوناً بشكل كبير ، ولكنها رحلت وهو طفل في الرابعة من عمره ، وكانت أخر كلماتها : عاوزه أشوف إبني محمد ، وشعرت والدتها بحزن كبير على رحيلها فعكفت علي إحتضان صغيرها لتعوضه فراق أمه .
( الراقصة الأولي )
لقبت الفنانة الراحلة نعيمة عاكف بعدة ألقاب ، من بينها «لهاليبو السينما»، و« راقصة الكلاكيت»، كما حصلت رسمياً على لقب أفضل راقصة في العالم من مهرجان الشباب العالمي بموسكو عام 1958، ضمن 50 دولة مشاركة بالمهرجان ، ووراء ذلك اللقب حكاية ، ففي عام 1956 اختار زكى طليمات نعيمة عاكف لتكون بطلة لفرقة الفنون الشعبية فى العمل الوحيد الذى قدمته هذه الفرقة، وكان أوبريت بعنوان “يا ليل يا عين”، تأليف يحيى حقى ووضع موسيقاها عبدالحليم نويره وتم تقديمها لأول مرة علي مسرح الأوبرا ، ولعبت نعيمة دور عروس البحر ” عين ” ، بينما لعب دور البطولة أمامها الفنان محمود رضا في دور ” ليل ” ، وهو الدور الذي لفت الأنظار إلي موهبته .
ومع نجاح العرض تلقت الفرقة دعوة للمشاركة بعرض أوبريت ” ياليل ياعين ” في عدة دول ، فسافرت نعيمة عاكف مع البعثة المصرية إلى الصين لتقديم الأوبريت بتكليف من مصلحة الفنون المصرية ، وفى عام 1957 سافرت إلى موسكو لعرض ثلاث لوحات استعراضية كانت الأولى تحمل اسم مذبحة القلعة، والثانية رقصة أندلسية ، والثالثة حياة الغجر، وحصلت نعيمة على لقب أحسن راقصة فى العالم من مهرجان الشباب العالمي بموسكو عام 1958 من بين منافسات من 50 دولة شاركت في المهرجان ،بل أن رئيس الإتحاد السوفيتي نيكيتا خروشوف كرمها وأمر بصنع تمثال لها، وتم وضعه في مدخل مسرح البولشوي بموسكو وما زال كائناً في مكانه ويزينه حتي الأن .
( عاشت هنا )
وفي إطار تخليد الدولة لإسم الفنانة نعيمة عاكف أدرج جهاز التنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة المصرية ، اسم نعيمة عاكف ضمن مشروع عاش هنا، وبالفعل تم تعليق لافته ” عاش هنا ” على مكان مسكنها، في 5 شارع أبو الفدا في حي الزمالك والتي عاشت فيه سنواتها الأخيرة .