أن تكون لك رؤية صائبة، وربما ثاقبة فهو هدف سامق ،وأمر محمود ، وأن تكون قادرا علي القراءة الصحيحة وتقديم النقد الموضوعي لكل ما يتعلق بشؤون الحياة حاضرا ومستقبلا.. وذا مهارة للتحليل والاستنتاج وفهم ،وتدبر ما بين السطور واستخلاص العبر والمنطلقات السليمة والاستفادة من تجارب الآخرين فهو أمر حتمي تفرضه طبيعة العصر بمتغيراته ومستجداته.
أما أن تكون سلبيا محبطا محدودا، أو مجادلا مشككا بلا رؤية أو هدف فتلك الطامة الكبري، ولعل الجميع بمختلف أعمارهم في هذا الشأن تجمعهم بوتقة واحدة تؤسس لبناء شخصية قوية إيجابية ونافعة لنفسها وللمجتمع ، ولديها القدرة علي التكيف والتعايش ومواجهة تحديات الحياة.
ويبقي الشباب هم ركيزة الأمل والمستقبل ،ووسط هذا الزخم الكبير وزحام المنصات الرقمية والكم من المتغيرات والمغريات والثقافات فقد أصبحت الأجيال الجديدة عرضة للاستقطاب والوقوع في شراك خبيثة وأفكار شاذة ،وأحيانا التهميش وغرس القيم السلبية كالتمرد علي القيم والعزلة وصنوف الاغتراب ،وتستهدف هذه الفخاخ تدميرهم وجدانيا وإخراجهم مع مرور الوقت من دائرة الحياة والفاعلية بصورة تدريجية!.
ومن هنا ظهرت دعوات متعقلة لضرورة الاهتمام بمحددات التفكير الناقد وغرس مهارات التفكير الإبداعي لدي أجيال الشباب والناشئة ،تحصنا من الآثار المدمرة لهذه الآفات المزمنة والمستحدثة.
ويرتبط التفكير الناقد بفكرة التعاطي مع الإعلام – بشقيه التقليدي والجديد- ارتباطا وثيقا، حيث يُساعد التفكير الناقد الجمهور المُستهدف على فهم وتقييم ما يتمّ نشره من قبل وسائل الإعلام، بما في ذلك التليفزيون، والصحف، والإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، والراديو، والكُتب، وتحليل مصداقية المصادر والمعلومات التي يتم تقديمها عبر هذه الروافد.
كما يساعد التفكير الناقد على تمييز الأخبار الصحيحة والموثوقة من الأخبار الزائفة والمعلومات غير المُؤكّدة التي تُحاول التلاعب وتضليل المُتلقي،وخاصة من أجيال الشباب من النقارين ،أو ما يطلق عليهم “أبناء جوجل”، ممن يقضون معظم ساعات عمرهم أمام منصات شبكات الإنترنت ومع تطبيقاته ومستجداته.
وتتضمن خصائص التفكير الناقد القُدرةعلي التمييز بين الحقيقة والزيف، والتحقق من مصادر المعلومات قبل اعتمادها، وتضم أيضا القدرة على التفكير بشكل منظم ومنهجي، وتطبيق مهارات الاستدلال المنطقي في تقييم الحجج والأدلة المُقدمة.
ووفقا للأسس العلمية فإن للتفكير الناقد أربعة مستويات هي : التحليل، التقييم، الاستنتاج، والتكييف.
وفي هذا لايختلف اثنان علي أن التفكير الناقد عملية حيوية وضرورية لتطوير القُدرة الفكرية والتمييز بين الصواب والخطأ وبين الحق والباطل وفقا للمعايير المجتمعية والعقائدية والإنسانية.
ويُساعد هذا النوع من التفكير على تحسين القُدرة على اتخاذ القرارات والتواصل بفعاليّة مع الآخرين، ويسهم في تعزيز التفكير المنطقي المتعقل.
ويتفق الكثير من الفلاسفة وعلماء التربية علي أن التفكير النقدي هو التحليل الموضوعيّ للحقائق لصياغة حُكم للموضوع،وهناك العديد من التعريفات تتفق جميعها في أنه تحليل عقلانيّ شكوكي غير متحيّز، أو هو تقييم الأدلة والحقائق.
وهو أيضا عملية موجهة ومنظّمة ومتابعة ذاتيا وتصحح نفسها بنفسها. كما يتضمن التواصل الفعّال والقدرة على حل المشكلات، والالتزام بالتغلب على الأنانيّة الفطريّة والأعراف المجتمعية.
ويري البعض أن التفكير الناقد، هو المقدرة على التحقق من الافتراضات، الأفكار، هل هي حقيقية، أو تحمل جزءا من الحقيقة، أو أنها غير حقيقية.
وعرفه آخرون أنه «تفكير تأملي معقول يركز على ما يعتقد به الفرد أو يقوم بأدائه»، وهو فحص دقيق وتقويم شامل للحلول المعروضة من أجل إصدار حكم حول قيمة الشيء.
ويأتي التفكير الناقد علي قمة هرم “بنجامين بلوم” عالم علم النفس التربوي ،باعتباره أرقى أنواع التفكير، ومن وجهة نظره “القدرة على عملية إصدار حكم وفق معايير محددة“.
ولعل من أهم مقومات التفكير الناقد مهارة حل المشكلات، فقد تُساعدك مهارة حل المشكلات على أن تُصبح مفكرا ناقدا محنكا، لأنّ مهارة حل المشكلات تكمن في تفكيك المشكلة واقتراح حلول لها.
وفي معظم الأحيان يتصدي المفكرون الناقدون لحل مشاكلهم بأريحية وثقة، لأنّهم يملكون عيوناً ثاقبة وأفكاراً في شتى المجالات تُساعدهم على حل المشكلات بطريقة إبداعية، أي خارجة عن المألوف، وهو هدف ومهمة يجب أن يضطلع بها شباب اليوم وسط هذه التحديات الجمة.
وتكمن خطوات التفكير الناقد في إطار منهجي منظم لا يعرف العشوائية ويبدأ من جمع المعلومات،ثم تحليلها ثم التقييم،وفي النهاية التطوير المستمر.
يأتي التحليل بطبيعة الحال بعد جمع المعلومات اللازمة من أجل حل مشكلة مستهدفا تفكيك عناصر أو أجزاء المعلومات المتوفرة والاحتفاظ بالمعلومات المناسبة للمشكلة التي تواجه الشخص.
ويُؤدّي التقييم دورا مهما في التدبير والتفكير العميق لحل المشكلات، أو اتخاذ القرارات، لأنّه يُساعد على إصدار أحكام حول المعلومات والأفكار التي تم جمعها وتحليلها، بهدف التحقق من مدى جودتها وملاءمتها للقضية المعينة، ومن ثم اتخاذ القرارات الصائبة أو إصدار الأحكام السديدة.
أما التطوير المستمر فهو ركن مهم من أركان النجاح في أي قطاع من القطاعات، فمن غيره لن نطوّر مهاراتنا إطلاقا.
ومن أهم وسائل تطوير المهارات الإطلاع ،والمتابعة الدورية لكل ماهو جديد والقراءة باستمرار في مجال التخصص ،ومشاهدة دورات أنشأها المتخصصون في مجالاتهم.
ومن بين أهم أنواع أنواع التفكير الناقد: التحليل، والاستدلال، والتقييم.
التحليل: يتضمّن تفكيك المعلومات المعقدة إلى أجزاء أصغر، وفحص العلاقات بين هذه الأجزاء.
والاستدلال: يتضمّن اتخاذ استنتاجات منطقيّة ومعقولة بناءً على الأدلة المتاحة.
أما التقييم فيتضمن تحديد أوجه قوة وضعف الحجج أو المطالبات، واستخدام الأدلة والمنطق لاتخاذ قرارات بشأن صحتها.
وتعد معايير التفكير الناقد أمرا مهما لتقييم جودة الأفكار والتحليلات، وتُساعد على تطوير القُدرة على التفكير بطريقة منطقية وموضوعية.
وبحسب ريتشارد بول وليندا إلدر، مؤلفا كتاب
“التفكير النقدي”، فهناك ثمانية معايير للتفكير الناقد تتضمن: الوضوح والدِّقَّة والصِحّة والمطابقة والاتساق والمنطقية والشمولية “الإحاطة” والإنصاف.
وفي هذا السياق ظهرت اصوات من النخبة والبرلمانيين تدعو لتفعيل التفكير النقدي بالجامعات المصرية فقبل أيام قدمت النائبة د.سماء سليمان وكيل لجنة الشؤون الخارجية والعربية والأفريقية بمجلس الشيوخ وامينة الشؤون السياسية بحزب حماة الوطن مقترحا أمام للجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس الشيوخ بحضور ممثلي وزارة التعليم العالي وذلك لمناقشة أهمية اهتمام وزارة التعليم العالي بتعزيز التفكير النقدي لدي طلاب الجامعات في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية والتي يزيد فيها الاستقطاب للشباب، خاصة أن العديد من الارهابيين كانوا ينتمون للكليات العملية أكثر من النظرية، مما يستدعي الأمر المزيد من الاهتمام بالعلوم الانسانية وتغيير المناهج وطرق التدريس، فضلا عن تدريس العلوم الانسانية بالشكل الذي يحفز علي التفكير النقدي.
وبحضور د. أيمن عاشور وزير التعليم العالى شددت د.سماء خلال الجلسة العامة للمجلس يوم الاثنين الماضي ٢٩ أبريل ٢٠٢٤، علي أهمية التعليم كأمن قومي وركيزة أساسية في بناء الوطن والمواطن ،لافتة إلى أن مواد الدستور المصري تؤكد ضرورة الاهتمام بتطوير التعليم وفقا لمعايير الجودة الدولية ، حتى يتحقق الأثر المرجو منه ولا يتحول إلى مجرد الحصول على شهادة ورقية وهذا ينطبق على كل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة في مختلف ربوع مصر.
لقد أمسي شباب اليوم في حاجة ماسة لوضع النقاط علي الحروف
والوعي بما يحاك لهم من مؤامرات ودسائس تحت شعار الانطلاق والتحرر في العصر الرقمي المفتوح، والهيام بلاضوابط في العوالم الافتراضية ودنيا “الميتاڤيرس” ،وما وراء الواقع.
وأتصور ضرورة توظيف
تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتعزيز طرق التفكير المبدع لدي الشباب وتطوير الأهداف الوظيفية والتربوية والتعليمية لمختلف المنصات و البيئات رقمية ؛ فقد أضحت أدوار المتعلم تفاعلية تحثه وتحفزه تطبيقات ذات خصائص ذكية على ممارسة مهارات التفكير بأنماطها المختلفة وفق طبيعة الموقف أو القضية أو المشكلة التعليمية طي الطرح.
وخلاصة القصد، ووفقا لرؤي المختصين وخلاصة التجارب الحياتية فإن التفكير الناقد يسهم في تطوير حلول جديدة ومبتكرة، ويساعد على اتخاذ القرارات السليمة ،وهو السبيل الأمثل للتكيف مع المستجدات وإحراز التميز والنجاحات الفائقة علي المستوي الشخصي والمهني.
وهي مهارة عصرية مهمة يفتقدها الكثير من الشباب ،لكن من السهل اكتسابها وتنميتها وتطويرها وفقا لإرادة الشخص ورغبته بأن يكون مواطنا إيجابيا له بصمة حياتية ودور فعال بين أهله وأبناء المجتمع.