الإسلام دين حياة ونهضة وتقدم حضاري وعمل وإنتاج دائم ويغرس في المسلم كل معانى الكفاح والطموح والمنافسة الشريفة للارتقاء بواقعه وواقع المجتمع الذي يعيش فيه، ومن هنا فإن الزهد في الدنيا والابتعاد عن مطالب الحياة الدائمة والمتجددة ليس مطلباً دينياً كما يصور الأمر لنا بعض الدعاة والمتطفلين على الدعوة الإسلامية.. بل هو فى حقيقة الأمر سلبية وركود واستسلام يدينه الإسلام .
المفاهيم الخاطئة التي ينشرها بعض المتطفلين على ساحة الدعوة والشأن الدينى تهدد بقتل روح الأمل والطموح وخاصة فى نفوس الأجيال الجديدة، فنحن فى أمس الحاجة الى دفع شبابنا الى العلم والعمل والانتاج وإلى آفاق التقدم والنهضة.
لذلك لا ينبغى أن نترك فرصة لمتطفل عل ساحة الدعوة – وهم كثيرون فى وقتنا الحاضر- أن يشغلنا طوال الوقت بمظاهر التدين الشكلي دون أن يكون هناك وعى حقيقى بتعاليم الإسلام الذى يرفض أن يعيش الإنسان في عزلة عن المجتمع، ولا يهتم كثيراً بالمظاهر الشكلية، ويفرض على الإنسان أن يعمل لدنياه كما يعمل لآخرته، ويحاسبه على حرمان نفسه من الطيبات ورفض مباهج الحياة .
اختزال الإسلام في لحية كثيفة وجلباب قصير وسواك، كما يفعل أفراد بعض التيارات الدينية أمر ثبت خطأه وخطره، فالإسلام دين حياة وحركة دائمة للإنسان، ويفرض عليه أن يندمج مع المجتمع، وأن يتجاوب مع العلوم والمعارف والخبرات الجديدة، وأن يستفيد من كل ما هو جديد ويوظفه لمصلحة مجتمعه .
للأسف..لا يزال البعض يروج لرؤية ضيقة لتعاليم ديننا حيث يتخيلها ضد الموسيقى وضد الغناء وضد المشاعر والأحاسيس التى تحركها أعمال فنية وأدبية راقية، وضد بهجة الحياة.. بل يتمادى البعض فى تشدده لمنع جلسات الانشاد الدينى فى المساجد.
يعتقد هؤلاء- وهم كثيرون للأسف- أن الالتزام الديني يفرض على الإنسان حياة جافة كئيبة كما نرى في سلوك بعض المتدينين من رجال ونساء، ويؤسفنى أن أؤكد أن هؤلاء فهموا التدين فهما خاطئا، فالإسلام لا يعادي الحياة، ولا يحرم سماع الموسيقى الراقية التى تخاطب الوجدان، كما أنه لا يحرم المسلم من متعة نافعة ومفيدة من متع الدنيا، فالإسلام يحثنا على أن نعيش الحياة بكل مباهجها بشرط ألا نقع فى محظور شرعى.. كما أنه يحثنا على التجمل والاستمتاع بكل ما في الكون من أدوات ومظاهر للجمال، ويحث الإسلام المسلم على أن يكون بشوشاً مرحاً يبتسم في وجه من يتعامل معهم، ورسولنا العظيم يقول:” تبسمك فى وجه أخيك صدقة” .
الإسلام لا يعرف التدين الشكلى الجاف، ولا يقبل سلوك أصحاب التدين المصطنع، ولا يقر أصحاب الوجوه العابسة المتجهمة، فالجدية التي ينبغي أن تحكم سلوك الإنسان المتدين لا تعني العبوس والتصنع والتجهم في وجوه الآخرين.
قدوتنا ومثلنا الأعلى فى كل أحوالنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس هؤلاء الذين فهموا التدين عبوسا وتجهما وعزلة عن الحياة.
التدين الحقيقي ليس مجرد مظهر خارجي، فالتدين في جوهره سر بين العبد وربه، هو التزام ديني وأخلاقي قبل أن يكون مظهراً شكلياً، فالتي ترتدي الحجاب ولا تصلي ولا تصوم ولا تلتزم بالآداب والأخلاقيات الإسلامية الفاضلة لا يمكن أن تكون متدينة، وهناك كثير من الناس رجالاً ونساء متدينون وملتزمون دينياً وأخلاقياً يحسبهم الجاهل المهتم بالمظاهر الشكلية بعيدين عن التدين لأنهم يعيشون حياتهم على نحو عادي في ملبسهم ومطعمهم ومسكنهم، ولكنهم لا يؤذون أحداً وملتزمون بواجباتهم الدينية دون نفاق أو اهتمام بالشكل على حساب الجوهر .
لذلك ينبغى أن ينشغل دعاتنا طوال الوقت بتشجيع التدين الصحيح بين الشباب من الجنسين، وتقديم النصائح والتوجيهات الدينية الخالصة لهم، لكي يكون تدينهم تديناً حقيقياً خالياً من الرياء والاهتمام بالمظهر على حساب الجوهر، وأن نوضح لهم أن التدين الحقيقي ليس رسوما ولا أشكالا ولا طقوسا مظهرية، وإنما هو علاقة حميمة تربط بين الإنسان وربه، فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى صورنا وأشكالنا ولكن ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا كما جاء في الحديث النبوي الشريف .
b_halawany@hotmail.com