مع الأيام وبين الفينة والأخري تتجدد ظاهرة التشكيك في بعض ثوابت العقيدة والدين الإسلامي من قبل رموز الفكر المتحرر ودعاة التنوير “الظلامي”!.
ويتناوب هؤلاء وفي مناسبات عديدة الهجوم علي السنة وعلي التراث وأحيانا علي كبار الصحابة والمحدثين والتابعين.
وهي ظاهرة ليست جديدة عرفها المجتمع الإسلامي منذ عصوره الأولي وتحدث عنها القرآن الكريم..
قال الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الأحزاب “الآية61،60″ : «لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا * ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا » .
ذلك أن أناسا منهم كانوا إذا خرجت سرايا رسول الله ” صلى الله عليه وسلم “يوقعون في الناس أنهم قتلوا وهزموا، ويقولون: قد أتاكم العدو ونحوها. وكانوا يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ويفشون الأخبار الكاذبة.
وفي كل عصر يرتدي هؤلاء ثيابا مغايرة تليق بالحال والمآل، واعتقد أن لا فرق بين هؤلاء وبين من يريدون زعزعة الأمن، ونقل الإشاعات الباطلة المرجفة التي قد تستهدف الفتنة، وإلهاء الناس وشغلهم وشق صف المجتمع.
ويقول الله تبارك وتعالى أيضا في محكم التنزيل «قُتِلَ الخراصون * الذين هم في غمرة ساهون» والخراصون هنا هم الكذابون الذين يشككون الناس في معتقدات دينهم أو المرتابون.
وقد كان معاذ رضي الله عنه يقول في خطبته: “هلك المرتابون”، وقال قتادة رحمه الله: الخراصون أهل الغرة والظنون، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الذين هم في غمرة ساهون. أي ساهون في الشك وغافلون لاهون، إن هؤلاء وأمثالهم ممن يشككون الناس في أمور دينهم ومبادئه هم في خطأ وخطر عظيمين لأنهم يضلون أنفسهم وفي ضلالهم يعمهون، ويريدون إضلال الناس معهم.
بل ويذهبون مذاهب شتى ليست من الدين في شيء، ولكن في سائر الحياة ومناحيها، سواء كان ذلك في عاداتهم، وتقاليدهم أو كتاباتهم، وآرائهم، وفي شؤون حياتهم الأخرى!
وأتصور أن صوت العقل والمنطق والحكمة والفطرة السوية لن يخفت في مقابل دفع أراجيف وأباطيل وأمراض وثآليل المرجفين المتقيحة، والتي أوشكت على الانفجار وكشف المستور، بما تحمله من أهداف خبيثة ومبتغيات فاسدة عيانا جهارا بلا استحياء أو مراعاة للاعتبارات الأخلاقية، والإنسانية والعقيدية، والوطنية في هذه المرحلة الحرجة من عمر الوطن.
ووسط هذا الزخم من المتغيرات المجتمعية والتحديات الإقليمية والأممية، فلا كرامة لهم لدي أهل الكنانة أهل الأصالة، والسماحة والوسطية، ولا مكان لهؤلاء تحت سماء وأرض المحروسة، التي أشرقت أرضها بنور ربها وبالإيمان واحترام كافة العقائد والأديان، التي زينت بديننا الاسلامي الحنيف بمنابعه وروافده الأصيلة، التي أعلت شأن العقل والفكر والإبداع..
ولا ولن تفرق بين أحد من الرسل، أو بين شركاء الإنسانية والعقيدة والوطن.
وبعيدا عن رصد رموز مرجفي العصر، وتحديد أوصافهم المعلومة لدي الجميع، وبعيدا عن شخصنة الأمور وعن فكرة الإلحاد، والتي تخص صاحبها في المقام الأول فالله غني عن إيمانهم فوحدهم هم الخاسرون “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”.
ولكن يجب التحصن والحذر كل الحذر من الوقوع في براثن وحيل المجاهرين بخطابهم وأراجيفهم، التي تنافي الفطرة السوية، التي فطر الله الناس عليها والعقل الراشد، فهم يتفنون في الهدم المعنوي والتأسيس لعقيدة فاسدة تخضع كل شيء لهوي النفس، ولعقل الشيطان قبل إخضاعها للحكمة والتدبر العقلي الراشد.
وبعد أن فاض الكيل من الضروري مراقبة الدولة والأجهزة المعنية لأنشطتهم الخبيثة والمغرضة، التي تطرح العشرات من علامات الاستفهام، وتتطلب تدشين منظومة جديدة لإيقاظ الوعي الجمعي عبر مختلف الروافد والمنصات ومختلف مؤسسات التربية والتعليم، اتقاء لشرور تأثيرات هذه الموجه العاتية التي تتجدد كل عام وفي ظروف متباينة، وتتعمد الصيد في الماء العكر، ويختارون كافة المستجدات والمتغيرات لبث سمومهم، والتشكيك في ثوابت الدين والمجتمع مرتدين ثياب التنوير والتمدن، وتطوير الفكر والتحرر والحداثة وما بعدها!.
إنها مؤامرات شياطين الإنس من هؤلاء الخراصين علي العقل العربي، التي لا تتوقف بغية تزييف حقائق التاريخ وتشويه ثوابته،
وغرس الإحباط والضبابية حول مستقبل الفكر العربي تحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان.
وأتصور أن الخطر الداهم منبعه هو استهداف الكتلة الحرجة واصطياد فئات من الشباب ممن يعانون أزمات وجدانية، وعدم القدرة علي التكيف والحياة في غربة “مصطنعة” ، أو ممن أدمنوا التمرد علي القيم ومنظومة الأسرة وعادات وتقاليد المجتمع بلا مبرر أو سبب مقنع.
وفي تقديري أن القوانين والإجراءات أحيانا لا تكفي لردع هؤلاء المارقين، أو المتطرفين الجدد، ويجب أن تفند رواياتهم الباطلة واستدلالتهم الفاسدة ومقارعة منطقهم بمختلف الأدلة العقلية والنقلية والحجج المنطقية والعاطفية، ومختلف مداخل الإقناع..لعل وعسي !
وقد أحسن الأزهر ردا على هؤلاء الخراصين بتخصيص عدة منصات لتفنيد أكاذيب وحجج هؤلاء الخراصين، والرد علي ما يروجونه من أباطيل، وطعون في صحيح الدين والعقيدة.
وقد يري البعض أن تجاهل هؤلاء الشرذمة الشاذة التي تخرج من آن لآخر كما الثعالب في ثياب الناصحين، قد يكون أفضل السبل لوقف تمدد هؤلاء كالسرطان الخبيث في عقول ووجدان الأجيال الجديدة.
وبعيدا عن هذه الوصاية الفكرية الموقوتة علي الأفئدة والعقول بما تحمله من رقابة ومحاولة للسيطرة علي عقول وأفئدة الناس، التي تعي تماما التفرقة بين الغث المغرض وبين القيم الثمين، كنت أتمني أن تسعى هذه النخب المارقة لرأب الصدع الثقافي بين الغرب والشرق وتقريب وجهات النظر ، في إطار التسامح والتعايش بعيدا عن تصدير الثقافات وفرض الرؤي والقناعات وتكريس الهيمنة الثقافية علي العقل الجمعي.
كنت أطمح وبعيدا عن هذا الجدل العقيم، وتلك المهاترات أن أجد من النخبة من يدعو
إلي غرس ثقافة التسامح وتجنب منابع اللاتسامح وتعزيز فرص التعايش والتكامل بين الأديان والثقافات، والبحث عن القواسم الإنسانية المشتركة وقبول فكرة الإختلاف وتباين الثقافات والموروثات، بما بتيح تعايش الرؤى والاتجاهات المختلفة بعيدا عن الاحتراب والإقصاء.
وبهذا المعنى يكون التسامح الحقيقي ضد احتكار الحقيقة، والاستئثار بالفكر والقناعات لطرف دون آخر، وتجنبا إصدار أحكام برفض الآخر أو تكفيره لمجرد اختلافه مع من يتوهم أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، كذلك يكون التسامح وسيلة للقضاء على منابع اللاتسامح، التي تتعدد تبعا لطبيعة المجتمع ثقافيا وفكريا وعقيديا.
ولماذا لا يحارب هؤلاء من النخبة والمثقفين التعصب الديني، والقبلي، والسياسي، وما ينتج عنه من مفاهيم وقيم وتصرفات خاطئة تضر بالبلاد والعباد.
وليس الهدف أن نتفق جميعا على ثقافة ما أو سلوك بعينه؛ فالاتفاق ربما يكون محالا، وإنما يجب أن يكون الهدف هو أن نتعلم كيف نختلف، فللاختلاف أخلاقيات يأتي في مقدمتها الإيمان بأن هذا الاختلاف هو سنة كونية يجب قبولها، مما يتطلب تنمية روح التسامح واحترام التعددية بشتى صورها وترك التعصب والتشبث بالرأي الواحد.
ولا أدري لماذا لا تنحاز هذه الأفواه والأقلام للقيم الإنسانية المفقودة، أو للحديث عن صور الإبادة البشعة للشعب الفلسطيني، ولماذا لا توجه هذه السهام المسمومة لفضح ممارسات دول الغرب اللإنسانية والكيل بمكيالين والانحياز لحقوق الإنسان، وللحريات ظاهريا، وانتهاكها علي ارض الواقع زورا وبهتانا!.
وشتان بين الحق الساطع كما الشمس في قارعة النهار، والضلال والزيف والبهتان..
ويبقي المنهج الرباني هو الأساس في التعامل مع هؤلاء، ومع الآخر يقول عز وجل في سورة الأحزاب ” الآية 125″: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ).صدق الله العظيم.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.