هو
(العيال عايزة تفرح)
كعادتها كل عام ألحت زوجتى عليا قائلة بنبرة ” تقطيم ” لا تخفى على السامعين: قوم ياراجل اتلحلح هات خروف للعيال نفرحهم مرة من نفسهم.فقلت لها مستنكراً: ماهو أنا لو عملتها وفرحت العيال مرة فده معناه انى هفضل حزين بالمرة..إنتى ياستى مش واخدة بالك من أسعار الضانى ولا إيه؟
ردت زوجتى بكلمات لم أتبين معناها لأنى لم أسمعها أصلاً, حيث علمتنى الحياة أن مثل هذه المناقشات البيزنطية سوف تنتهى بالرضوخ التام أو النكد الزوئام.(طبعا الرضوخ من جانبى).كل ما أتذكره أنها قدمت لى ورقة مكتوب فيها حوالى خمسين طريقة عن كيفية تدبير ثمن خروف العيد,ربما يأتى يوم أستطيع فيه ان أطبع تلك الطرق فى كتاب يوضح كيف أن المرأة عندما تريد شيء لا يستطيع شيء فى العالم كله أن يمنعها من المضي قدما فى تنفيذه.كانت هذه الطرق تتراوح بين السلف والاقتراض من البنوك أو عمل جمعية أقبضها الأول.وكثير من الطرق الاخرى,طبعا استبعدت فكرة السلف لاستحالتها فكلنا فى الهم شرق ومن الصعب أن تجد الآن من يسلفك مبلغا لن يقل عن عشرة آلاف جنيه ثمن الخروف المعقول.حتى فكرة الجمعية بدت بعيدة المنال حيث أن كل من يوافق على الانضمام للجمعية يشترط أن يقبضها الأول وهذا يعنى أننى لن أتكمن من شراء العيد قبل عامين ثلاثة حينما يحين الدور,بينما زوجتى عايزة العيال تفرح مرة من نفسها.لذا كان الاقتراض من البنك هو الحل الأسهل.
عزمت أمرى وخرجت من باب الشقة متوجها للبنك لكن وبينما أنا نازل فى الأسانير فوجئت بشاب ومعه خروفاً,سألته عمن يكون وماذا جاء به وبالخروف فى عمارتنا..قال أنه جزار جاء بهذا الخروف بناء على طلب جارنا اللى فوق لكنهما اختلفا على السعر فقرر ان يلغى البيعه ويعود بالخروف للشادر..كلمة منى وكلمة منه عرفت أنهما اتفقا على عشرة الاف جنيه لكن المشتري طلب تخفيض خمسائة جنيه من ثمن الخروف..قلت له بسيطة أنا اشتريه منك وسأدفع لك الثمن الذي تطلبه ولكن سأعطيك الربع مقدم والباقى على اقساط ربع سنوية..فوجئت به يوافق فأعطيته الفين وخمسائة جنيه وغادر هو بينما تسلمت أنا الخروف منه وصعدت بالاسانسير للشقة.
فرحت زوجتى والعيال بدخلتى عليهم بالخروف فرحة شديدة أكثر من فرحتهم عند دخولى أنا شخصياً عليهم.وقررنا ربطه على السطح وبدأنا نتناوب الصعود لاطعامه مع التقاط الصور السيلفى معه ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعى.حدثت مفاجأة مدوية حيث كان الدور على العبد لله فى اطعام الخروف عندما صعدت فوجت جارى يطعمه.شكرته على صنيعه فاندهش وقال لم تشكرنى هذا خروفى وواجبى اطعامه !!..اقسمت له أن هذا خروفى وقد اشتريته من الأسانسير وهو يصرخ فى وجهى:ياراجل قول كلام معقول فيه حد برضه يشتري خروف من الأسانسير؟ المهم وبينما كنا نتشاجر نجح الخروف فى فك قيده والقى بنفسه من الدور حيث سقط فى الشارع مدمراً سيارة جارنا رفيق الذي جاء مهرولاً ملتاعاً مما حدث لسيراته. وعندما سألنا رفيق بحزم عن صاحب الخروف منا بدأ كل منا يتنصل من المسئولية..قلت له أن عادل بيه هو صاحب الخروف بينما راح عادل يؤكد أن الخروف لى وأنى بالأمارة اشتريته من الاسانسير!! فقلت مندهشا:يا راجل قول كلام معقول حد برضه يشتري خروف من الأسانسير؟!
اكتشفنا طبعا أن من باع لى الخروف لم يكن إلا لصاً سرق خروف عادل بيه من السطوح ووضعنى حظي العثر فى طريقه ليبيعه لى ولولا أنى طلعت ناصح واشتريته منه بالتقسيط لكنت خسرت العشر الالاف جنيه وليس فقط ألفان وخمسمائة!..نعم فلننظر إلى نصف الكوب اقصد ربع الكوب الملئان !
هي
( لقد وقعنا فى الفخ )
لا أنكر أننى والأولاد طرنا فرحاً عندما دخل علينا زوجى بالخروف..لحظة تاريخية حقيقة طالما انتظرناها, حكى لى تفاصيل ما حدث وكيف أنه اشترى الخروف من جزار فى الاسانسير, طلبت منه التريث وعدم التسرع,ولأن الحاسة السادسة عندى قوية كما هي عند جميع الستات خاصة فيما يخص شركائهم من الرجال, ألمحت له أنه قد يكون ضحية نصاب وليس جزاراً,,لكن فرحته بالصفقة جعله يؤنبنى قائلا: هو انتى إيه مش عايزة تفرحى ولا ايه..بلاش نكد بقى آدى الحلم بيتحقق أهو.
قلت له: أخشى أن نتعرض لما تعرض له صديقتى نهلة وزوجها نصحى..حكيت له وللأولاد تفاصيل ماحدث لهما منذ سنوات عندما ذهبا لأحد شوادر الخراف بسيارتهما واتفقا على شراء خروف وسداد المبلغ كاش وبعد تلقي التهاني والتبريكات من صاحب الشادر أراد نصحى زوجها أن يضع الخروف فى شنطة السيارة لكن نهلة تأففت واشمئزت وقالت له كيف لنا ان نتحمل تلك الرائحة فى السيارة حتى نصل إلى البيت..ثم إن مخلفات الخروف قد تترك بصمتها طول العمر ويصعب إزالتها ولا يمكن التخلص من رائحتها بسهولة.الأفضل أن نستأجر سيارة لتوصيل الأمانة للبيت..ثم ان يعنى نبقى دافعين كل الالافات دى ومش هاين علينا تلتميت ربعميت جنيه نأجر بيهم عربية توصلنا الخروف؟ ( هكذا قالت نهلة موبخة نصحى )
فى هذه اللحظة فوجئت نهلة ونصحى بسائق تاكسي يتوقف بجوارهما عارضاً خدماته وبعد سماعه لشرح مفصل من الجانبين وافق على مضض أن يتولى توصيل الخروف فى سيارته التاكسي بعد ان رفع التعريفة بالطبع أضعافا مضاعفة استغلالا للموقف مؤكدا أن سيحتاج إلى تنظيف سيارته وغسلها بالكيماوي بعد تلك التوصيلة الحيوانية حتى يستطيع بعد ذلك إعادة استخدامها فى التوصيلات الآدمية.والغريب أن نصحى بعد ان أنهى التفاصيل المادية للاتفاق قال للسائق أنه سيحاسبه عند استلام الخروف منه بالمنزل لكن السائق غضب واعتبرها اهانة فى حقه وان الزبون لا يثق فيه فتعاطفت نهلة مع السائق قائلة معاتبة زوجها:إذا كنا احنا ائتمناه على الخروف الغالى اللى بالآلاف هنخاف على تلتميت ربعيمت جنيه فكة؟ فوجد نصحى كلام زوجته منطقياً وسلمه اتعابه وعليها الحلاوة خاصة أن السائق ابدى كرم أخلاق وأصر على حمل الخروف بنفسه وأن يضعه بيده فى شنطة السيارة وأغلقها.وعندما أراد نصحى ان يعطي العنوان رفض السائق مؤكداً:الموضوع مش مستاهل..حضرتك اتفضل اركب عربيتك مع الهانم وانا هامشي وراكم لغاية البيت,أراد نصحى ان يعترض من جديد متشككاً في أمانة السائق لكن نهلة هانم زغدته قائلة: يا راجل احنا ائتمناه على الخروف وسلمناه أجرته كمان إيه اللى ممكن يخليه يهرب مننا يعنى,,بلاش سوء ظن الله لا يسيئك.
طبعاً اللى حصل بعد كده لا يتقال ولا يتحكى..انطلق نصحى ونهلة بالسيارة ومن ورائهم سائق التاكسي الذي اختفى عن الرادار تماماً بعد أقل من خمس دقائق ولم يظهر حتى الآن..ومن يومها وكلما جاء عيد الضحية يغلق نصحى على نفسه الباب ويظل يحدق في المرآة موجها لنفسه اصعب كلمات اللوم والتى تصل أحياناً للشتائم والاهانات على استسلامه لكل طلبات زوجته وعدم التمسك برأيه فى ضرورة الحيطة مع كثرة النصابين ومنذ ذلك التاريخ وكلما فتحت نهلة سيرة خروف العيد يقول لها نصحى:بعينك يا نهلة ادبحينى أنا ولا إنى أسمع كلامك تانى وانزل اجيبلك خروف العيد تانى.
لكن مع الأسف ليس فقط النساء من أمثال نهلة يقعن بسهولة فى حيل النصابين..لكن الرجال أيضا يقع الكثير منهم فى مثل هذا فخ..وعلى رأسهم زوجى !