خطر لى عنوان هذا المقال وأنا أستعد للكتابة عن قيمة ومغرى التضحية فى حياة الانسان، تلك السنة التى يقوم بها المقتدرون من المسلمين سنويًا اقتداء بملة سيدنا ابراهيم عليه السلام عندما أطاع بدون نقاش أو جدال أمر الله سبحانه وتعالى فى ذبح ابنه وفلذة كبده سيدنا اسماعيل، ذلك الفتى الذى تركه والده طفلًا رضيعًا تلبية لأمر الله أيضا ثم عاد ليجده شابًا يافعًا مطيعاً لأمر الله سبحانه وتعالى راضيًا بحكمه ليدور ذلك الحوار التاريخى بين الأب وابنه: يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا تري؟! فيقول الابن بدون أى تردد: يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين. تبارى الأب والابن فى التضحية إرساء لدين الله ولقيمة السمع والطاعة فجاءت الأضحية من رب العالمين أن يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم.
السؤال هنا إذا لم يكن المسلم قادرًا على الاقتداء بهذه السنة العظيمة فى التضحية فماذا يفعل؟! والجواب من عندى وأتحمل مسئوليته: إذا لم يكن الواحد منا مقتدرا على التضحية بمعناها الدارج بذبح خروف أو المشاركة فى بدنة فله كل العذر لكن لا عذر لنا فى عدم الأخذ بسنة سيدنا ابراهيم وولده إسماعيل فى السمع والطاعة لأوامر الله سبحانه وتعالى. الأمر جاء لسيدنا إبراهيم بأكثر مما يحتمل البشر العاديين أمثالنا، ربما من السهل أن تطيع الله، فى هجرة زوجك وطفلها الرضيع فى صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء ولكن أى قلب هذا الذى يتحمل أمر الله بذبح ابنه، فلذة كبده وأغلى ما لديه فى الحياة؟! هكذا كان قلب ابراهيم الذى ربما تذكر فى هذه اللحظة قول زوجته وهو يودعها وطفلها قائلة له اذهب فلن يضيعنا الله،نعم فالله لا يضيع أهله.
المغزى إذن كيف يكون الواحد منا من أهل الله الذين لن يضيعهم وهو لا يمتلك ثمن الأضحية؟! ظنى أن عدم القدرة المادية لا ينفى أن كلاً منا قادر معنويًا أن يقدم لله تضحية ينال بها الأضحية من الله عز وجل. فليضحِ كل منا على سبيل المثال ولو بذنب من الذنوب الكثيرة التى اعتاد ارتكابها ليل نهار، الغيبة، النميمة، النظر لغير ما يرضى الله، الكذب، الطمع، الخصام، التنابذ بالألقاب، التنمر، الغرور، الكبر، وغيرها ربما آلاف إن لم تكن ملايين الذنوب التى نرتكبها طواعية. قد يقول قائل إن التضحية تكون بالشيء غالى القيمة فى حياة الإنسان، لكن فى رأيى أنه حتى تلك الذنوب يجدر بنا أن نضحى بها قربى لله عز وجل، فهى وإن كانت تبدو ذنوب رخيصة سهل التحصل عليها إلا أننا ندفع مقابلها ثمنًا غاليًا من سخط الله عز وجل وغضبه. أنا على يقين أننا لو ضحينا بهذه الذنوب وذبحناها بلا رجعة فحتماً سننال الأضحية والمكافأة من هذا الرب الكريم الذى غرنا بكرمه فيخاطبنا ونحن فى أشد حالات المعصية متوددًا: يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم؟! لم يقل الجبار المتكبر القوى المنتقم بل الكريم الذى خلقك فسواك فعدلك؟! لذا أنصحكم ونفسى بأن نذبح كل يوم ذنبًا من ذنوبنا ونقدم تلك الذبائح لله سبحانه وتعالى عله يرضى.
Hisham.moubarak.63@gmail.com