كان يوم الأحد الموافق الثانى والعشرين من شهر يونيو عام (1980) موافق على ماأتذكر العاشر من شهر شعبان عام (1400 هجريه) كان آخر يوم فى إمتحانات الثانويه العامه وكان أيضا فى مساء نفس اليوم ستقام مباراة كرة القدم فى نهائى بطولة الأمم الأوروبيه بين ألمانيا الغربيه وبلجيكا والتى إنتهت بفوز الفريق الألمانى بنتيجة (١/٢) لتفوز بكأس البطوله وأحرز هدفى ألمانيا فى المباراه نجم نادى هامبورج الدبابه البشريه (هروبيش)
** بدأت الأجازه الصيفيه بعد امتحانات الثانويه العامه وبعد معاناه مع المغص الكلوي الذى لازمنى فى آخر ثلاث شهور وكلى تفاؤل بأن أقضى أجازه صيفيه غير تقليديه وهذا ماحدث تقريباً
ذهبت فى صباح أول أيام الأجازه لأشترى جورنال الأهرام من عند بائع الجرائد الذى كان يجلس بجوار سور شركة مصر للمستحضرات الطبيه فوجدت إعلان عن إحياء ليالى شهر رمضان المبارك والذى كان على الأبواب فى السرادق المقام أمام قصر عابدين وتحت إشراف وزارة الأوقاف وسيقوم بإحياء هذه الليالى المباركه كبار المقرئين فى ذلك الوقت وسيكون هناك برنامج ثقافى وندوات شعريه ولقاءات مع بعض مشاهير الأدب والفكر المصرى
ونظراً لإننى من عشاق الشيخ /عبد الباسط عبد الصمد عشق جنونى منذ صغرى فقررت أن أذهب فى اليوم الذى سيكون فيه هذا الشيخ الجليل صاحب الحنجره الذهبيه والذى أعتبره هدية الله لمصر فى القرن العشرين فى مجال تلاوة وتجويد القرآن الكريم
** وفى يوم الخميس الموافق السابع عشر من شهر يوليو عام (1980) وكان الخامس من شهر رمضان وهو اليوم الذى سيقوم بالتلاوه فيه شيخنا الجليل إستأذنت من والدتى (رحمها الله) بأننى بعد صلاة التراويح سأذهب إلى (عابدين) لحضور ذلك الحفل الذى كنت أنتظره منذ بداية الأجازه ومنذ معرفتى به من خلال إعلان الجورنال فلم تعترض لأنها كانت تعلم مدى السعاده التى أنتظرها بفارغ الصبر لكى أكون هناك بل أعطتنى مبلغاً من المال قدره خمسة جنيهات حتى أستطيع أن أشترى أى شئ أريده وهذا المبلغ كان مبلغ كبير جداً فى ذلك الوقت
** لم يكن الذهاب إلى عابدين فى ذلك الزمن بالأمر اليسير الهين فلم تكن هناك نفس وسائل المواصلات المتاحه الآن
فركبت القطار من محطة حدائق الزيتون ونزلت محطة رمسيس (آخر الخط) لأكمل باقى الرحله إلى عابدين سيرا على الأقدام وسؤالى المتكرر عن طريق الوصول ولكن كل هذا يهون من أجل أنك ستسمع عبد الباسط عبد الصمد مباشرة وليس عن طريق الراديو
** عند دخولى السرادق كان مزدحما ولكن كل شئ كان منظماً للغايه وما أن ظهر الشيخ عبد الباسط عبد الصمد حتى عم التصفيق من الجميع وبدأ الناس تتزاحم عليه ولكنه أشار للناس بالهدوء والإلتزام وكان الرجل متواضعاً جداً وبشوشا والإبتسامه تعلو وجهه مع وجود وقار القرآن الكريم على ملامحه
فلم يتأفف من وجود محبيه حوله ولم يكن معه حرس أو أى إنسان يفصله عن معجبيه ولم يتجاوز الرجل فى حق أى من الحضور سواء كان كبيراً أو صغيراً غنياً أو فقيراً
** بدأ الرجل التلاوه من سورة (الجاثيه) وكأن تسبيح الملائكه يصل إلى الأرض أو كأن الله أحيى عبده ونبيه (داوود) عليه السلام فلا يمكن وصف الجو الروحانى الجميل داخل السرادق
وماأن إنتهى الشيخ من التلاوه حتى طلب منه بعض الحضور قراءة أجزاء من سورة (الرحمن) وقصار السور فاأستجاب للناس بكل بشاشه لينصرف بعد ذلك والجميع حوله يدعون له ويشكرونه
** رجعت إلى البيت وأنا فى غاية السعاده بأننى قضيت ليله جميله مع القرآن الكريم وتلاوة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد
ومنذ أيام بسيطه كنت أفطر مع صديقى/محمد مصطفى حسان وكان التليفزيون مفتوح والشيخ عبد الباسط يقرأ سورة الجاثية فتذكرت معه هذه الليله الجميله
ذكرى رقم (176)