تقدير الموقف الإيراني الراهن..
طريقة تفكير طهران في الساعات التي تلي اغتيال حسن نصر الله
1ــ أعلنت إسرائيل تأكيد اغتيال أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله صباح اليوم السبت 28 سبتمبر 2024م، ثم ردت إيران ببيان موجز من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي يفهم منه تثبت إيران من نبأ الاغتيال.
2ــ تقف إيران الآن عند لحظة الحقيقة وتواجه التاريخ الذي يعيده نتنياهو بالحرف الواحد مرة كل شهرين تقريبا، وهي تعرف في أعماقها أن نتنياهو الآن لا يريد إلا جرها إلى الحرب واستدراجها إلى مستنقعه وتوريطها في صراع مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية.
3ــ في أعماق العقلية الإستراتيجية الإيرانية، تبدو طهران في وضع يسمح لها بمحاربة إسرائيل برغم كل الظروف هذا إن كانت إسرائيل دولة عادية منفردة تتلقى دعما عاديا من حلفاء إقليميين أو دوليين شأنها شأن العراق مثلا كما في حرب السنوات الثمان 1980ــ1988م.
4ــ لكن إسرائيل عام 2024 ليست العراق عام 1980، وبالتالي تدرك إيران تمام الإدراك أن إسرائيل دولة وظيفية مهمتها تنفيذ مصالح القوى الاستعمارية الغربية الحديثة المتمثلة في حلف شمال الأطلنطي بقيادة “الشيطان الأكبر” وهو الولايات المتحدة الأمريكية، وتدرك أن التفوق الإسرائيلي الراهن مرجعه إلى الفجوات الحضارية والتكنولوجية والعلمية الكبيرة بين الشرق والغرب.
5ــ على هذا النحو يحسب صانع القرار في طهران حساباته الداخلية بتأن وبصبر، وهو ينظر إلى الداخل فيراه ممزقا وليس موحدا، وصانع القرار يقود مجتمعا تم العبث بقيمه تماما من القوى الغربية على مدى قرن كامل، وقد قال خامنئي ذلك يوم السبت 21 سبتمبر 2024 صراحة في مؤتمر الوحدة الإسلامية الذي عقد في طهران وبروزته الصحف المحافظة على صدر صفحاتها في الصباح التالي.
6ــ ثم إن صانع القرار في طهران ينظر إلى الوضع الاقتصادي فيدرك أنه يقود دولة خسرت في عام واحد نحو 150 مليار دولار من إجمالي الناتج المحلي GDP فبعد أن كان الناتج الإجمالي المحلي لإيران في العام الفارسي السابق نحو 550 مليار دولار أصبح في العام الفارسي المالي الراهن نحو 400 مليار دولار فقط، وهي خسارة مهولة ناتجة عن العقوبات الأمريكية واستشراء الفساد وتراجع التكنوقراط في البلاد.
7ــ بالإضافة إلى ذلك تعلم إيران علم اليقين أن الدعم الغربي لإسرائيل مهول ولا يمكن أن يتوقف، في مقابل دعم خجول تقدمه روسيا المشغولة في حرب مفتوحة في المستنقع الأوكراني، إلى جانب الصين التي تنظر بإحدى عينيها الخائفتين على الشرق الأوسط وما يجري فيه، وبالعين الأخرى على تايوان وما يحاك فيها من مؤامرات.
8ــ إذن كل عوامل الحرب الداخلية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، وكل العوامل الخارجية المتعلقة بالتحالفات مع القوى الإقليمية والدولية غير متوافرة لدى صانع القرار في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وعليه لو اتخذ قرارا بالحرب فإنه يبدو أحمق أرعن وهو ليس كذلك وجميع من يدرس إيران ــ حق الدراسة ــ يعرف أنها لا تتبنى الأفكار الانتحارية ولم تكن ولن تكون.
9ــ في مثل هذا الوضع ستتخذ طهران عدة تدابير حمائية للخروج من هذه الورطة وحل هذه المعضلة والفكاك من هذا الشَّرَك الإسرائيلي المحكم، وهي تريد أن تكرر سيناريو العام 2006 حين حارب حزب الله منفردا ولم تتدخل وتركته وحيدا عند ساعة الفجر يواجه انكسار الهزيمة أو يحصد أكاليل النصر.
10ــ على هذا النحو يمكن تلخيص ما يمكن أن تفعله إيران بالساعات التي تلي اغتيال نصر الله في عدة إجراءات ومنها: تأمين القادة الإيرانيين ونقلهم جميعا إلى أماكن آمنة وتشديد الحراسة عليهم مخافة تكرار سيناريو إسماعيل هنية ــ البحث الفوري عن بديل على وزن حسن نصر الله وإن كان هذا المطلب صعب المنال في المدى المنظور ــ فصل جهود قوات حزب الله عن جهود قوات بقية أطراف محور المقاومة في سوريا والعراق واليمن إذ إن انشغال قادة الحزب في عدة جبهات أدى إلى تراجع مستواه التنظيمي والأمني ــ شن حملات إعلامية ودعائية ضد الغرب الداعم لإسرائيل وضد من تعتقد إيران أنهم قوى إقليمية وإسلامية على ولاء في اللحظة الراهنة لتل أبيب.