قضيت يوما كاملا في احدى الإدارات التعليمية بالقاهرة لاستخراج بيان نجاح في الثانوية العامة ..كان يوما حافلا بالمغامرات والحكايات المريرة ضاعف من حدة الألم درجات الحرارة الشديدة الحارقة ..
زحام شديد على الأبواب الحابل يختلط بالنابل اعداد غفيرة من أولياء الأمور والطلبة والطالبات يحملون ملفات ودوسيهات تقرا على الوجوه علامات الحيرة والغيظ بعضهم كعب داير بين الإدارة والمدرسة والمدرية والمحافظة والوزراة وغيرها الله اعلم ..
أناس متكدسة او بمعنى ادق متكومة تحت ظل شجرة موجودة في ركن داخل فناء الإدارة الضيق أصلا وبجواره كشك يتلقى طلبات..مكان يفتقد أي لمسة ادمية للانتظار او حتى الوقوف لطلب الخدمة لا كراسي ولا مظلات .. ولك ان تتخيل الصورة لولا وجود شجرة!!
سالت ما الحكاية وفيم الزحام الشديد؟
فقالوا طلبات للجماهير.. بعضهم يطلب شهادات نجاح ومن يطلبون أوراق تحويل بين المدارس ومن يطلبون أوراق رسمية للسفر للخارج هذا فضلا عن طلبات المسئولين والموظفين في الجهات التابعة للإدارة وما اكثرهم وهؤلاء يتمتعون بميزات تخطي الأدوار وتسلق الاسوار..
الدور الأرضي ملحمة بشرية تثير كل الوان الشفقة والتعجب أيضا لحال الناس وصبرهم وقوة تحملهم من اجل انجاز طلباتهم..
وبعض الناس يصعدون للطابق الثاني وبعضهم يتم تحويلهم الى مبني اخر .. وطوابير للحصول على جواب الى مكتب البريد لعمل حوالة بريدية بقيمة 28 جنيها لحساب الإدارة وطابع دمغة بعشرة جنيهات.. وهذه ضرورية لارفاقها مع الطلب.. ولا تعرف لماذا 28 جنيها تحديدا ويتم تحصيلها رسميا 38 جنيها دون ابداء أسباب ولماذا أيضا طابع دمغة بعشرة جنيهات؟ ولماذا لايتم تحصيلها في الإدارة بدلا من تعذيب الناس في طوابير أخرى اشد زحاما في مكتب البريد..ومكتب البريد صغير وضيق وبالتالي لابد من الانتظار في الشارع حتى يتم النداء على رقمك (بالمناسبة كان رقمي في البريد 5122بريد حدائق شبرا )!
جلست اراقب الموقف عن كثب واتابع حركة الموظفين من وراء ستار ومباشرة أحيانا..وكانت المفاجأة ان معاناة الموظفين تقترب من معاناة الجمهور الذي يصارع من اجل الحصول على ورقة او الحصول على الختم الرسمي.
أخبرني الموظف المسئول انني يمكن استلام طلبي اخر النهار على الساعة الثانية بعد الظهر او صباح الغد.. انتظرت لمتابعة ما يجرى والخناقات والمشادات بسبب الأوراق الناقصة والمعلومات المغلوطة واشياء كثيرة وملفات عتيقة من الأرشيف عليها اكوام التراب..
جلست على كرسي في ركن قصي تحت مروحة سقف متهالكة اتابع طوفان الفوضى..امامي مدام دعاء يبدو انها كبير المكان في غياب المسئول الأول الذي يتابع امتحانات الثانوية العامة.. لم تتوقف الأستاذة دعاء عن الكلام والمناداة على الموظفين واحضار ملفات وتصوير طلبات وتوقيع بعضها وارسال أخرى للمراجعة بلا توقف تناولت ادوية خاصة بها مرتين في تلك الفترة بلا مبالغة..
اقتربت منها وهي لا تعرف من انا وقلت لها ممكن اسالك سؤال:
هزت راسها موافقة..ماذا يجبرك على ان تتحملي ما اراه وهو يحتاج جهد عدة موظفين بلا مجاملة؟
قالت بلا تردد من اجل شيئ واحد: ان يدعو لي احد من هؤلاء الناس الكادحة دعوة صادقة يقبلها الله منه ليبارك الله لي وللاولادي..
قلت لها : اين الميكنة والكومبيوتر؟ قالت الحال على ماترى ونبذل قصارى الجهد بما هو متاح من أدوات .. لدينا عجز كبير في الموظفين وحتى في السعاة لم نعد قادرين على الضغوط المتزايدة والزحام وغضب الناس .. فنحن نحتاج الى افراد امن أيضا لحمايتنا من البلطجية أحيانا وغيرهم والناس أيضا تحتاج الى أماكن للانتظار حتى يحصل على معاملته بهدوء..
الساعة الثانية تسلمت طلبي وبقي الختم الرسمي الا انه للأسف في مكان اخر بمقر الإدارة!! كان الله في عون الطلبة واولياء الأمور والموظفين أيضا..
والله المستعان ..
megahedkh@hotmail.com