كتب عادل احمد
ينشر موقع جريدة الإخبارية كلمة شريفة العمادة مديرة معهد قطر للأسرة
سعادة السفيرة د. هيفاء أبو غزالة، الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية، جامعة الدول العربية
سعادة السفير/ طارق الأنصاري، سفير دولة قطر بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية
أصحاب السعادة المشاركون الكرام من المندوبيات العربية والجهات الحكومية والخبراء
السيدات والسادة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
اسمحوا لي قبل أن استهل كلمتي نيابة عن معهد الدوحة الدولي للأسرة بعبارات الترحيب أن أذكر نفسي والجميع بالوصف القرآني للزواج الذي أسماه الله عز وجل في كتابه الكريم بـ “ميثاقاً غليظاً”. هذا الميثاق الغليظ ليست رابطة كأي رابطة تشاركية تقام في أعراف البشر، ولكنها الرابطة التي تؤسس لنواة بناء المجتمعات والأمم، ومن ثم أجلَّ اللهُ هذه الرابطة وقدّسها بـالقول “وأخذنا منكم ميثاقاً غليظا” أي عهداً وثيقاً مؤكداً يصعب انفكاكه. وقد وردت هذه الآية في سورة النساء، وهي ثاني أطول السور القرآنية، والتي تميزت بأنها جمعت بين تقرير عقيدة التوحيد و الإيمان بالله واليوم الآخر وتنظيم الروابط الاجتماعية ومعاني التكافل والعلاقات الأسرية والتراحم.
بل ونجد أن الخطاب القرآني في مواضع أخري يذكرنا بأن الزوجين من نفس واحدة ويجمعهما “السكن” بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ وقيم، وتجمعهما المودة والرحمة، فيقول تعالى في سورة الروم، بسم الله الرحمن الرحيم “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً”.
وحتى ما نكرره في العامية على تنوع اللهجات العربية، وأقولها بالمصرية أما وأننا في القاهرة.. “كملت نص دينك؟” أي تزوجت أم لا، إنما له أصله في السنة النبوية، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتقِ الله في الشطر الباقي”
أردت أن أبداً كلمتي اليوم بوقفات من كتاب الله والسنة النبوية لنضع الزواج في الإطار الأعم والنُصُب الأشمل الذي يغفل عنه العديد ما أدى إلى استسهال مسألة الطلاق وشيوع الظاهرة وتناميها بالأخص في مقتبل الحياة الزوجية.
وهنا نعود إلى أواخر عام 2019 في الدوحة، حيث أطلق المعهد بالشراكة مع جامعة الدول العربية كتاب “حالة الزواج في العالم العربي” والذي يعد الأول من نوعه الذي يتناول بشكل مجمل وشمولي كافة الأبعاد المتعلقة بالزواج في العالم العربي منها الاختيار الزواجي، والأنماط التقليدية والمستحدثة للزواج، ومسألة العمر والزواج، والعلاقات الزوجية، وتشابك الزواج مع منظومات التعليم العمل والاقتصاد، إلى غير ذلك من الجوانب التحليلية لظاهرة الزواج في الإثني وعشرين دولة عربية.
وما استدعى الانتباه والتوقف في هذا الكتاب أن الإحصاءات تشير إلى أن نسب الطلاق تتزايد في السنوات الأولى للزواج، وهذا في كافة الدول العربية بلا استثناء. وأن هناك علاقة ارتباطية بين مدة الزواج واستمراريته، بمعنى أنه كلما تجاوز الزوجان الفترات الأولى للزواج تزيد احتمالية استدامة مؤسسة الزواج.
فكان لزاماً علينا أن نؤسس لفهم علمي ودقيق للعلاقات الزوجية، بالأخص ما يحدث في السنوات الأولى يؤدي إلى الطلاق والتفكك المبكر لمؤسسة الزواج، وما يمكن كذلك أن يمثل عوامل قوة ووقاية لاستدامة الزواج. ومن ثم عملنا بشكل مشترك جنباً إلى جنب مع قطاع الشؤون الاجتماعية بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية في مشروع بحثي حول “تقييم العلاقات الزوجية خلال الخمس سنوات الأولى للزواج في العالم العربي”.
وهنا يطيب لي أن أرحب بكم في فعالية إطلاق تقرير هذا المشروع، الذي مثل لنا مساحة للوقوف العلمي على أسباب الطلاق المبكر. فعلى الرغم من وجود العديد من البحوث وأطروحات الدكتوراة التي تناولت هذه الظاهرة، ولكن تمثل هذه الدراسة الأولى من نوعها من حيث رافدين؛ أولهما الشمول في العينة الكمية المستجيبة من الدول العربية وتمثيل أقطارها المختلفة: المشرق والمغرب والخليج والدول الأقل تقدماً، ومن حيث الشمول المواضيعي المحدد حول العلاقات الزوجية وتقديم بدائل سياساتية وبرامجية لدعم استمرار مؤسسة الزواج واستدامتها.
ولم يكن لنا القيام بهذه الجهود دون الشراكة المؤسسية الراسخة مع جامعة الدول العربية، فقد تم توزيع الاستبيان وفقاً لآليات عمل الجامعة العربية، وكان هناك تفاعلاً من قبل الدول واستجابات المندوبيات حتى في تنقيح التقرير والمرئيات المشتركة، ما جعل التقرير الختامي يؤخذ به كوثيقة استرشادية للدول الأعضاء وفقاً للقرار الصادر عن مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب رقم (1014) في دورته العادية (43)، بجمهورية مصر العربية
وسأترك المجال للزملاء خلال الجلسات المختلفة للفعالية لمشاركة نتائج التقرير وتدارسها مع التوصيات الختامية، ولكن أريد التوقف عند واحدة من النتائج وواحدة من التوصيات:
أما عن النتيجة التي أريد التوقف عندها هي خريطة مسببات التفكك المبكر لمؤسسة الزواج، وما تضمنته من أسباب لا تبدو تقليدية، فنجد أن أحد الأسباب هي المقارنات بالفاشونيستا والتأثر بالسوشيال ميديا، أو على سبيل المثال، أحد الأسباب التي أوردها الشباب هو قناعات الزوجات بالنسوية والتأثر بأفكارها. فما أريد التأكيد عليه هو أنه على الرغم من أن هذه الأسباب لم تأخذ حيزاً كبيراً من إجمالي المسببات من حيث النسب الإحصائية، إلا أنها تستدعي العمل البحثي المواكب لهذه الأنماط من الأسباب المعاصرة، والخروج أيضاً بتوصيات خارج أنماط كلاسيكية الصندوق.
أما عن التوصية التي أريد التوقف عندها، فهي المتعلقة بالعمل المشترك ما بعد التقرير، فمعهد الدوحة الدولي للأسرة كبيت خبرة عربي، لا يهدف بإنتاج الدراسات إلى التوقف عند رصد الظواهر وفهمها فحسب، ولكن يسعى لمحاولة التأثير في السياسات والبرامج التدخلية التي تسهم في حل الظاهرة. ومن ثم اقترحنا في هذا التقرير أن تكون هناك برامج تأهيل للمقبلين على الزواج مبنية على الأدلة العلمية التي أسسها هذا التقرير. وأنوه في هذا الصدد أنه معكم وبكم من خلال هذه الفاعلية سنتدارس بالأخص في ورش العمل خلال اليوم الثاني، كيفية الخروج ببرنامج تأهيل للمقبلين على الزواج يكون استرشادياً على مستوى العالم العربي، بل إننا نسعى كذلك إلى مناصرة فكرة جعل هذه البرامج إجبارية كما حدث من تجارب أثبتت نجاحات في دول أخرى كرخصة الزواج في ماليزيا.
وعلى هامش فعالية الإطلاق اليوم وغداً، يسعدني كذلك دعوتكم للمشاركة في الحدث الجانبي بعد غد يوم 4 يوليو، والذي نقيمه بالشراكة مع وزارة الخارجية القطرية ممثلة في سفارة دولة قطر لدى جمهورية مصر العربية، ومندوبيتها الدائمة لدى جامعة الدول العربية، حول مؤتمر الذكرى الثلاثين للسنة الدولية للأسرة، تحت عنوان “الأسرة والاتجاهات الكبرى المعاصرة”، الذي تستضيفه دولة قطر، بتنظيم من معهد الدوحة الدولي للأسرة، في الفترة من 29 إلى 31 أكتوبر 2024.
سيتناول الحدث الجانبي أبرز الاستعدادات الفنية والتنظيمية للمؤتمر، ويعتبر الحدث الجانبي بمثابة دعوة لكافة المندوبيات العربية للانضمام للمؤتمر الدولي، ما يجعلنا نعزز من التواجد العربي الإقليمي في هذه المنصة الدولية الهامة.
ولا يسعني في الختام إلا أن أتوجه بخالص الشكر والتقدير للشركاء في تنظيم هذه الفعالية، ممثلين في جامعة الدول العربية ووزارة الخارجية القطرية، وأن أشكر كافة المشاركين والوفود والخبراء من مختلف الدول ونتطلع لنقاش مثمر يعقبه عمل دؤوب للإسهام في دعم الأسرة في العالم العربي.