ثمة اتفاقٌ جامعٌ على أن المعلم الواثق من نفسه الذي يمتلك أداءات التدريس الفعال التي تواكب مستجدات التطور التقني وما يتمخض عنه من تطبيقاتٍ مفيدةٍ تساعده في أن يتبنى فكرًا متجددًا في تخطيطه وما يتضمنه من تمهيدٍ جاذبٍ للمتعلم وأنشطةٍ تحوي مهامًا مبتكرةً تسهم في تنمية مهارات التفكير العليا وتستثمر طاقات البدن والعقل بصورةٍ متلازمةٍ ليكتسب من خلالها الخبرات المنشودة، بالاستعانة بما يتوافر من مقوماتٍ ومعيناتٍ تعليميةٍ متوافرةٍ في البيئة التعليمية.
وهذا المعلم صاحب الرسالة السامية نطالبه ومجتمعه بأن يمد متعلميه ببنى معرفيةٍ صحيحةٍ تساهم في أن يمتلك هؤلاء المتعلمون فكرًا ووعيًا رشيدًا يساعدهم في وضع تصوراتٍ مستقبليةٍ بناءةٍ ويحثهم على الشراكة في حل المشكلات بتنوعاتها العلمية والعملية والحياتية؛ فخطورة الفهم المشوب يؤدي حتمًا لانحرافٍ فكريٍ يشكل حجرة عثرة في سبيل نهضة الفرد وتقدمه ورقيه، بل ويؤثر سلبًا على النتاج القومي، ومن ثم يضير بكيان الدولة التي نتطلع لتقدمها وريادتها يومًا تلو الآخر.
وبناءً عليه يتوجب أن ينال هذا المعلم حقوقه المشروعة التي تبدو جليةً في منحه تنمية مهنية في مستوياتها المتقدمة، وهنا نتوقف على ما يبذل من جهودٍ حيال هذا الأمر؛ فنقول بلسانٍ مبينٍ أن المتابعة التي تلي ما يقدم من برامجٍ تدريبيةٍ تستهدف رفع كفاءة وكفايات المعلم غير متوافرةٍ في صورتها المنهجية الصحيحة؛ إذا ينبغي أن تُعد أدواتٌ مقننةٌ لرصد الأداء التدريسي قبل تلقي البرامج التدريبية المخططة سلفًا وبعد تلقي جلساتها في ميدان الواقع؛ لنرصد نقاط الضعف فنعالجها، ونحصي نقاط القوة فنعززها، ومن ثم يتوجب تطوير ما نقدمه من برامجٍ على مدار الساعة.
ونؤمن بأن برامج التنمية المهنية أثناء الخدمة من الآليات المهمة لرفع مستويات الأداء التدريسي لدى صاحب الرسالة السامية، وهنا نرى أنه لا غضاضة في تقويم أداء المعلم أثناء تلقيه جلسات التدريب؛ لنحدد مستواه ونعمل بقصدٍ على صقل خبراته؛ لكن ما نراه ونرصده يتوقف على إثبات حضوره لتلك البرامج دون اهتمامٍ فعليٍ برصد مستويات الأداء بأدواتٍ متباينةٍ، وهذا أمرٌ يدرك المنصفون أهميته؛ كي نطمئن على سلامة التدريب وتحقيقه لغاياته ومن ثم نحافظ على المال العام من الهدر؛ فلا جدوى من تدريبٍ لا يحدث الأثر المنشود.
والمعلم معني باختيار استراتيجيات وطرائق التدريس التي يرتأى أنها مناسبةٌ لخصائص المتعلمين والمحتوى المقدم؛ لذا ليست هناك شروطٌ تملى عليه في هذا الصدد، وتلك ميزةٌ تعضد فلسفة التدريس الإبداعي لديه، وعليه يتوجب أن يتدرب صاحب الرسالة السامية على المزيد من استراتيجيات التدريس وفق مراحلٍ مبسطةٍ تساعده في تنفيذها بالميدان بسهولةٍ وتسمح بمشاركة المتعلمين وتحديد أدوارهم بصورةٍ إجرائيةٍ، وهذا يسهم قطعًا في خلق مناخٍ تعليميٍ فعالٍ يلبي احتياجات المتعلم ويمكن المتعلم من ممارسة أدواره المنوطة به بشكلٍ صحيحٍ، ومن ثم يجب أن يختار خبراء التدريب وما أكثرهم في بلدنا العظيم الاستراتيجيات التي تحقق الغاية وتستوعب التقنية في طياتها.
ونتساءل فنقول هل آن الأوان لأن نغير من أساليب التقويم والتقييم والقياس التي أضحت لا تعبر عن طبيعة المرحلة الآنية؛ فقد بات التركيز على تنمية مهارات التفكير العليا أمرًا لا جدال حوله؛ فالدول المتقدمة التي تهتم ببناء الإنسان تسلك مسارًا مغايرًا من خلال التقويم البديل الذي يقوم ببساطة على تعددية أدوات القياس لنرصد بصدقٍ وشفافيةٍ مناحي الخبرة وما تتضمنه من معارفٍ بمستوياتها وأداءات بتدرجاتها ووجدان بتنوعاته، وتكليف سيادة الرئيس واضحًا إذا وجه إلى انتهاج ما يبني الإنسان المصري، بما يحقق غايات النمو والتقدم والبناء والنهضة ويحفظ على الأمة المصرية هويتها وقوميتها، ويحمي مقدراتها المادية والبشرية وأبعاد أمنها القومي.
وما أوردناه من رأيٍ لا نشير به إلى تقصيرٍ أو إخفاق أو نثقل به كاهل المهام الجسام؛ لكن نوجه بلطفٍ إلى ما يسهم في تطوير منظومة التعليم المصري قبل الجامعي في سلمه المتنوع.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر