تشمل العاطفةُ كل ما يَسرُّ الإنسان، ويُسْعده، وما يؤلمه، وهنا دعونا نتحدث عن وجه السعادة التي تسهم في رفع الروح المعنوية، وتوجه الفرد نحو ممارسة السلوك الحميد، وتحثه على الإنتاجية، والعمل، بل يضحي من أجل غاية إيجابية؛ ومن ثم يتوجب علينا أن نُغذِّي الوجدانَ بما يقوي العاطفة لديه.
ودعونا نعمل على تغذية الوجدان من خلال توفير مقوماتٍ، وأسبابٍ، وعوامل بعينها تُدخل السرورَ على الإنسان؛ فنراها جليّةً في انفعالاته، حينئذٍ تتلاشى مداخلُ الأسى، والتعاسة وتتفرق نوازعها، وتتشتت أسبابها، ومسبباتها؛ فتتعالى المعنوياتُ التي توجه سلوكَه نحو المسار القويم، وتُجنبه الوقوعَ في منعطفاتِ الضلال، أو الاستغلال.
إنَّ تغذية وجدان العاطفة يبدأ بتعويد الإنسان على صور الممارسات الإيجابية، والأفعال السويّة، وتشجيعه على ألوان العمل المُفيد، والمُثمر، ومحاولات الوصول للهدف مهما تعقدتْ الطرقُ، وكثُرتْ الأشواكُ، وهنا تتعالى أصوات الحميّةِ، ويزداد الشعور بالأمل؛ كي يحقق الفرد ذاته، وتتعاظم أمنياتُه التي يسعى نحو تحقيقها بدأبٍ، ومثابرةٍ.
وعندما نرى الإنسان يتراجع، ويتخاذل، ويشعر بانتكاسةٍ، ويحاول أن يتقوقع حول ذاته، ولو بصورةٍ مؤقتةٍ؛ فإن وجوب إخراجه من هذه الحالة السلبية يكون بإحياء العاطفة لديه يعد أمرًا مهمًا يروي ظمأه، ويشدُّ عُودَه؛ فيخرج من حيّز الركود إلى المجال الفسيح الذي يستوعب طاقته، ويستثمرها بصورة مفيدة، وهنا نعول على نمط التغذية الراجعة، والتعزيز؛ فيشعر بالاهتمام، والرعاية؛ ومن ثم يتحول ركضا من تكاسله، وسلبيته إلى قمة نشاطه، وذروة إيجابيته.
وثمَّ اتفاقٌ على أن المكون الوجداني لدى الإنسان في غاية التعقيد؛ حيث يحتاج تغذية العاطفة من خلاله إلى الاهتمام بالطبيعة، ومفرداتها الخلابَّة، وهذا يستوجب أن نجعل الفرد يتفاعل معها، ويستمتع بها، بل ويضع لمساتهِ التي تُضفي عليها جمالًا فوق جمالها، كما نحرص على أن يصدر استجاباتٍ، وممارساتٍ نحوها نصفها بأنّها راقيةً؛ ومن ثم تحدث الطبيعة أثرها الفعَّال، والمستدامَ في وجدانه، وفي القلب منها عاطفته الجياشة.
ونودُّ الإشارةُ إلى أن العاطفة دون كثيرٍ من مكوناتِ الوجدان ترتبط بفطرة الإنسان؛ وهنا نتحدث على أن لدى الفرد استعدادًا، ودافعًا فطريّا؛ فيتوافر لديه قدرٌ من الحب، والكره؛ ومن ثم ينبغي أن نغذي ما لديه من حب؛ ليدحر، أو يقلل من وتيرة الكره، التي تكمن في جنبات النفس، وهذا يطلب أن نستكثر من زراعة الخير من خلال ما يشارك فيه الإنسان من أنشطة تحضُّ على ذلك؛ لتتعاظمَ الجوانبُ المضيئةُ لديه، وتغمر الجوانب المظلمة بطيف ضوء يُنير له الطريقَ.
إنَّ شعورَ الإنسان بسيادة الحب، والعدل، والخير، والسلام، والجمال، والإعمار، يكرس لديه الشعور بهجر الكره، ونبذ الظلم، وبغض الرذيلة، ودحر العدوان غير المبرر، وفي ضوء ذلك نؤكد على ضرورة أن تتقد مشاعر الحب لدى الفرد؛ حيث إنه من مقومات العاطفة، ونستطيع أن نرصده من خلال ما يبديه الإنسانُ من إيثارٍ، وما يقدمه من صورٍ تحمل الخير، والمودة للآخرين.
وتغذية الوجدان الذي يرتبط بالعاطفة يقوم على الأسرة التي تساعد في العمل على نضج العاطفة، وهذا لا ينفك عن تماسكها، وترابطها، واستمرارية منتسبيها؛ لتدفق العطاء، وإيثار كل فرد فيها تجاه الباقين؛ ومن ثم فإنّ قوة اللبنة التي تقوم عليها الأسرة تحمل في طياتها عاطفةً جيّاشةً لا تتغير، أو تُستبدل، وهنا نقول أنّ العاطفة كما يتم تغذيتها فيما بينا نحن أطراف الأسرة، كذلك تغذى تجاه حب الوطن؛ لنغرس في الأبناء ماهية العزَّة، والكرامة وعشق تراب الوطن، والحفاظ على مقدراته، وارتباط الهوية بوجوده.
وأرى أن العمل على تغذية الوجدان في حيز العاطفة يسهم في تنويع، وتلون صور هذه العاطفة، وفي مقابل ذلك تزداد ألوانُ الحب بما يحقق لبني البشر قاطبةً كمال الرضا، ومن ثم تتكيف النفس، وتتوافق مع مفردات الطبيعة، وتنسجم مع مكنونها؛ فيستطيع الإنسانُ أن يؤثر فيها إيجابًا؛ فيخلقُ لنفسه ما يجعله مستمتعًا بمقدراتها؛ فيحب عمله، ويستثمر طاقته بصورة نافعة؛ لأنه أخذ على عاتقه أن يدخل الفرح، والسرور لنفسه، والآخرين؛ فلا تنقطع آمالُه، وطموحاته، وتطلعاته؛ فيبدو الجسد، والروح في حالة من الاندماج، والتالَّف، والتآلف بما يحث الفرد دومًا على أن يكثر من الغرس؛ بغيةَ جني الثمار عاجلًا، أو آجلًا.
ولدىَّ يقينٌ بأن الحفاظ على جيلٍ يمتلك الشجاعة، والمقدرة على العطاء، ويتمتع بالصحة في صورتها العامة، ولديه رؤيةٌ مستقبليةٌ تجاه ما يأملُ، ويطمح تحقيقه؛ فإنه يتوجب أن تتوفرَ مقوماتِ تغذية الوجدان لعاطفة تبدو واضحة في انفعالات يكسوها الحب، وتضمن الاتزان في تصرفاته، وأفعاله، ويقدم الخير لمن حوله، وتلك سُنّةُ الله – عز وجل- في أرضه؛ حيث إنّ بقاء البشر يقوم على عاطفةٍ تدعوه؛ ليحب، ويهوى، ويعشق، ويندفع تجاه الإعمار، والتنمية، ويقاوم كل صور الفساد، والإفساد.
تعالوا بنا نعملُ على ترسيخ الحب في القلوب؛ لتصبحَ مؤثرةً بسحرها على الأفهام، ومسيطرة بخيالها على العقول، وموجهة بقوتها على مداخل ومخارج ومترجمات الإحساس؛ فلا نرى للعيون إلا جمالًا، وتصرفاتٍ صادقةٍ، ولا نسمع إلا العذب من الكلام، ولا نرصد إلا مشاعر القرب، والدفء، ونستخلصه من الميلِ، والانجذاب إلى أشخاصٍ، ومقدراتٍ مادية، أو طبيعية كانت، أم من بديع صنع الإنسان، ونتلمسه في شراكةٍ، ومشاركةٍ، وتعاونٍ بين الأخوة، والمحبين، والأحباب، والأصدقاء، والزملاء في مناخ العمل، وخارجه.
وفي الختام نُقرُّ بأن الوجدان يضبط السلوك؛ فمن خلاله يستطيع الإنسانُ أن يميل، ويهوى، ويعشق، ويحب، ومن خلاله أيضًا يناله الدافعُ، ويصبح على جاهزيّةٍ لأن يعمل، ويطالع، ويكتسب الخبرات، وعبر بوابته القوية يدافع عما يعتقد، ويدين ويوالي، وبواسطته يزود عن مقدِّراته، وعرضه، وشرفه، ومن أجله يثأر، وفي سبيله يقدم، ولا ينكص على عقبه.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر