للعلاقات الإنسانية قانون خاص؛ قانون غير نفعي؛ فربما الذين نحبهم هم أكثر من لا نستفيد منهم منافع مادية، فقل لي بربك ماذا يستفيد أب يخرج من بيته مع مطلع النهار فلا يعود إلا بمغرب الشمس، يعمل ويكد ويعاني، ليتحصل على قوت أولاده الصغار الذين يرجع إليهم وفور أن يلقاهم وينظر في وجوههم يذهب عناؤه وتقر عينه وتدخل البهجة إلى روحه..
وحين يكبر الصغار ويشتد عودهم لا يتركهم بل يزداد قلقه عليهم إن خرجوا ولا يطمئن إلا حين يعودون إلى أحضانه، وحتى لو جحدوا فضله ونسوا ما فعله لأجلهم، فرغم حزنه لكنه لا يندم على ما فعله فتلك عاطف الأبوة والأمومة لا تنتظر الثمن.. هذه علاقة لا تخضع لقانون الربح والمكسب والخسارة.. بل يحكمها قانون القلب والحب بلا مقابل.. وهكذا ينبغي لعلاقات الأحبة أن تكون بين الإخوة الذين تجري في عروقهم دماء واحدة!
أما خارج نطاق الأسرة؛ فالأمر مختلف.. تتعدد قوانين العلاقات، فهناك من يرى ضرورة
فلترة الناس في حياته بين الحين والآخر، ليضع كل واحد في مكانه الذي يستحقه، حتى لا يبقى أحد في مكانة لا يستحقها، أو يبقى في موضع أقل مما يستحقه..
وحين تحصل مثل هذه الفلترة لن يبقى في حياتنا إلا أشخاص معدودون ربما لا يتجاوزون أصابع اليدين أو اليد الواحدة؛ فالمواقف خريف العلاقات كما يقولون يتساقط مع ريحها من ذبلت أوراقه وساءت مواقفه.
هناك أشخاص أحببناهم بصدق، لكنهم لم يثبتوا في مكانهم، بل تواروا إلى الظل وحين نحتكم إلى العقل وننحي العاطفة جانبًا سنجد أننا كم كنا مخطئين في تقييم الأشخاص.. وهناك من يرى المعاملة بالمثل هي الحل فإن أحسن الناس رددنا لهم الإحسان بمثله، وإن أساءوا رددنا لهم الإساءة بمثلها.. لكني لا أوافق على ذلك المبدأ..
فصنائع المعروف تقي مصارع السوء، اصنع المعروف في أهله وفي غير أهله فإن صادف أهله فهو أهله وإن لم يصادف أهله فأنت أهله.. هذا قانون الفضل والمروءة وليس النفاق والرياء، فإن تكبر في عين نفسك أفضل ألف مرة من أن تكبر في عيون الناس..
حسن المعاملة شيء وحميمية العلاقات شيء آخر.. وترتيب الناس في قائمة حياتك شيء وتجاهلهم وإقصاؤهم عنك شيء آخر.. المعاملة بالمثل في العلاقات الإنسانية تفسد الحياة، فهذا قانون الإمعة، تحسن إذا أحسن الناس وتسيء إذا أساءوا فأين فضلك وأين شخصيتك والأهم أين دينك؟!