وهل تشطرت جهنم في كل دَرَكَاتها، إلا بأرباب المتكبرين مالاً وسلطةً ونفوذاً ؟
أرسل اللّهُ للعالمين رُسلاً وأتباع رسل، لأجل إطلاق البيان بطلاقة اللسان، لئلا يكون للناس على الله حُجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً…
واستبانت الحُجة على المُتكبرين والمُتجبرين بالدليل والبرهان، فأبى أكثر الناس إلا كفوراً.. وحسبك وأهل البأو منهم… فقد أخذتهم العزة والإثم، فجعلوا على اتساع حلقات التاريخ عبرةً، وفي الآخرة هم الأخسرون…
أبىّ أبوجهل طريق التوحيد كبراً، فمات وأبولهب كمداً، ومعهما الوليد بن المغيرة، وعلى الدرب أمية بن أبي الصلت، الذي مدح النبي بلسانه، فيما كان قلبه يضمر الحقد والكفر… ففضح القرآن قلوبهم صراحاً ( وَقَالُوا لَولَا نُزِلَ هَذَا القُرآن عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَريَتَينِ عَظِيم ) الزُخرف 31
ولا جرم أن أركان الدعوة لهؤلاء قد استيفت، برجال عدول، ويكفي أعظمهم رسول الله…
ولتأصيل قيامة الحُجة على المتكبرين والمتجبرين، جعل الشارع سبحانه للدعوة قواعد وأسساً وأهلاً، وكان قارون أحد صناديد الكبر والكفر، أدق من ضرب به مثلاً في إقامة الحُجة عليه..
تدرج الدعاة معه بالحكمة والموعظة الحسنة، وابتغِ فِيمَا آتَاكَ اللّهُ الدَارَ الآخرَة، ولا تَنسَ نَصيبَكَ منَ الدُنيَا، وَأَحسِن كَمَا أحسَنَ اللّهُ إليكَ، وَلَا تَبغِ الفَسّاد في الأرضِ إنّ اللّهَ لا يُحِبُ المُفسِدِين ) القصص 77
جاء النصح ابتداءً، فيما حل التحذير انتهاءً، رجاءً أن يصغى للنصيحة، فلا تصده المحاذير…
كان مثالاً للكفر الازدواجي، مفتوناً بالمال، ومنكراً لواهب المال…. ولكن الناصحين له والواعظين له، لم يكترثوا بفساده وغروره إلا في تتمة البيان الوعظي….
ذكروه بالله أولاً، وبالدار الآخرة، ولم يمنعوه نصيبه من الدنيا، وحضوه على الإحسان، كما أحسن الله إليه، وفي النهاية حذروه من الفساد وعاقبته في الدارين…
وكان التحذير مشدداً بتوكيد إن ( إنّ اللّهَ لَا يُحِبُ المُفسِدِين)….
فلما ثنى عطفه، واستغشى ثيابه عن النُصح والمحاذير، كانت عاقبته في الدنيا قبل الآخرة الخسف المُبين.. ( فَخَسَفنَا بهِ وَبدَارِهِ الأَرضَ فَمَا كَانَ لهُ مِن فِئةٍ يَنصُرُونهُ مِن دُونِ اللّهِ وَمَا كَانَ منَ المُنتَصِرين ) القصص 81
( وَمِنهُم مَن خَسَفنَا بِهِ الأَرضَ ) العنكبوت 40….
مثل هذا النموذج، تكرر مع ذاك الذي قيل له اتق الله ، فأخذته العزة بالإثم ، فحسبهم جميعاً جهنم ولبئس المهاد…..