إن مقدرة القيادة الجامعية على تنظيم هيكل العمل المؤسسي من الأمور المهمة التي تساعدها في تحقيق رؤية ورسالة المؤسسة التي تتولى إدارة شئونها في ضوء معيارية التشريعات والقوانين المسيرة لإجراءات العمل الجامعي؛ حيث يقع على عاتقها تسهيل الممارسات؛ لتصبح الإدارة قائمةً على الابتكار في ضوء مراحلٍ تساعدها على صناعة واتخاذ ما يلزم من قراراتٍ، تصب بشكلٍ مباشرٍ في مصلحة المؤسسة ومنتسبيها، ومن ثم يحدث النقلة النوعية التي نطمح أن نصل إليها في جميع التخصصات والأقسام العلمية والإدارية والخدمية بالمؤسسة.
وحريٌ بالذكر أن نهضة الشعوب ورقيها الفكري وتقدمها المادي وحيازتها مقومات جودة الحياة وسبل نيل كرامة العيش، بل وبلوغ مستويات الرفاهية ودرجاتها، مرهونٌ بمؤسساتٍ جامعيةٍ تُعد قاطرة البناء والإعمار في مستوياتها الفكرية والمهارية والوجدانية، بما يعضد ماهية الولاء والانتماء المؤسسي والوطني على حدٍ سواءٍ، وبما يسهم في استثمار كافة الطاقات المعطاءة في مجالاتها المتنوعة.
والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية زاخرةٌ بالعديد من أصحاب الخبرات وذوي المهارات المتفردة في تخصصاتهم، والتي لا ريب أنها تمخضت عن مخرجات التعليم الجامعي بتنوعاته المختلفة؛ فساهمت في تلبية متطلبات واحتياجات المجتمع وسوق العمل على الصعيدين الداخلي والخارجي، ومن ثم تحتم أن يكون لهذه المؤسسة الفاعلة والمثمرة قياداتٍ تمتلك مهاراتٍ عامةً ونوعيةً في آنٍ واحدٍ؛ لتصبح قادرةً على تحقيق الغايات المؤسسية التي تتولى شئون إدارتها بحرفيةٍ ومهنيةٍ؛ لتخرج لنا قدراتٍ بشريةً معدةً لخوض غمار سوق العمل والتأثير فيه بصورةٍ فاعلةٍ وملموسةٍ.
وثمة اتفاق على أن القيادة الجامعية يقع على عاتقها مهامٌ ثقالٌ عديدةٌ ومتنوعةٌ، تبدأ بخلق مناخٍ يسهم في استقرار المؤسسة ويحفز طاقات منتسبيها في ممارسة مناشط وأعمال تحدد توصيفات تنوعات العمل الوظيفي وفق مجالاته المتنوعة والمتخصصة، كما تستطيع القيادة صاحبة الفكر الهادئ السديد أن تحدث نقلات نوعية من خلال عمل المجموعات داخل المؤسسة وبين المؤسسات المناظرة بغية الوصول لمستويات الابتكار في شتى الأنشطة العملية والتعليمية والبحثية والخدمية، بما يحافظ على المقدرات المادية والبشرية ويؤدي بمؤسسات الجامعة قاطبة لأن تصبح منتجةً.
وفي ضوء ذلك نأمل بصدقٍ أن تنتهج معاييرًا واضحةً وعادلةً تتسم بالشفافية في اختيار قيادتنا الجامعية في جمهوريتنا الجديدة دون استثناءٍ لقطاعٍ بعينه؛ فالجميع يخدم الوطن ويقطن فيه، ويأتي في مقدمة ذلك فترةٌ لا تتجاوزها القيادات الجامعية؛ بغية إعطاء فرصةٍ سانحةٍ لمن يمتلكون فكرًا سديدًا أو رؤىً بناءةً، ومهاراتٍ متفردةً وتميزًا في الأداء؛ فأساتذة الجامعات ممن يمتلكون الكفاءة والدراية وفنيات الإدارة كثر في شتى التخصصات والمجالات.
ولا جدال حول سلامة الفكر والانتماء لتراب الوطن بالسجل الوظيفي لمن يتولى إدارة المؤسسة الجامعية؛ فقد باتت البلاد محاطةً بالتهديدات في جهاتها الأربعة، وفي احتياجٍ لتعضيد أمنها القومي بأبعادها المختلفة؛ بأجيالٍ صافية العقيدة والمعتقد تعشق تراب الوطن الحبيب، وتقدم أعز ما تمتلك لصيانة وحماية مقدراته والزود عنه، كما يشمل نقاء السجل خلوه من شوائبٍ وشبهاتٍ لا تليق بأخلاقيات وأعراف المؤسسات الجامعية التي تعد مفرزةً لمن يمتلكون قيم المجتمع النبيلة وأخلاقه السامية.
نتطلع أن يفتح الباب على مصراعيه لنرى ونرصد خبراتٍ وكفاءاتٍ تستحق أن تتبوأ المكانة الإدارية الموجهة لطاقات الأفراد في ضوء خطط إجرائية تقوم على منهجية الفكر الاستراتيجي، ولا ترتكن على حد التنظير والفلسفة الجوفاء؛ فما أحوج بلادنا لمن يستطيع أن يقدم إنتاجًا ملموسًا متعدد الأوجه والثمرة.
لدينا رغبةٌ حقيقيةٌ في أن تتبع آليات التقييم والتقويم المستدام لقيادتنا الجامعية؛ فنستطيع أن نعالج الضعف، ونستأصل مسارات وسبل الفساد الممنهج منه والعفوي؛ لنضمن ماهية التطوير الحقيقي الذي نصل من خلاله للريادة والتنافسية، ومن ثم نضع مؤسساتنا الجامعية في مقدمة التصنيفات العالمية بصدقٍ وواقعيةٍ؛ فهي تزخر بعقولٍ فذةٍ وخبراتٍ يقدرها العالم بأسره.
نحلم بدحض فلسفة الاختيار لقيادتنا الجامعية التي تقوم على المصالح والجوانب الوجدانية غير الواضحة للعيان؛ فقد بات منح الثقة في جمهوريتنا الجديدة قائمًا على نتاجٍ يلاحظ ويشاهد ويبقى أثره، وليس على أحكامٍ ظاهريةٍ تكلف الدولة ومؤسساتها الوطنية الثمن الباهظ في ظل تحديات يدركها الجميع دون استثناءٍ.
إن ترسيخ مفسدة الاختيار التي تقوم على مخالفة القوانين والعمل على ابتداع ثغراتٍ من شأنها الإضرار بمؤسسات الوطن، يُعد جرمًا ومغبةً لمن يمارسها في منظومة التعليم الجامعي الراسخة منذ فجر التاريخ، وما يحد أو يدحر ما تمت الإشارة إليه، يتمثل في تعضيد ماهية العدل والمساواة بين الجميع، مع تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص وإعلاء مصلحة الأمة جمعاء؛ فلا مجال للمحسوبية والحسابات التي باتت عقيمةً وباليةً؛ فالجميع ذاهبون ويبقى الأثر.
لا نتحدث عن سلبياتٍ في زمنٍ سحيقٍ؛ لكن نتناول أطرًا ومقومات الأمان المؤسسي والأمن النفسي في آنٍ واحدٍ في ظل أحداثٍ جاريةٍ لتصبح مؤسساتنا الجامعية خلاقةً في منتجها وبيئتها داعمة للعمل العلمي بمنهجياته المتعددة ومجالاته المتنوعة؛ فتحدث التوأمة التي ننشدها مع المجتمع بمؤسساته وأسواقه، ومن ثم نرصد حالة الرضا العام التي نود تحققها.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر