إنها السادسة مساءً، من يوم الأربعاء، منتصف شهر يناير البارد… بضع دقائق كانت كفيلة أن تزيد من حجم ألمي. أنزف حزناً، ألمٌ يزداد بمرور الساعات، دقاتُ القلب تتسارع، دموع تذرف، أحاطتني الصرخات، ألم يعتصر القلب، هوى جسدي و ارتطم بالأرض، بداخلي وجع رهيب لا أقوى على تحمله…
كيف لفتاة بهذا العمر أن تتحمل كل هذا الوجع؟! أبي، كيف لي أن أعيش حياتي من بعدك؟ مغتصب أنت أيها الفراق، لم ترأف بي رغم توسلاتي. آه يا أبي! لقد كسر مجدافي، و تحطم مركب أحلامي، و انهار توازني، فمن ذا الذي يلملم حطامي.
غريب أنت أيها الحزن، تأتي من بعيد في ظلام الروح، لتسكن وجداني. رائحة الموت خيّمت على المكان، تطوف بطيفها حولنا، و بقبضة محكمة دقّت عنقي، يا إلهي! ما هذا الشعور!!
إني أموت اختناقاً من الوجع.
لا شيء يشبه هذا الألم، جسدي مخدر، أصبحت جثة بالية باردة، تراقب الوافدين، و أنتظر موعد الوداع. لم يعد هناك مشاعر، لا شيء يربطني بالحياة سوى أصوات البكاء و الصراخ.
لماذا رحلت سريعاً يا أبي؟!
أي حياة تنتظرني من بعدك؟ من سيحمل عني هذا الوجع؟! دموعي تأبي التوقف، صرت أخاف أن أغمض عيني، الظلام يذكرني برحيلك، الدم صار مُجمّداً في عروقي، على الرغم من أن نار الفراق كحمم بركانية تحرق أعماقي. أعيش في زمن من الانشطار، زمن ما عدت أذكر من أيامه سوى الأسى، ماذا حل بي يا أبي؟ أين أنت يا فرحة الأمس؟ وحيدة، أسيرةُ عزلتي و أناتي.
آه ثم آه من صرخات الأعماق! لم أعد أملك القوة يا أبي، حتى الكلمات تحجرت، لا شيء ينسيني فقدك و يعوض غيابك يا ملاكي الحارس. مسكينة أمي، هي الأخرى لا حول لها و لا قوة، جلّ كلماتها أنها تتمنى الرحيل ثم الرحيل.
أيها الموت مهلاً، لمَ كل هذه السرعة في خطف الأمان؟! تريث، دعنا نستمتع قليلاً بلحظات اللقاء، لم تترك لنا سوى الذكريات. سريع أنت أيها الوقت، الروح صعدت إلى السماء، و أنا مشلولة، مكبلة العزيمة. حملتُ نعشك على كتفي، و أنا أتنفس مرارة الفراق…
ألمي يشتدّ، حانت لحظة الوداع، و الوجع بلغ من القلب مسكنه، فهل لي من الصبر ما ينسيني مصيبتي؟ صوتك يتردد في أذني: (و أخيراً حان موعد رحيلي عنكِ يا صغيرتي، تركتكِ وحيدةَ الدنيا)… يزلزلني الخوف في داخلي، يا إلهي! ما هذه السكرات!
اقترب صوت الخطوات من مكان الدفن، يد قوية تنتزع روحي من جسدي الهالك.
لا حيلة لي، يد تنزل على كتفي، هيا يا صغيرتي، حان الوقت لتودعي الأمان… قبّلتُ جبينه،
من قال أنه سيأتي يوم أراك فيه تحت التراب يا أبي و أسير في طريق الظلام وحيدة؟!
في رواية أخرى، الأب هو الملاك الحارس و الروح التي لا تموت رغم الغياب…
الجزائر