لعب بطولته يوسف وهبي عام 1949
أقولها بيقين كبير: من يفتش بجدية في سراديب السينما المصرية سيكتشف الأعاجيب، خاصة إذا جرى البحث في النصف الأول من القرن العشرين، ذلك أن هذه الفترة تحتشد بآراء وأفكار وصراعات بالغة الشدة والعمق انعكست بشكل ما على الإنتاج السينمائي،
فمصر في قبضة احتلال إنجليزي بغيض، وفي الوقت نفسه تستقبل على أراضيها عشرات الآلاف من الجنسيات الأجنبية الذين وفدوا إليها، فعملوا واستقروا وأفادوا واستفادوا.
ومصر أيضا تكافح من أجل نيل الاستقلال الوطني، وتسعى لإنشاء مجتمع عصري حديث يشمل الجوانب كافة. وقد ظهر ذلك بوضوح في العلم والأدب والفن والفكر.
أما السينما فقد كان لها نصيب معتبر من اهتمام المصريين منذ عرض أول فيلم روائي طويل عام 1923، وهو (في بلاد توت عنخ آمون)، للمخرج الإيطالي فيكتور روسيتو.
ثم نأتي إلى الفيلم العجيب (أمينة) الذي كتب قصته يوسف وهبي وعرض قببل 73 عامًا، وبالتحديد في 21 سبتمبر 1949 كما ذكر المؤرخ والناقد الكبير محمود قاسم في موسوعته عن السينما المصرية.
تتجلى غرابة هذا الفيلم في أكثر من زاوية، فهو إنتاج مصري إيطالي مشترك، وفي هذا الوقت كان الإنتاج السينمائي المشترك أمرًا نادرًا، على الأقل في مصر،
كما أن المخرج إيطالي الجنسية اسمه جوفريدو ألسندريني وهو أيضًا من كتب السيناريو والحوار، أما بطلة الفيلم فهي الفنانة متعددة الجنسيات آسيا نوريس (1912/ 1998)، فهي إيطالية وروسية وإنجليزية!
تتصدر الإعلان العربي عبارة (مجد الشرق العظيم مع حضارة العرب يلتقيان في الفيلم العالمي)، أما أبطال الفيلم فهم، يوسف وهبي بك وسراج منير وسميحة توفيق ورشدي أباظة،
وقد كتب في هذه النسخة اسم يوسف وهبي كبيرًا بالخط الفارسي، ثم أسفله كتب اسم الفنانة الإيطالية بخط أصغر، وتحتهما جاءت أسماء باقي الممثلين بخط صغير للغاية،
في حين صاغوا النسخة الإيطالية من الإعلان بشكل مختلف عن النسخة العربية، فاسم الفيلم هو ( PECCATRICE BIANCA)، أي (الخطيئة البيضاء وفقا لما أخبرني به الأستاذ صمويل شمعون)،
كما أن الأسماء والقامات انقلبت في هذه النسخة، إذ إن اسم الممثلة الإيطالية تصدر الإعلان بخط كبير جدًا، بينما هبطت مكانة يوسف وهبي درجات، فكتبوا اسمه بخط صغير تحت اسم النجمة، كما حرموه من لقب (بك).
في النسخة العربية أيضًا تحتل صورة يوسف وهبي المساحة الكبرى من الإعلان، بينما تتناثر صور بقية الممثلين في مساحات صغيرة، في حين أن النسخة الأجنبية ليس بها سوى صورة النجمة الإيطالية في مشهد ساخن مع رشدي أباظة، ولا وجود ليوسف وهبي على الإطلاق، أو غيره من الممثلين!
وأظن أن هذا هو الفيلم الثاني لرشدي أباظة، إذ لعب بطولة أول فيلم له (المليونيرة الصغيرة) أمام فاتن حمامة عام 1948،
ثم تراجع حضوره نحو عشرة أعوام، حيث أسندوا إليه الأدوار الثالثة والرابعة، إلى أن عاد بطلا مرة أخرى عام 1958 مع فيلم (امرأة في الطريق).
الطريف أن الإعلان العربي ذكر بالنص: (لأول مرة في تاريخ السينما المصرية يعرض حاليًا: النسخة العربية بسينما رويال وسينما متروبول/ النسخة الفرنسية بسينما أوديون وسينما النصر).
وبالفعل عثرت في يوتيوب على مشهد صغير لا يتجاوز الدقيقتين يجمع بين رشدي أباظة والممثلة الإيطالية، والحوار بينهما بالفرنسية!
اللافت أن اسم رشدي أباظة في الإعلان الأجنبي مكتوب بشكل مغلوط، إذ كتبوه هكذا (أزابا)، ( AZABA)، وليس (أباظة)، وكعادة يوسف وهبي، فقد أدان في هذا الفيلم زواج المصريين من الأجنبيات،
لأنها غالبًا ما تكون زوجة خائنة كما يزعم، وقد تبنى هذا الموقف في أول أفلامه (أولاد الذوات) الذي عرض في 1932، وبالمناسبة، فهو أول فيلم مصري ناطق.حقا… ليتنا نعثر على فيلم (أمينة) ونراه.