قالت زوجتى: ربما فى المستقبل البعيد نستطيع أن نقضى أسبوعاً فى جمصة وبلطيم.
وجدتها وجدتها،، هكذا وجدت نفسى أهتف بصوت مسموع لفت أنظار زوجتى والبنات فانتبهن واشرأبت أعناقهن نحوى فتظاهرت بأننى أختبرهن بمن هو قائل هذه العبارة كما يفعلن معى دائماً عندما تقف الواحدة منهن فجأة وتهتف صائحة: اختبار،، من قال كذا وفى أى مناسبة؟!، وغالباً ما تكون العبارة وردت على لسان بطل أو بطلة عمل فنى نكون قد شاهدناه معاً، قديماً كان أو حديثاً.
طبعاً وعندما طال صمتى تبارين كلهن فى إعلان اسم اسحق نيوتن مكتشف الجاذبية الأرضية عندما سقطت عليه التفاحة وهو يقضى لحظات قيلولة تحت شجرة التفاح. ذلك ما توارثناه بالخطأ وإن كان هو الأكثر منطقياً ودرامياً وأكثر إثارة وتشويقاً إذ تخيل أن رجلاً ينام تحت شجرة فتسقط عليه تفاحة وبدلاً من أن يلتهمها إذا به يفكر لماذا سقطت هذه التفاحة على الأرض ولم تصعد للسماء!، أنا عن نفسى لو كنت مكانه لكنت قد التهمتها وكنت سأصيح وقتها: أكلتها أكلتها، ولتذهب كل الاكتشافات العلمية إلى الجحيم أو ربما ينام مكانى يوماً ما رجل لا يحب التفاح فيجلس ويفكر ويكتشف ويقدم للبشرية ما يشاء!
قلت لهن: ربما تكون واقعة نيوتن صحيحة لكن من المؤكد أن صاحب عبارة وجدتها وجدتها هو أرشميدس وليس نيوتن وتفاحته. اعتقدت زوجتى أننى قصدت بذلك الاختبار أن أسألها بطريقة غير مباشرة لو كان لدينا تفاح أم لا، لذا أجابت بطريقة غير مباشرة أيضاً قائلة وهى تمصمص شفتيها: لا تنس يا رجل عندما تحصل على راتبك أول الشهر أن تشترى لنا كيلو بطاطس وكيلو طماطم ولو تبقى شيء فلا مانع من بضع جرامات من الجرجير أو البقدونس حسب سعرها فى البورصة وقت قبض الراتب!! طبعاً حاولت نفى تخمينات زوجتى والبنات واستعرضت عليهن معلوماتى مؤكداً لهن أن كلمة يوريكا كلمة يونانية تعنى «وجدتها» وأشهر من قالها هو العالم اليونانى أرخميدس أو كما نسميه بالعامية المصرية أرشميدس فى القرن الثالث قبل الميلاد فقد خرج من الحمام عارياً وهو يصرخ: «يوريكا.. يوريكا» عندما رأى أن الماء انسكب لما ألقى بنفسه فى مغطس ممتلئ عن آخره.
كان الملل من كلامى قد بدأ يعترى زوجتى والبنات لكنى صممت أن أستكمل استعراض معلوماتى فقلت إن أرخميدس كان يبلغ من العمر ستة وعشرين عاماً فى عام 260 ق.م. عندما كان يدرس الفلك والهندسة فى صقلية وفى أحد الأيام جذب انتباهه أربعة أطفال يلعبون على الشاطئ بلوح خشبى طاف إذ قاموا بموازنة اللوح على صخرة بارتفاع الخاصرة، ثم امتطى أحدهم إحدى نهايتى اللوح بينما قفز أصدقاؤه الثلاثة بقوة على النهاية الأخرى، فكانت النتيجة أن قذف بالصبى الوحيد فى الهواء. وعندما صعد ثلاثة منهم على الطرف القصير العالى، ثم وثب رابعهم على الطرف الطويل المرتفع فحطمه وأسقطه بأصدقائه الثلاثة.
بدأت أفقد انتباه البنات حيث راحت كل واحدة منهن تنشغل بهاتفها بينما هتفت زوجتى كمن يهدهد طفلاً يطلب شيئاً فوق الاحتمال: يبدو أنك تفتقد المصيف يا زوجى الحبيب، لا عليك يا رجل ربما فى المستقبل البعيد خلال ثلاثين أو أربعين عاماً نستطيع أن نقضى أسبوعاً أو حتى أقل فى جمصة وبلطيم وتستطيع وقتها أن تفعل مثل أرخميدس هذا وتكتشف لنا نظرية جديدة.
قلت لها: ولم لا فربما أستطيع وقتها حل اللغز الذى حير الملك هيرون حتى أحظى بالجائزة الذهب التى وهبها للفائز، نجحت بنطق كلمة الذهب والجوائز فى استعادة انتباه زوجتى والبنات فلم أفلت الفرصة وقلت: كان الملك هيرون قد أعطى صائغاً وزناً من الذهب وطلب منه أن يصوغ له تاجاً ذهبياً. لكنه شك أن يكون الصائغ قد خدعه حيث كان الغش قد انتشر فى المدينة وقتها.
وبينما كان أرخميدس يستحم فى مغطس لاحظ يده طافية على سطح الماء فحمل حجراً وقالباً من الخشب بنفس الحجم وغمرها فى الماء فغاص الحجر وبدا أخف وزناً، فى حين كان عليه أن يدفع بالخشب نحو الأسفل حتى يغمره. فرجع مسرعاً إلى الملك وغمس التاج وما يعادلها من الذهب فى قدر كبير من الماء، فأزاح التاج كمية أكثر من الماء، وبالتالى اتضح أنه مزيف. وهنا صاح فرحاً: «یوریكا يوريكا!».
فى اليوم التالى فوجئت بزوجتى تنتظرنى عند عودتى من العمل وكانت تمسك فى يدها بالغويشتين وهما مبللتين بالماء وقد خلعتهما من معصمها وهى تصيح قائلة: يوريكا يوريكا! ارتبكت وسألتها ماذا تعنى فقالت: أريدك أن تشكر صديقك أرخميدس نيابة عنى حيث كشف لى أننى كنت طيلة هذه السنوات أرتدى ذهباً من القشرة!