إن المسؤولية المدنية الناشئة عن استعمال الإنترنت سواء كانت عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو غیرھا تقوم في حالة ارتكاب الخطأ ، مما یسبب بھا ضررًا لشخص معین، وتكتمل أركان المسؤولية بقیام الربطة السببية بین الخطأ والضرر، ولكون المسؤولية المدنية موضوع البحث تنصب على النشر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ینبغي لنا أن نبین مدى مسؤولية كل طرف من الأطراف المتفاعلين في الواقعة محل البحث،
وبما ان مواقع التواصل الاجتماعي تسمح للمستخدمين بنشر ما یشاءون من المنشورات وكذلك التفاعل مع ھذه المنشورات من قبل المستخدمین الأخران من خلال مشاركة المنشور أو التعليق علیھا أو الإعجاب بھا ، لذلك یجب أن نبین مسؤولية كل ناشر للمنشور، والمشاركة ، والمعلق علیھا، والإعجاب، بلاضافة إلى الوسطاء الذین كان لھم الدور في رؤبة المنشور.
لا يمكن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي إلا بوساطة شبكة الإنترنت، لهذا مستخدم مواقع التواصل الاجتماعي ھو مستخدم شبكة الإنترنت، فھو الشخص الذي يلتحق بشبكة الإنترنت وسبح في فضاء الإنترنت من وقت لآخر بقصد الحصول على المعلومات أو بقصد نشرها وھو طرف رئس في خدمة الإنترنت ، وینضم المستخدم لموقع التواصل الاجتماعي بعد موافقته على شروط الاستخدام وإضافة بیانات إلزامية كالاسم والسن والجنس والبرید الإلكتروني، وأول ما یتبادر إلى الذھن عند البحث في الأشخاص المسؤولين عن النشر ھم مستخدمو الموقع مع تباین أدوارهم بین ناشر المنشور والمتفاعلين معه، انطلاقاً من إشكالية عدم وجود قواعد خاصة في الأردن تعالج موضوع الدراسة، لمعرفة هل هناك حاجة لإيجاد تشريع خاص أم يكتفى بما ورد في القواعد العامة؟، وهل تحقق هذه القواعد الحماية الكافية للمتضررين من هذه الدعاوى؟. ولمعالجة إشكالية الدراسة اتبعت الباحثة المنهج الوصفي من خلال استعراض الإطار التشريعي والآراء الفقهية والاجتهاد القضائي حول موضوع الدراسة، كما استخدمت الباحثة أدوات المقارنة مع واقع الحال الأردني في بعض الأنظمة المقارنة وبخاصة القانون المصري والإماراتي وغيرهم. وتبين من خلال الدراسة أن الفقه والتشريع والقضاء الأردني يفتقر إلى بيان مفهوم واضح لمصطلح النشر الإلكتروني، كما أن المشرع الأردني لم يشر إلى مصطلح مواقع التواصل الاجتماعي في التشريعات المعنية. كما أنه يمكن تصور المسؤولية العقدية عن النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي في ثلاث علاقات؛ فمن جانب: علاقة الموقع بالمطورين وناشري الأخبار في الموقع بموجب عقد العمل، ومن جانب: علاقة المستخدم بالموقع بموجب اتفاقية الأحكام، ومن جانب: علاقة المستخدم بغيره من المستخدمين بموجب عقود الإعلانات أو غيرها من العقود التي تبرم الغرض النشر في المواقع، فإذا توافر العقد الصحيح وتم والإخلال بهذا العقد نشأت المسؤولية العقدية. واتضح لنا كذلك أن أساس المسؤولية المدنية عن النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي هو الخطأ أو الفعل الضار واجب الإثبات، وأن للمدعي أن يستعين بطرق الإثبات كافة لإثبات خطأ الناشر أو فعله الضار. وانتهت الدراسة إلى جملة من التوصيات أهمها التمني على الجهات القضائية استحداث شعبة التواصل الرسمي مع مواقع التواصل الاجتماعي لطلب المعلومات التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي عن مستخدميها كعنوان (IP) وأماكن تواجد المستخدم عن طريق نظام (GPS) واسم موفر الخدمة وغيرها من البيانات التي من شأنها تحديد شخصية الناشر الحقيقية. كما دعت الدراسة جميع الجهات الحكومية المعنية أن تعمل – بالتعاون مع وزارة الإعلام والاتصالات – على توثيق الحسابات الرسمية للجهات الحكومية في مواقع التواصل الاجتماعي بالإشارة الزرقاء؛ للحيلولة دون إنشاء صفحات وهمية تحمل اسم الجهة، ولتكون القناة الرسمية للتواصل مع الأفراد، ولقطع الالتباس، وتسهيل عثور المستخدمين لها، كما فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة في هذا الشأن.
المسئولية المدنية بدورها تنقسم إلى نوعين: المسئولية العقدية وتتحقق إذا امتنع المدين عن تنفيذ التزامه العقدي، أو نفذه على وجه معين ألحق ضررًا بالدائن (كأن يكون هناك عقد بيع، ثم لا يسلم البائع المبيع إلى المشتري فيكون البائع قد أخل بالتسليم)، أما المسئولية التقصيرية فتتحقق إذا أخل شخص بما فرضه القانون من التزام بعدم الإضرار بالغير، وهو التزام واحد لا يتغير (كأن يعتدي شخص على مال الغير، فيلحق به تلفًا، فيكون هذا الشخص قد أخل بالتزام قانوني عام يملي عليه عدم الإضرار بالغير.
والغرض من هذه الدراسة هو لبيان مدى إخضاع أحكام المسئولية التقصيرية الناشئة عن استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة وأهمها الحاسوب للأحكام الناظمة للمسؤولية التقصيرية وفق القواعد العامة، لأن استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، أدى إلى ظهور نقاط قانونية مستحدثة تحتاج إلى البحث والدراسة والوقوف على مدى إخضاعها للقواعد القانونية السارية المفعول، وبالتالي فإننا من خلال هذه الدراسة نطرح تساؤلًا رئيسًا يتمثل في مدى كفاية التشريعات النافذة حالياً لحكم المسؤوليات الناشئة عن الاستخدام غير المشروع لوسائل التكنولوجيا الحديثة، وهذا التساؤل له ما يبرره، فمعظم التشريعات النافذة سنت قبل التحول المفصلي الناتج عن اختراع أجهزة الحاسوب، والتزاوج الذي حدث بين تكنولوجيا المعلومات وأدوات الاتصال السلكية واللاسلكية، أفرز لنا وليداً أطلق عليه “الإنترنت”.
وحيث إن دراستنا هذه هي دراسة مقارنة مع القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية فلا بد لنا من تناول هذه القواعد بشيء من التفصيل، لدى معالجتنا كل جزئية من جزئيات متن هذه الدراسة. ولكن قبل ذلك يجب التنويه بأن المقصود بعبارة “القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية” في هذا المقام القواعد التي تعالج المسئولية التقصييرية كافة بأجنحتها الثلاثة: المسئولية عن الفعل الشخصي، والمسئولية عن فعل الغير، والمسئولية عن الأشياء، وليست فقط القواعد الناظمة لأحكام المسئولية عن الفعل الشخصي كما درج الفقه على ذلك. كما أود الإشارة إلى الخلط الذي يحدث لدى البعض بين عنوان هذه الدراسة وبين عناوين أخرى قريبة من ذلك، وقد لمست هذا الخلط لدى بحثي عن المراجع والمصادر، حيث بدأ البعض ومنهم المتخصصون في القانون المدني يرشدني إلى بحوث ودراسات تتحدث عن الحماية القانونية لبرامج الحاسوب أو لما هو منشور على الإنترنت على أنها دراسات وبحوث سابقة في المسئولية محل هذه الدراسة. والحقيقة أن الفرق شاسع بين هذه وتلك، فموضوع هذه الدراسة يتحدث عن مسؤولية مدنية تنشأ نتيجة الاستخدام غير المشروع للإنترنت الذي ألحق ضرراً بالغير، وعن مدى كفاية التشريعات القائمة حالياً .
و في حكم هذه المسئولية نظرًا لخصوصيتها وتميزها بمجموعة من الميزات غير المتوافرة في المسئولية التقليدية، إذا جاز لنا استخدام هذا التعبير، أما العناوين الأخرى ألمشابهه فهي تتحدث عن كيفية حماية برامج الحاسوب أو غيرها من الاعتداء عليها، هذا وإن كان يشكل في جزء منه فعلاً ضاراً لمالك هذه البرامج، وبالتالي يدخل في صميم المسئولية التقصيرية، ويتداخل مع موضوع هذه الدراسة، إلا أن قوانين خاصة -أهمها قانون حماية حق المؤلف -وفرت هذه الحماية. وعليه فإن دراستها تخرج أساساً عن القانون المدني لتدخل في نطاق قوانين الملكية الفكرية، ولا يتم الإشارة إلى المسئولية التقصيرية في مثل هذه البحوث والدراسات إلا على سبيل أنها طريق استثنائي يمكن اللجوء إليه إذا عجزت القوانين الخاصة عن توفير الحماية المطلوبة. فبالرجوع إلى القانون المدني المصري فقد عالجها في المواد (163 ــ 178) من القانون المدني المصري، في حين اكتفى المشرع الفرنسي بمعالجة أحكام المسئولية التقصيرية في خمس مواد هي (1382 ــ 1386) من مدونة نابليون.–
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا