ثم..
من كل الذين رافقوك..
أنا الوحيد الذي نجا من الرحيل معك..
وأنا الوحيد الذي بقيَ على مشارف الفراق..
منذ ألف حزن ينتظر عودتك.. ولألف حزن..
لم أكن أعلم أن قلبي محكومٌ بالسجن في حقائبك..
أنكِ بترتِ ساقي.. وصلبتِني هنا كفزاعة..
ودسستِ في صدري مرارةَ الصبر..
كل الذين لوحوا لك بالوداع (إلى الوداع)..
إنما فعلوا.. بأكف هازئةٍ، وابتسامةٍ مصطنعة..
وقلوبٍ ترفلُ في ثيابِ النسيان..
أنا الوحيد.. الذي لم يملك كفا يلوح به..
فقد كانت تلملم ظلك الطويل من على جدران العمر، للمرة اليتيمة..
أنا الوحيد.. الذي لوح لك بقلبه..
ودمعةٍ كفرتْ بعينيه..
فحفرتْ طريقا للسقوط، مرغمةً وراغبةً..
لا أعلم كيف، ولكنه كان..
وأنا الوحيد الذي-رغم الفراق-ظل يردد (إلى اللقاء)..
وهو يعلم ألَّا لقاء بعدها، ولا حياة..
هم عادوا، وبقيتُ أنا.. في عداد المفقودين..
هم أنهوا وجودك حينما ودعوك..
بينما كنت أنا أنشئ لك وطنك الجديد.. مكتوبا على بابه(في ذمة الغياب)..
من كل الذين وزعتِ عليهم خبزَ ابتسامتك صدقةً مجانية..
كنت أنا من يصنعها لكِ.. طازجة كل يوم..
وأنا الوحيد الذي دفع لك عمرا، ولم يصبه الدور..
من كل الذين غمرهم عطفك دون طلب، أنا الوحيد الذي مزقه الرجاء.. دون جدوى..
وكل العابرين إليك عبروا على أقدامهم..
فأجزتهم، ومنحتهم حق المواطنة والأمان..
وحدي أنا.. أتيتك أمشي على قلبي.. على شوك اللهفة..
محفوفا بالخوف، باليأس والوجع..
مملوءًا بالندوب والعثرات..
مزدحما بالاحتراق والظمأ..
نازفا.. حتى آاااخر قطرة..
يااا لجفائك.. أهكذا يعامل وليُّ هواك؟!..
ماذا، لو كان القلب كافرا؟!..
من كل الذين أوجعوك، كنت أنا صاحب وجعك المقدس..
لا أعلم كيف صار العشق جرما..
كل الذي أذكر.. أنني أتيتك أحمل نبوءة الحب في صدري..
كان الذي صوبته عليك هشاشة قلبي.. وكل الذي أصبتك به كان حبا..
وأنت لم تعتادي كل هذا الغدق..
كنت حقيقيا إلى آاااخر أسى..
لكنك لم تألفي إلا المزيفين..
وكل الذين سقطوا في جُبك، أسقطتهم الظروف، وأعانتهم الأقنعة ليؤدوا أدوارهم بمهارة وإتقان..
إلا أنا.. أتيتك وأنا أرى السقوط فريضة..
وقاع الجب.. منتهى الإحسان..
يااا لغباء عمقك..
كيف يُطعِمُ الشوكَ.. من في حلقه كل هذه الغصات..
وكيف يُلقَمُ الملحَ.. جرحٌ يهذي؟!..
انتهى..
النص تحت مقصلة النقد..
بقلمي العابث..