استفهامٌ يحمل وجهين، وجه استنكاري، ووجه تقريري، وفي كليهما لا بد من إجابة…
وما أكثر أهمية المبادرة في الجواب، في مثل هذا الظرف العصيب الذي يشهده العالم، فلا يظنن امرؤ أن تاريخ المسلمين هو النسخة المطوية لما حدث في بلاد الحرمين منذ هنيهة أيام…
والجواب ابتداءً يأتي من غير المسلمين المنصفين، الذين اعتنوا بالاستشراق، وتغلغلوا في أعماق الحضارة الإسلامية، حتى لا يكون تأطيرهم العلمي كلأ مباحاً، ولكيلا تُقوم حجية أركان المنهجية الاستقصائية جذافاً…
يقول المستشرق غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب): “وظلَّت ترجمات كتب العرب ولا سيما الكتب العلمية مصدرًا وحيدًا تقريبًا للتدريس في جامعات أوروبا خمسة قرون أو ستة قرون، ويمكننا أن نقول: إن تأثير العرب في بعض العلوم كعلم الطب مثلًا دام إلى أيامنا، فقد شُرِحتْ كتب ابن سينا في (جامعة) مونبلييه في أواخر القرن الماضي، وبلغ تأثير العرب في جامعات أوروبا من الاتساع ما شمل منه بعض المعارف… كالفلسفة مثلًا؛ فكان ابن رشد الحجَّةَ البالغة في الفلسفة في جامعاتنا منذ أوائل القرن الثالث عشر من الميلاد”.
ويقول ماكس فانتيجو في كتاب [ دور الحضارة العربية والإسلامية في النهضة الأوروبية] كل الشواهد تؤكد أن العلم الغربي مدينٌ بوجوده إلى الحضارة العربية الإسلامية، وأن المنهج العلمي الحديث القائم على البحث والملاحظة والتجربة، والذي أخذ به علماء أوروبا، إنما كان نتاج اتصال العلماء الأوروبيين بالعالم الإسلامي عن طريق دولة العرب المسلمين في الأندلس…
ويقول أتيين دينيه في كتاب ( محمد رسول الله ] إلى الفيلسوف المسلم بن رشد، الذي عاش في كنف دولة الأندلس، يرجع له الفضل في إدخال حرية الرأي، التي يجب أن لا نخلط بينها وبين الإلحاد في أوروبا …
وتقول زيجريد هونكه في كتاب [ شمس العرب تسطع على الغرب ] إن سيلاً عرماً من نتاج الفكر العربي ومواد الحقيقة والعلم، قد نقحته أيدٍ عربية، ونظمته وعرضته بشكل مثالي قد اكتسح أوروبا …
وبالنظر في مقدمة كتاب [ نشأة الإنسانية ] لدانيل بريفولت، نجد تعبيره المُنصف عن سمو حضارة المسلمين منذ عام ٧٠٠م، يتفق ويتسق مع ثلاث ركائز هي مناهل العلوم الطبيعية والإنسانية للعالم أجمع، والنواة الأولى لإشراق شمس العلوم على سائر أوروبا، التي كانت في غياهب الظلام ، وفي سُبات الحروب المذهبية، وسطوة النظام الكنسي وصكوك الغفران…
والينابيع الثلاثة هي ( بغداد، دمشق، قرطبة )