ظن المتنطعون والمتهوكون الظانين بالإسلام ظن السوء، عليهم دائرة السوء، أن دور الإسلام الريادي والحضاري قيدته جدران المسجد الأربعة، وكتاتيب تحفيظ القرآن الكريم، والتشرنق والانغلاق على حدود السيرة النبوية، وصحوة المتبوعين من المجتهدين في جانبي الفقه والحديث فقط…
أو لم يكف هؤلاء، أن أقدم جامعة في العالم هي جامعة القرويين في فاس بالمغرب؟ وأن بيت الحكمة ببغداد هو أقدم وأول أكاديمية بحثية تكاملية أمطرت العالم الأجدب بشتى علومها بالصيب النافع ؟ وأن آباء العلوم الطبيعية والإنسانية كلها عبر التاريخ كله مسلمين؟
إذا ذكر علم الكيمياء يسطع نجمه الأوحد جابر بن حيان، الذي كان شامة على جبين علماء الكيمياء في العالم كله، بفضل ألمعية ذهنه ولوذعية حدسه، التي تمخض عنها المباديء الأساسية والدعائم الأولية لهذا العلم البديع، القائم على البحث والملاحظة والتجربة …
كذلك اعتلى صهوة علم الفيزياء جهابذة العرب والمسلمين، فكان الحسن بن الهيثم هو الأب الروحي لهذا العلم، الذي بلور إشراقاته الخصبة في كتاب المتحف [ المناظر ] وقد وضع فيه ابن الهيثم قوانين الانعكاس والانعطاف في علم الضوء، وبوب فيه النواة الأولى لاختراع أول كاميرا في التاريخ، وتبنى الأطروحة الراسخة والراسية التي اهتدى لها الفيزيائيون أبد التاريخ، داحضة ما كان عليه بطليموس الإغريقي..
فبين ابن الهيثم أن الرؤية تتم بواسطة الأشعة التي تنبعث من الجسم المرئي باتجاه عين المبصر… وعلى التماهي من ابن الهيثم، سنا برق الفيزيائيون المسلمون، في تدشين قوانين الحركة قبل نيوتن بزمن كبير، وهي القوانين التي أذنت بفجر الاختراعات الحديثة، من سيارة، طائرة، صاروخ فضاء، صاروخ عابر للقارات…
أبوالقاسم الزهراوي أعظم أطباء التاريخ، وأبو الجراحة، صاحب أوسع موسوعة طبية في فن الطب وأساليب الجراحة وأدوات الجراحة كالمقص والمشرط، وخيوط الجراحة [ التصريف لمن عجز عن التأليف ] التي ظلت أدق المراجع في كافة الأوساط الطبية في ربوع أوروبا وأمريكا… وقد ترجمه العالم الإيطالي جيراردو مؤمناً بجدواه كموسوعة طبية متكاملة للجراحين الأوروبيين لقرون عديدة ، لما يتضمنه من أسس علم الجراحة، وأكثر من مائتي آلة جراحية،…
بديع الزمان الجرزي أبو الميكانيك، وأبو علم الروبورتات، ومخترع آلات رفع المياة، والساعات الشمسية، وشهد له لين وايت وبعض علماء الغرب، أن الكثير من الآلات والتروس التي اخترعها الجرزي قد انتقلت إلى أوروبا، بالإضافة إلى ذراع الكرنك…
والخوارزمي، العالم الأسطورة، أبو علم الجبر، ومبتكر الرقم صفر، الذي قال عنه المستشرقون: إن التطور العظيم الذي يمكن اعتباره قفزة في تاريخ العلم، كان استخدام العرب للأرقام الهندية وبالذات الصفر، الذي هو أعظم إنجاز حققته الحضارة الإسلامية، فعلمونا استعمال الصفر، ولو أنهم لم يكونوا مبتكريه، وهكذا ابتدعوا حساب الحياة اليومية، وأنهم جعلوا الجبر علماً متقنا وتقدموا به، ووصفوا أسس علم الهندسة التحليلية، وهم بلا منازع موجدو علمي المثلثات المستوية والكردية، اللذين لم يكن للإغريق فضل في وجودهما إذا ما توخينا الدقة والإنصاف…
وكان أبو علم الجغرافيا هو الإدريسي، صاحب أعظم كتاب جغرافي في التاريخ [ نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ]..
فيقول عنه جوستاف لوبون:
وكُتب العرب التي انتهت إلينا في علم الجغرافيا مهمة إلى الغاية، وكان بعضها أساساً لدراسة هذا العلم في أوروبا قروناً كثيرة، وكانت خريطة الإدريسي قد اشتملت على منابع النيل والبحيرات الاستوائية الكبيرة، أي على هذه الأماكن التي لم يكتشفها الأوروبيون إلا في العصر الحاضر، فهي تثبت معارف العرب في جغرافية إفريقيا، أعظم مما ظن زمناً طويلاً…