تُعد صناعة التكرير والبتروكيماويات من الصناعات الحديثة إذا ما قورنت بغيرها من الصناعات التقليدية، حيث لم تظهر أهميتها بشكل واضح وقوي إلا بعد الحرب العالمية الثانية وذلك بعد البدء في استخراج وتصنيع النفط بشكل كبير وواسع. حيث صارت صناعة الكيماويات العضوية تستخدمه كمادة خام بدلًا من خامات الفحم التي كانت تُستخدم من قبل وهو الأمر الذي أفرز اليوم صناعة البتروكيماويات،
ورغم ذلك فإن صناعة التكرير والبتروكيماويات تُعد من أكثر الصناعات نموًا وتطورًا على المستوى العالمي في الوقت الحالي. يُستدل على ذلك من خلال المعدلات الكبيرة التي تنمو بها هذه الصناعة على المستوى العالمي، ولذلك فهي من القطاعات التي يعول عليها لقيادة عمليات التنمية والنمو الاقتصادي لما تتمتع به من نمو سريع وتنوع في منتجاتها، وتُساهم بقوة في تنويع مصادر الدخل في البلدان المنتجة للنفط التي تحتل فيها صادرات النفط الخام والغاز الطبيعي مكانة الصدارة، وتلعب صناعة التكرير والبتروكيماويات كذلك دورًا مهمًا وحيويًا في تحسين فرص الاستفادة من الثروات الهيدروكربونية (النفط والغاز)،
وذلك من خلال زيادة القيمة المضافة المحققة من برميل النفط الخام عندما يتم تصنيعه كمواد بتروكيماوية بدلًا من تصديره كنفط خام. تولي مصر اهتمامًا خاصًا بقطاع التكرير والبتروكيماويات، وذلك ضمن استراتيجيتها لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المشتقات النفطية بحلول عام 2025. وعليه يمكن القول، إن النفط الخام سلعة عديمة القيمة دون تكريرها، ولكن يتم اشتقاق منتجات نفطية صالحة للاستخدام في الأجهزة والمعدات المستخدمة في حياتنا اليومية، ووفقًا لعمليات الاستغلال التي تبدأ من الحرق للحصول على الطاقة أو عمليات التحويل لسلع أخرى مثل البلاستيك والأسمدة فإن كل منتج نفطي يلبي الحاجة وفقًا لتقنية استخدام معينة. وفى الاقتصاد،
فإن أي تكلفة يجب أن يكون لها عائد يقابل النفقات حيث يمثل بند الدعم خسارة اقتصادية ومالية على الدولة تحت مبدأ عدم تحقيق هذا العائد في حالة عدم وصوله لمستحقيه، وأن الغرض الأساسي من أي قرارات يتم اتخاذها بهدف تخفيض الدعم تكمن في محاولات إجراء تصحيحات أو تعديلات للتشوهات السعرية، لأن مفهوم الدعم يؤدي بالتبعية إلى سوء تخصيص الموارد، وعمليات الإفراط في الاستهلاك،
والذي يترتب عليه ارتفاع معدلات زيادة ونمو الاستهلاك بصورة ملحوظة. بالإضافة إلى الزيادات الكبيرة التي تتحملها الدولة والتي يتبعها آثار سلبية تتمثل بصورة مستمرة في العجز المزمن للموازنة العامة من خلال فواتير استيراد المنتجات والمواد البترولية. ذلك مع إنتاج منتجات بترولية عالية الجودة تتماشى وتتواكب مع المواصفات العالمية، مما يعمل على فتح المجال بصورة أكبر للتصدير للخارج، وجلب العملة الصعبة، والعمل على تهيئة مناخ جاذب للاستثمار وتحسين نظم الحوكمة، ووضع نموذج أمثل للعلاقة التعاقدية بين أطراف أنشطة التكرير وتصنيع البترول، بالإضافة إلى العمل على تحقيق عنصر التكامل بين استراتيجية التكرير والبتروكيماويات واستراتيجية قطاع البترول لتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول البترول والغاز.
إن مصر تستورد ٣٠٪ من احتياجها للسوق المحلي من الوقود والبنزين، وبوصول هذه النسبة إلى ٠٪ ستوفر الدولة المصرية حجمًا ضخمًا من الأموال التي كان يتم تخصيصها لشراء المنتجات والمواد البترولية، وتتكبدها الموازنة العامة للدولة سنويًا. وبلغة الأرقام، فإن إجمالي تكلفة ما تم استيراده من المنتجات البترولية والوقود عام ٢٠١۹ حوالي ٦٬۸ مليار دولار أمريكي. تمضي الدولة المصرية قدمًا نحو بناء جمهوريتها الجديدة، وتولي اهتمامًا بالغًا وكبيرًا بقطاع الطاقة والبترول؛
إيمانًا منها وإدراكًا لدوره الحيوي والفعال كمحرك أساسي ومؤشر للنمو الاقتصادي، واضعة أمامها أن تطبيق استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة هو أحد أهم ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما دفعها إلى المضي قدمًا وبخطوات جادة وحاسمة نحو تحقيق هدفها الثاني من الاكتفاء الذاتي وهو الاكتفاء الذاتي من المنتجات والمواد البترولية، بعدما حققت أهم إنجازات صناعة البترول وهو الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي،
وذلك من خلال خطط عمل شملت التوسع في عمليات البحث والاستكشاف والإنتاج، وأيضًا العمل على رفع كفاءة وتطوير منظومة التكرير المصرية، والعمل على تنويع مصادر الطاقة، وزيادة نشر ثقافة ترشيد استخدام واستهلاك الوقود، وزيادة جذب الاستثمارات لقطاع البترول. أن فاتورة المنتجات البترولية وحدها للفترة من يناير إلى أغسطس تتجاوز 4.8 مليار دولار، وباقي القيمة تخص واردات الفحم والنفط الخام وغيرها من واردات قطاع البترول.
تعتبر ارتفاع فاتورة الاستيراد خلال 8 أشهر الأولى من العام الحالي إلى زيادة تكلفة شحن ونقل المنتجات البترولية، وكذا ارتفع حجم الواردات خلال الشهرين الماضيين لسد حاجة الدولة من الوقود اللازم لتشغيل قطاعات الدولة في فترة الصيف.
أن وزارة البترول المصرية بدأت خطة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الوقود المُنتج محليًا، عبر تنمية حقول الإنتاج المصرية ومن ثم زيادة الإنتاج؛ وكذلك زيادة وارداتها من النفط الخام من الكويت والسعودية والعراق وتكريره بالمصافي المحلية. وقدمت وزارة البترول المصرية مؤخرًا حزمة من الحوافز إلى شركات البترول العالمية العاملة في مصر لمواجهة التحديات والتشجيع على ضخ استثمارات جديدة للإسراع بعمليات التنمية وزيادة معدلات الإنتاج من البترول والغاز ومن ثم تحقق مصالح كافة الأطراف.
أن مصر تشتري حصة الشركاء الأجانب من إنتاجهم النفطي لتلبية الطلب المحلي على المنتجات البترولية وتستورد بقية احتياجاتها من الخارج. فبالرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها الحكومة المصرية في قطاع الطاقة خلال الفترة الماضية، استطاعت اتخاذ العديد من الإجراءات والسياسات، والتي تهدف إلى الإصلاح لإطلاق عملية التحول في الطاقة، والعمل على فتح أسواق وآفاق جديدة للاستثمارات في مختلف مجالات الطاقة، وظهر هذا التطلع من خلال توقيع مذكرة تفاهم بين مصر والاتحاد الأوروبي، والتي تضمنت العمل المشترك بين الجانبين في مجالات الطاقة بشقيه من البترول والغاز والكهرباء، فضلا عن السعي إلى تطوير مجال الطاقة المتجددة.
وتهدف رؤية مصر ٢٠٣٠ إلى بناء اقتصاد تنافسي ومتوازن في إطار التنمية المستدامة، وتلعب الطاقة المتجددة دوراً محورياً في ذلك، وتسعى استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة حتى عام ٢٠٣٥ إلى تنويع مصادر الطاقة وضمان أمن الطاقة واستمراره، كما تحدد الشروط المهمة والضرورية لدعم نمو مصادر الطاقة المتجددة بمشاركة جميع قطاعات الدولة. علاوة على ذلك، تعكس الاستراتيجية طموح مصر بأن تصبح نقطة ارتكاز محوري على خريطة الطاقة العالمية تصل بين إفريقيا وآسيا وأوروبا عبر تعزيز ترابط شبكات الكهرباء والطاقة في دول المنطقة وخارجها، فمصر تمتلك العديد من موارد الطاقة غير المستغلة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتي من المفترض أن تساهم بنسبة تتعدى ٤٠٪ من إجمالي قدرة الطاقة بحلول عام ٢٠٣٥.
وعند الحديث عن تحول الطاقة إلى الطاقة المتجددة، هناك سؤال يتبادر إلى الأذهان دائماً: كيف يبدو لنا مستقبل الطاقة الخضراء والنظيفة، بالنسبة لمعظم الناس؟ تستحضر الفكرة صور حقول التوربينات الرياحية ومزارع الألواح الشمسية الهائلة، لكن رغم أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية هي أشكال متنوعة وممتازة وفعالة بشكل كبير وتكلفة معقولة لإنتاج الطاقة النظيفة مقارنة بالطاقة غير المتجددة، إلا أن لها ضوابط محددة، والمحدد الأول والأكثر انتشاراً للرياح والطاقة الشمسية هو أن هذه الأنماط من إنتاج الطاقة متغيرة، بمعنى أنها لا تستطيع إنتاج كميات ثابتة ومحددة من الطاقة طوال الوقت،
حيث يعتمد كل من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على أشكال الطقس والتغيرات المناخية، والتي لم يجد العالم طريقة للتحكم فيها حتى الآن، وهذا يعني أنه على عكس الوقود الأحفوري التقليدي، تتدفق الطاقة إلى الشبكة من الرياح والطاقة الشمسية، ثم تتوقف ويبدأ بشكل لا يمكن التنبؤ به دائماً ، بينما يحتاج العالم إلى الطاقة بشكل مستقر وبصفة مستمرة نوعا ما، بغض النظر عن شروق الشمس أو هبوب الرياح.
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا