نُقرُّ بأن الأوطان لا تُقاسُ محبتُها بما فيها من مقدراتٍ؛ لكنّ الأوطان بطبيعتها، وعلى حالتها تسكن القلوب، وتتربع على عرش الوجدان؛ فلا يسعك إلا وطنٌ، تعش على أرضه، حرًا، طليقًا، تستمتع بكل ما فيه، وما يحويه من ثرواتٍ طبيعيةٍ، وغير طبيعية؛ فمهما تغرَّبت الأجسادُ، وابتعدتْ، وشاهدتْ العيون، وانبهرتْ، وتاقت الأنفس، وتآلفت؛ إلا أنَّ الشوق، والحنين إلى تراب الوطن يحتل قمة الأولويات، وذروتها، دون مواربةٍ؛ فإن فيه بداية الأمل، وبه استقرت الأنفس، وتحت سمائه تآنست الأرواحُ.
وقيمةُ الوطن، وقْدرُه تُرَسّخِهُا في الوجدان تربيةٌ سويّةٌ، تقوم على مُعتقدٍ صحيحٍ؛ فيعمل المواطنُ على تنميته، وتعظيم مقدرات وطنه، ويحرص على صونها، ويسعى دومًا؛ لفتح مساراتِ الإعمار في ربوعه؛ كي يستكمل النهضة بيد أبنائه، جيلا تلو الآخر، وعبر ما يتبناه الوطن، ومن يقوم على إدارة شئونه، تُسْتنهضُ العزائمُ، والهممُ تجاه العمل، والإنتاجُ المستدامُ؛ فالجميع يشعر بالمسئولية، والجميع لديه أهدافٌ، لا تنفك عن غايات الوطن العليا، والجميع يدرك مدى حاجة الوطن إليه؛ فتتنامى الوطنية، وتتعمق القومية في الأذهان.
وحين ننظر للوطن، فإنَّنا ننظر إليه نظرةً كليّةً، ولا تقوم على التجزئة، التفريد؛ فالجميع لا يفرق بين الملكية العامة، والملكية الخاصة، وهنا نعي مدى الشراكة، والتعاون، والتكافل؛ فتلك قيمٌ تزيد من التماسك، وتقوي الرباط بين المجتمع بجميع أطيافه؛ ومن ثم يستشعر كل مواطنٍ بأنه مسئول عن الحفاظ لكل ما يشمله الوطنُ من مقدراتٍ، وأن ثمرة استقراره، وانتعاش اقتصاده تعود على الجميع دون استثناءٍ، وأن تنمية الذات، وصقل الخبرات باتت فرضَ عينٍ؛ كي يصبح المواطنُ قادرًا على العطاء، والبناء، وله دورٌ في التنمية في أي مجالٍ ينتسبُ إليه.
وما يضير الأوطان قطعًا يكمن فيما يؤلم منتسبيها؛ حيث إن الإساءة للأوطان، والنّيلَ من رموزها، يعد من الأمور التي لا يتقبلها مواطنٌ شريفٌ ترعرع، وتربى في خِضمّ قيمٍ نبيلةٍ، وأخلاقٍ حميدةٍ، تحث الإنسان منا على التقدير، والامتنان، والاحترام لأصحاب الفضل، والعطاء، وتجنب الخوض في الآخرين، بل وتؤكد على تحري الصدق، والمصداقية في الأقوال، والأفعال؛ فمن يستهدفْ هدمَ الأوطان بنشر الأكاذيب، والشائعات الخبيثة المأرب، فإنه لا يؤمن بماهية الوطن، ولا يحق له أن ينتسب لترابه؛ لأنّ غايته، وأولوياته تقوم على النفعية في ضوء ما يتبناه من فكرٍ مشوّهٍ تجاه فلسفةِ بناء الأوطانِ، واستدامةِ بقائها.
وحريٌّ بالذكر أن بقاء الأوطان يستلزم تضحياتٍ في صورها المختلفة، وتلك التضحياتُ لا تتحملها فئةٌ دون أخرى، أو طائفة من الناس دون غيرها؛ فمن يحملْ صفةَ المواطن يقع على عاتقه الحفاظ على وطنه الغالِ؛ ومن ثم يضحي من أجل بقائه، واستقراره، ونمائه، وإذا ما حاول مُغْرضٌ النَّيلَ من مقدراتِ الوطن، تصدى له الجميعُ؛ فلا مزايدةً على من يطلقون شعاراتٍ جوفاءَ تستهدف إسقاط الأوطان، وتعمل على فتحِ مساراتِ الفوضى بحجة الحرية غير المسئولة، التي باتت مُزيّفةً في مكونها.
ورفعة شأن الوطن، ورفع رايته، وتقدمه، وازدهاره تقع على عاتق الجميع، دون استثناء؛ فعبر ما يقدمه كل مواطنٍ من جهدٍ، حميدٍ، وبذلٍ مديدٍ، وعطاءٍ غير محدودٍ، وبناء مستدامٍ، يؤدي كل ذلك إلى إحداث إعمارٍ، وعمرانٍ، ويحقق ما نسميه بالأمن القوميّ في كل أبعاده؛ فلا مجال إذًا للتخريب، أو الهدم، أو الإطاحة بمقدراتِ وطنٍ قد شارك في بنائه أبناؤه بسواعدهم؛ فهم الحماةُ، والبُناةُ، دون ريبٍ، أو شكٍ.
ومصرُ الغاليةُ على القلوب لا نقبل أن يعبث بها أحدٌ، ولا أن يحاول أن ينال منها مُغْرضٌ، ولا أن يشمتَ فيها خسيسٌ؛ فوطننا محفوظُ بإن الله – عزو وجل- وبرباطِ أهله الذي واجه العالم بأسره، ودحْرِ العدوان، وصوره؛ فتاريخ المصريين مُشرّفٌ، وبطولاتهم يصعب حصْرُها؛ فهذا الشعبُ أبيٌّ، وجيشه حرٌّ، ومؤسساته وطنيةٌ، مُخْلصةٌ، وقيادتُه شريفةٌ، رشيدةٌ، ومن يستهدفْ مصرَ بشرٍّ، فإنّ شرَّه مردودٌ عليه، وكيْدَه قطعًا في نحره، وتدبيَره تدميره – بمشيئة الله – تعالى-.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر