قال الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم: إن “الدولة ستوفر مليون تابلت بالمجان لطلاب الصف الأول الثانوي ومعلميهم، بدءًا من سبتمبر المقبل، بتكلفة ستصل إلى نحو 3 مليار جنيه سنويًا”. هذه بشارة كبرى وعظيمة للشركات المصرية العاملة فى التكنولوجيا.. خاصة الهيئة العربية للتصنيع، وأول شركة مصرية لتصنيع الهواتف المحمولة وغيرهما من الشركات.. لمن يريد أن يتقدم للأمام.. ولمن يريد أن يقول ها أنا ذا.
وحدث بالفعل أن انتهز المهندس محمد سالم، رئيس الشركة المصرية لصناعات السليكون “SICO”، الفرصة بعدما سمع الدكتور شوقي.. فأبدى استعداد شركته للمشاركة في تصنيع التابلت رغم أنها لم “تدع إلى المشاركة فى تصنيعه”.. لماذا لم تدع شركته لتصنيع التابلت؟!.. لا أعلم.. لكنني أعلم أن الرجل يصر على أن يكون له قطعة – حتي ولو كانت ضئيلة – من هذه التورتة الكبيرة.
فمليون تابلت دفعة واحدة فى أيدي المصريين، تورتة كبيرة يمكن أن تستفيد منها كيانات.. وتقوم عليها صناعات إذا أُحسن استخدامها وإدارتها.
وإلى جانب التصنيع هناك فرصًا أخري كالصيانة والتى تستلزم إلى جوارها وجود قطع الغيار.. وقبل هذا وجود فنيين مهرة فى الصيانة أى “أسطوات” عباقرة.. لزوم تكسير التابلت وتنطيط التلاميذ الذى لن يتوقف فى المدارس.. فهل دربناهم جيدا؟!.. أو هل أنهينا الاستعدادات اللازمة لهذه الخطوة المقبلة؟!.. أعتقد لا.
فما يكشفه تصنيع وصيانة تابلت صغير.. يجرنا إلى مشكلة أكبر.. دائمًا ما يتكلم عنها الناس، وهي مشكلة الوظائف التى ستختفي والمهن التي ستنقرض.. ويفترض الناس أن الوظائف تموت وتقل.. وأنها كلما قامت تكنولوجيا جديدة، أجلست العمال فى بيوتهم.. هذا يحدث بالفعل .. لكن الحقيقة عكس هذا تماما.. وهي أن الوظائف تزيد ولا تقل.
فوجود التابلت، قد يلغى الكتاب المدرسي ويقلل عدد المطابع والعمال فيها.. لكنه سيتيح ظهور مهن أخري بديلة كالصيانة ومصانع قطع الغيار.. ومهندسي التطبيقات والمتخصصين فى التسويق الإلكتروني ومتخصصي الإعلانات الرقمية.. وهكذا.
والمعني أنه كلما ماتت وظيفة أو اختفت، ظهرت مكانها وظيفة بديلة أو أكثر.
خد دراسة على ذلك.. منذ أسبوع وقف “جيم يونغ كيم” رئيس مجموعة البنك الدولي فى فاعليات «القمة العالمية للحكومات» بدبي وقال: “سيفقد نحو 150 مليون شخص وظائفهم بحلول عام 2050، بينما سيدخل سوق العمل 450 مليوناً”.. أى أن الفجوة خلال 30 عامًا المقبلة ستكون بالزيادة وليست بالنقص.. وستكون بنحو 300 مليون وظيفة جديدة خالية ولا يوجد من هو مؤهل لها.
ولأن التأهيل يستوجب التدريب والتعليم المستمر.. فقد طلب “كيم” من الدول أن تستثمر في العنصر البشري وتدرب كوادر تكون قادرة على مواكبة عصر التكنولوجيا من خلال التعليم، وإذا لم تفعل،
فلن تتمكن من دعم اقتصادها في المستقبل، ما سينعكس سلباً على طموحات شعبها، ويؤدي إلى انتشار العنف والتطرف والإرهاب.
وما قاله كيم منطقي، فلا يوجد مستقبل إلا بالاستثمار فى العنصر البشري، والتكنولوجيا..
والوظائف الجديدة التي ستنشأ فى العالم بفضل التكنولوجيا.. من ضمنها وظائف بسبب مليون تابلت مصري، فلو أحسنا استغلال هذ العدد الضخم، ودربنا ووفرنا التأهيل المناسب .. واستثمرنا فى الإنسان، فربما نري بعد عقد وحيد من الزمن.. ما يسر نظرنا، ويبهج قلوبنا ويعطى الحكمة فى عقولنا.. ويدفع الفرحة إلي صدورنا
فالتكنولوجيا الحديثة جاءت لتطوير الأدوات التي يستخدمها الإنسان ليرتقي ويعلو، وليست للقضاء على المهن القديمة وفقط.. فالسيارات بدلًا من الساقين.. والعدسات بدلًا من العينين.. ومكبرات الصوت بدلًا من الأذنين, وتحليل البيانات إلكترونيًا بدلا من المخ!