إذا كان الله سبحانه وتعالي قد خلق الإنسان حراً بالفطرة السليمة النقية فقد أوكل إليه أن يغير أحوال حياته نحو الأفضل بنفسه ولنفسه وهذا قمة تكريم الله للإنسان فلماذا يجعل نفسه وضيعاً جباناً مذعوراً؟!
وقد صدق الله تعالي في قوله: “إن الله لا يغيِّر ما بقوم حتي يغيِّروا ما بأنفسهم”.
وهذه الآية الكريمة دليل من دلائل علي حرية الإنسان المسئولة التي أودعها الله في نفس الإنسان عليه أن يعرف مكنونها ويمارسها. ويدافع عنها إذا حاول آخرون أن يسلبوها منه وينتزعوها ويقبضوا عليها حتي تزهق الروح!!
وما أجمل ما قاله أحمد لطفي السيد في كتابه “مباديء في السياسة والأدب والاجتماع” سلسلة كتاب الهلال في طبعته الأولي عام 1963 ص138 “خلقت نفوسنا حرة. طبعها الله علي الحرية فحريتنا هي نحن.. هي ذاتنا. ومقوم ذاتنا هي معني أن الإنسان إنسان. وما حريتنا إلا وجودنا. وما وجودنا إلا الحرية”.
الحرية المسئولة للإنسان هي قوة للوطن. فما الوطن إلا مكان يعيش عليه وفيه الأحرار.
تأمَّل قول أحد الحكماء: “أنت لا تستطيع أن تفتح ذراعيك إلا إذا كان رأسك مرفوعاً”.
ولأن العصافير هي التي تصدر التغريد الجميل وليس العصفور الواحد.
ولأن الربيع الذي ينعش النفوس تصنعه الزهور وليس بزهرة واحدة أيضاً فإن الأفكار البناءة لا تنمو ولا تزدهر ولا تنتج تقدماً وعلواً وسمواً إلا بالحرية.
لذا فقد قالوا: دع مئة زهرة تتفتح!
دع الأفكار بحرية تتلاقح.
ولأن عدم بناء الإنسان بمنهج الحرية المسئولة يهدم ويدمر شخصيته كما يقول الكاتب التربوي يزيد عيسي السورطي في كتابه “السلطوية في التربية العربية” الصادر عن سلسلة عالم المعرفة ــ الكويت ــ أبريل 2009: “إن التربية التي تقوم علي العنف والتعسف. والقهر. والتسلط ومصادرة الحرية هي أقصر الطرق لتحطيم الفرد وتدمير المجتمع”.
ويبين السورطي هدف التربية السامي في بناء الإنسان قائلاً: “تسعي التربية إلي تفجير طاقات الفرد. بينما يعمل القهر علي قتلها. وتهدف التربية إلي بناء شخصية الإنسان بشكل شامل ومتكامل ومتوازن في حين ان الاضطهاد ينتج شخصية ضعيفة ومشوهة ومضطربة وغير متوازنة وتضع التربية نصب الأعين إعداد الفرد المفكر. والمبدع. والمتفوق. أما الاستبداد فيؤدي إلي تقويض الإنسان وشل قدراته. وتعطيل طاقاته. والحد من إبداعه”.
ولأننا نعيش في عالم تحكمه شريعة “الغابة” بالعولمة الأمريكية التي لا مكان فيها لضعيف أو قابل للاستضعاف فنحن في حاجة ماسة أن نقيم ونرفع أسس البناء والتقدم بقوة وعزة ونعمل علي بث روح الوعي الحر الباني لتقدم الوطن استفادة من التاريخ لأن من لا يقرأ ويفهم التاريخ فإنه يكرر الأخطاء والكوارث.
لذا نجد الفيلسوف الدكتور زكي نجيب محمود في كتابه “رؤية إسلامية” ص143 ــ 144 “يقول : إن المصري المعاصر ليحتاج إلي تربية جديدة توقظ فيه الوعي بتاريخه وعياً ناضجاً رشيداً. لا يكفي له حفظ المذكرات ونجاح التلاميذ في الامتحان. بل هو وعي يسري في الدماء مع الدماء. لكي يعلم من هو؟ فيكون علي يقين من أنه وليد حضارات اختلفت ظروفها مع متغيرات الزمن. لكنها برغم ذلك اشتركت كلها في عدد من الركائز والدعائم. هي هي الركائز والدعائم التي تميز هذه المنطقة “العربيةَ” كلها.