قال الدكتور أسامة الأزهرى، مستشار الرئيس للشئون الدينية، إن الإمام الكبير أبو جعفر محمد بن عبد العزيز الإدريسى يسجل لنا فى كتابه “أنوار علوى الأجرام فى بيان خبر الأهرام” أن الصحابة الكرام زاروا الهرم، ووقفوا عنده وتعجبوا منه ونقشوا أسماءهم عليه، وقُرِأ من خطوطهم “يوحد الله فلان” مما نقشه الصحابة على الهرم العظيم.
وأضاف “الأزهرى”، خلال برنامج “رؤى”، على فضائية “DMC“، أن بعض المتحدثين يقفون موقف العداء من هذه الآثار وأيدوا ما قامت به طالبان فى يوم من الأيام من تدمير تمثال بوذا، وتكرار هذه التجربة كما فعل الدواعش فى الآثار العريقة الباقية منذ آلاف السنين فى شمال العراق وسوريا.
وتابع مستشار الرئيس للشئون الدينية: “يفوتهم أن الصحابة بالفعل دخلوا تلك البلاد، ورأوا تلك الآثار ونظروا لها نظرة تعجب بما فيها من تماثيل”.
الصحابة زاروها وصلوا فى مكانها
وأشار مستشار الرئيس للشئون الدينية، إلى أن الإمام الحافظ سليمان بن موسى الكلاعى الأندلسى، صاحب التصانيف الحديثية الحسنة المحررى، ينقل لنا هذا الخبر الفريد فى كتاب الاكتفاء مبما تضمنه من مغازى رسول الله، والثلاثة الخلفاء، ويقول: “ولما دخل سعد المدائن، فرأى خلوتها، وانتهى إلى إيوان كسرى، أقبل يقرأ “كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ”، وصلى فيه صلاة الفتح – ولا تصلى جماعة – فصلى ثما-ن-ى ركعات لا يفصل بينهن، واتخذه مسجداً، وفيه تماثيل الجص –رجال وخيل، ولم يمتنع ولا المسلمون لذلك، وتركوها على حالها.
وذكر “الأزهرى” أن الجاحظ توفى سنة 255 هجرية، أى قبل 1200 سنة، وقال إن عجائب الدنيا ثلاثون أعجوبة، عشرة منها بسائر البلاد، والعشرون الباقية بمصر، وهى الهرمان وهما أطول بناء وأعجبه، ليس على الأرض بناء أطول منهما، وإذا رأيتهما ظننت أنهما جبلان موضوعان، ولذلك قال بعض من رآهما، ليس شيئا إلا أن أرحمه من الدهر إلا الهرمين أنا أرحم الدهر منهما، ثم قال وصنم الهرمين، ويقال “بلهنيت” ويسميه العامة “أبو الهول” ويقال إنه “طلّسم” للرمل لئلا يغلب على الجيزة.
ولفت إلى أن الإمام الموفق عبد اللطيف البغدادى يشير إلى أن ما وجده شائع عند عامة الناس أن تمثال أبو الهول رُكّب على نسق هندسى معين يحمى به بيوت الجيزة من الرمال، العبارة التى قالها الجاحظ قبل 1200 سنة بأن الهرم هو أطول بناء على ظهر الأرض، وهذا كلام دقيق ووصف منهجى، وظل الهرم على مدى 4 آلاف سنة أطول بناء على وجه الأرض إلى أن بُنيت كاتدرائة “لينكولن” فى إنجلترا 1311 ميلادية.
محاولات هدمها على يد الملك العزيز عثمان بن يوسف
ولفت الأزهرى إلى أن الإمام الموفق عبد اللطيف البغدادى يسجل موقفه الرشيد المعبر عنا وعن المسلمين جميعاً عبر التاريخ من الموقف السيئ الذى يتصف به من ينادى بالعدوان على تلك الآثار: “وكان الملك العزيز عثمان بن يوسف لما استقل عن أبيه، سوّل له جهلة أصحابه، فوصف من تقدم باقتراح العدوان لعى الهرم، أنهم من جملة الجهلة، سوّل له جهلة أصحابه أن يهدم هذه الأهرام، وبدأ بالصغير الأحمر، فأخرج إليه الجلبة والنقادين والحجارين وعظماء دولته وأمراء مملكته وأمرهم بهدمه ووكلهم بخرابه، فخيموا عندها وحشروا عليها الرجال والصناع ووفروا عليهم النفقات وأقاموا نحو ثمانية أشهر بخيلهم ورجلهم يهدمون كل يوم بعد بذل الجهد واستفراغ الوسع الحجر والحجرين”.
وتابع الأزهرى: “فقوم من فوق يدفعون بالأسافين وقوم من الأسفل يجذبونه، فإذا سقط سُمع له وجبة عظيمة من مسافة بعيدة حتى ترجف الجبال ويغوص فى الرمل، ويتعبون حتى يخرجوه، ثم يضربون فيه الأسافين، ويقطع قطعا وتسحب كل قطعة على العجل حتى تلقى فى الجبل، فلما طال مكثهم ونفدت نفقاتهم ووهت عزائمهم كفوا مذمومين لم ينالوا بغية ولا بلغوا غاية بل كانت غايتهم أن شوهوا الهرم، وكان ذلك سنة 593، والرائى لحجارة الهرم يظن أنه قد استوصل وظن أنه لم يهدم منه شىء وإنما جانب منه قد قشط بعضه، حينما شاهدت المشقة التى يجدونها، سألت مقدم الحجارين وقلت له، لو بُذل لكم ألف دينار على أن تردوا حجراً واحدا إلى مكانه وهندامه هل كان يمكنكم ذلك، فأقسموا بالله أنهم يعجزون عن ذلك ولو دفع لهم أضعافه”.
وكان الدكتور أسامة الأزهري، مستشار الرئيس للشئون الدينية، سجّل حلقتين من برنامجه “رؤى”، أمام الأهرامات الثلاثة.
وعرض “الأزهرى”، مقارنة واسعة بين العالم الجليل الموفق عبد اللطيف البغدادى أعظم من وصف الهرم كفيلسوف عاشق للعمران ومنبهر بعبقرية القدماء، وبين أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش الإرهابي الذي دمر الآثار في العراق وسوريا وروع الناس وقتلهم، مضيفا”: المقارنة بينهم فارق ضخم بين عقل انطلق إلى الاهتمام بالبناء والعمران، وآخر دمر مقاصد الشريعة بفهمه الخاطئ بعد أن خيمت الظلمات عقله تجاه الآثار والمعالم الآثرية.
واستعرض خلالها مجموعة من الفيديوهات لمن يقف موقف العداء تجاه التماثيل الأثرية من الجامعات السلفية، ولمن نادى بهدمها، مستعرضًا بالتفاصيل نظرة علماء الاسلام الى الهرم الأكبر جيلا بعد جيل، مؤكدا أنه لا يوجد حضارة من الحضارات صنعت مثل هذا الأثر العظيم الذي سيظل موجودًا إلى يوم القيامة.
وقال الأزهرى: “إن الوقوف بجوار الأهرامات تجديد للذكريات وتفكير عميق في طرق الإبداع والعمران الذي شيده المصري القديم”، متابعا: “أنا كمصرى منتمٍ للأزهر أشهد فى هذه اللحظة بأسمى آيات الفخر والاعتدال والرهبة أمام هذا الصرح العجيب”.
وأضاف: “الأهرامات ثمرة عقل عبقري مبدع، وسبق علمي فهي ليست أحجار مرصوصة، لكن وراءها علم حكم عميقة حولت الأحجار إلى إبداع”، مشيرا إلى أن الهرم الأكبر ظل البناء الأعلى على وجه الأرض على مدى ٣٢٠٠ سنة تقريبا.