“الإسلام يحث كلّ مسلم ومسلمة على طلب العلم وإعمال الفكر، الإسلام هو سبب تقدم المسلمين، ولا علاقة له بتخلفهم ،على نقيض موقف الكثير من الغربيين الذين يدعون أن المسلمين تخلفوا عن الحضارة، بسبب الإسلام”. سجلت هذه الشهادة القيمة المفكرة الألمانية البرفيسورة آنا ماري شيمل في كتابها القيم (مقدمة في تاريخ الأديان).
وهي شهادة حق ومنصفة من مفكرة ألمانية لقبت بعميدة الاستشراق الألماني لدراستها العميقة للأسلام ولأحوال المسلمين ، وحاصلة على رسالتين للدكتوراة من جامعة برلين الأولى عام 1941 بعنوان (الخليفة والقاضي في مصر في العصور الوسطى المتأخرة ) وكان عمرها 19 عاما، والثانية عام عام 1951 بعنوان (مصطلح الحب الصوفي في الإسلام) .وساعدها على الدراسة والبحث إتقانها 6 لغات : الألمانية والإنجليزية والعربية والتركية والفارسية والأوردية. وأيضا لأنها لم تكتف بالدراسات النظرية مثل غالبية المستشرقين بل عايشت المسلمين سنوات طويلة في تركيا والهند وكانت شاهدة على ميلاد دولة باكستان.
والأهم من ذلك أن دفاعها عن الاسلام والمسلمين ظل ثابتا في كل الكتب والدراسات التي ألفتها وترجمتها وبلغت حوالي 100 كتاب ومئات الدراسات وآلاف المحاضرات .ومن أشهر مؤلفاتها كتاب (وأن محمداً رسول الله ) ألذي اصدرته بالألمانية والانجليزية عام 1981 وحرصت أن تضع على غلافة اسم محمد باللغة العربية .كما ثبتت على موقفها المنصف أثناء عملها في وزارة الخارجية الألمانية وأثناء تدريسها لتاريخ الاسلام واداب اللغة العربية في جامعات المانيا وتركيا والهند وباكستان وأمريكا
وهي شهادة حق من عالمة وصفها البروفيسور ثابت عيد في دراسة له بعنوان (آنا ماري شيمل : ستون عاماً في خدمة الثقافة الاسلامية ) نشرت في جريدة الحياة عام 2001 اي قبل وفاتها بعامين ، بقوله : ” كان لديها رغبة حقيقية في إصلاح المسلمين. مَن يستمع إلى محاضرات شيمل ويقرأ كتبها يتخيل أحياناً بأنّها مبعوثة لإصلاح أحوال المسلمين في عصر الانحطاط هذا .وكثيراً ما أعلنت شيمل عن أملها في تأليف كتاب لمسلمي عصرنا توضح لهم فيه إسهامات أجدادهم في الحضارة الإنسانية، من أجل حثهم على النهوض والاستيقاظ وإصلاح أنفسهم وأحوالهم”.
وأكد ثابت في دراسته جهودها في خدمة الاسلام قائلا: ” نبعث برسالة حبّ إلى شيمل، نعبّر لها فيها عن امتناننا وشكرنا لما قامت به من جهود جبارة من أجل التفاهم بين الشعوب، ومن أجل تصحيح صورة الإسلام في الغرب، ومن أجل الدفاع عن الثقافة الإسلامية، ومن أجل تنوير الغربيين والشرقيين جميعاً بكنوز الإسلام الحضارية والفنية والثقافية”. ويقول الباحث عادل صادق أن المفكر الإسلامي عبد الحليم خفاجي وصفها في معظم كتبه بـ «مؤمنة آل فرعون “.
وحصلت شيمل ، المولودة في 7 أبريل 1922 في مدينة إرفورت بوسط ألمانيا ، بسبب جهودها العلمية ودراساتها المنصفة للاسلام والمسلمين على الكثير من الجوائز والاوسمة العالمية منها : جائزة (فردريش ركارت) الألمانية سنة 1965، وجائزة السلام الألمانية عام 1995 وقد حرص رئيس ألمانيا في ذلك الوقت رومان هرتسوغ على تسليمها لها بنفسه . وحصلت على وسام القائد الأعظم لجمهورية باكستان الإسلامية سنة 1966، ووسام الاستحقاق الألماني من الدرجة الأولى سنة 1982 .وقامت مصر بتكريمها عام 1996 بمنحها وسام الاستحقاق. وصدرعنها كتاب في القاهرة يجمع بين تجربتها وجهودها بعنوان ( أنا ماري شيمِّل: نموذج مشرق للاستشراق) قام بترجمته والتعليق عليه البروفيسور ثابت عيد، المصري الأصل المقيم في سويسرا ، وقام بالتقديم له الأستاذ الدكتور محمد عمارة. كما كرمها المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانياعام 1998 في احتفال خاص.
رحم الله المفكرة آنا ماري شيمل التي توفيت 26 يناير 2003 وكانت تردد طوال حياتها العبارة الخالدة التي أثارت غضب أعداء الإسلام : “لا تلوموني على حبي لرسول الإسلام، حبي وشغفي بالإسلام ورسوله بلا حدود حتى إن البعض يقول إنني أخفي إسلامي. وأنا أرد بمقولة لأحد الشعراء : قد أكون كافراً أو مؤمناً، فهذا شيء علمه عند الله وحده، ولكن أود أن أنذر نفسي كمحب مخلص لسيد المدينة العظيم محمد رسول الله”.
وأؤيد الرأي القائل بإعتناق شيمل للإسلام في ضوء وصيتها والتي جاء فيها :” حين أموت، أريد أن يُقرأ القرآن عند رأسي قبل أن أدخل حفرتي، ليكون آخر عهدي بالدنيا هذه الكلمات الإلهية”.