إن الإرهاب ذو مسيرة طويلة، يبدأ من الفكر، والعقل، والسلوك المتطرف التي تعتبر أدوات للإرهاب المسلح؛ ولأنها قضية ذات سياسات عامة، ومراجعات ضرورية، فإن إيقاف مصادر التحريض، الذي يبدأ من التهييج العام، وينتهي بالمشاركة في ساحات القتال، وذلك من خلال التجنيد العملي، واللوجيستي، –
وبالتالي – القدرة على صناعة بؤر تشكل بيئة خصبة لخلق الإرهاب، سيكون جزءا من خطط مكافحة الإرهاب، ومن ثم محاسبة كل من يتخذ من منبره، أو حسابه التواصلي الاجتماعي بوقا للتحريض. فنعمد إلى ملاحقتهم عبر ساحتهم الإيديولوجية – ذاتها -، وتسخير الوسائل المشروعة؛ من أجل استباق لحظة وقوع التحريض على الجريمة، ومنع توجيه النشاط الإجرامي بعد ذلك.
إن الإرهاب هو نتاج لسياسات عامة فاشلة، جعلت من الدول العربية مؤسسات بدون عقل في ظل إدارة للحكم بالجريمة بغرض الترويع من أجل التركيع، والتدبير باللقطة، حيث ينصب الاهتمام على المباني وتنسى المعاني ويبحث المسؤول عن التقاط الصور، لا عن تقديم الخدمات منتهجا منطق الإغاثة والطوارئ لا الإصلاح والبناء، فقد صارت الإنجازات خالية من مضمونها كمن يسجل نقاطا بأهداف فارغة،
واختزل معنى الوطن في الانتماء العائلي، القبلي والطائفي، كما أن المقاربة الأمنية غير كافية لمواجهة الإرهاب، إذ يستلزم الأمر إصلاحا سياسيا، تنمية اقتصادية ونهضة ثقافية تصحح المفاهيم الخاطئة من خلال منظومة تربوية قويمة وإعلام هادف لا يكون محتواه عبارة عن حشو المجال العام بأضغاث أفكار لا قيمة لها، ولا يكون وسيلة إعدام معنوي ومنصة عقوبة لمعارضي السلطة.
لمن يحسن قراءة التاريخ، فإن هؤلاء المحرضين، ومن لف لفهم، تعتبر أقلية معزولة مهما علا صوتها، – وعليه – فإن العمل على عدم تكوين حاضنة فكرية لتوجهات الإرهابيين في المجتمعات، ينطلق من مقاصد الشريعة في حفظ الأمة في دينها، وأمنها، ووحدتها، وسدا للذرائع المقضية لاستهداف المنهج الشرعي. وفي المقابل، فإن تلك الجريمة تستحق العقوبة الزاجرة الرادعة؛ عملا بنصوص الشريعة الإسلامية، ومقتضيات حفظ سلطانها؛ لأن هدفها الردع، وحماية النظام العام، والمجتمع.
أصبح الإرهاب محط اهتمام من طرف جميع دول العالم، فتوسعه وقوة تأثيره عبر منظمات عابرة للحدود، جعلت منه أبرز ظاهرة في القرن الواحد والعشرين، حيث تخطى جميع الحدود الجغرافية، ولم يعد ارتباطه مقتصرا على منطقة معينة بل ظاهرة عالمية تثير متابعة الباحثين، الكتاب والمثقفين، وتحظى كذلك بانتباه الفعاليات السياسية والدينية التي تسعى لتحليل الظاهرة ومعالجتها.
أصبح الإرهاب محط اهتمام من طرف جميع دول العالم، فتوسعه وقوة تأثيره عبر منظمات عابرة للحدود، جعلت منه أبرز ظاهرة في القرن الواحد والعشرين، حيث تخطى جميع الحدود الجغرافية، ولم يعد ارتباطه مقتصرا على منطقة معينة بل ظاهرة عالمية تثير متابعة الباحثين، الكتاب والمثقفين، وتحظى كذلك بانتباه الفعاليات السياسية والدينية التي تسعى لتحليل الظاهرة ومعالجتها.
المحرض على جرائم الإرهاب
قد يفوق المحرض في خطورة فعله الفاعل للجريمة، باعتبار أن المحرض، هو الرأس المفكر، والعقل المدبر للجريمة. ولا أبالغ إن وصفت فعلته بـ « الشرارة الأولى التي تؤدي إلى خلق الجريمة «، لكونه يشكل مكنة الإنتاج التي تفرخ الإرهابيين نحو معاول التطرف، ونحر الجيل التائه، وطعن النسيج الوطني، وإثارة الاحتراب الداخلي، وبعبارة أخرى، فإن طبيعة المحرض، تتلخص في دوره المزدوج في تجسيد الفكر الإجرامي، فهو من أوجد الفكرة الجرمية لدى المتلقي، وحمله على مقارفة الجريمة.
المحرض على جرائم الإرهاب، هو من صنع الفتوى بنوعها؛ بهدف تشجيع ارتكاب الجريمة، واستباحة الدماء، والأموال، والأعراض، وهذا يستدعي – أيضاً – تجريم المحرض بنفس درجة تجريم المنفذ، بل يجب أن تطالهما يد الحرب على الإرهاب؛ لأن الجريمة لا تقف عند مرتكبها، وإنما تتعداه نحو الأدوات المحرضة على العنف، والتطرف، وإثارة النعرات، والانقسامات الداخلية، والتأكيد على آرائهم الشاذة.
وهذا الوصف الذي بينته، هو الذي استنكره بيان هيئة كبار العلماء – الأخير – « يصدر من فتاوى، أو آراء تسوِّغ هذا الإجرام، أو تشجع عليه؛ لكونه من أخطر الأمور وأشنعها، فلا يجوز – بحال من الأحوال – تسويغ جرائم الإرهاب تحت أي ذريعة.. ويعظم خطر تلك الفتاوى إذا كان المقصود بها زعزعة الأمن، وزرع الفتن، والقلاقل؛
لأن ذلك استهداف للأغرار من الشباب، ومن لا علم عنده بحقيقة هذه الفتاوى، والتدليس عليهم بحججها الواهية، والتمويه على عقولهم بمقاصدها الباطلة
وفي ذات السياق، تسلط الأضواء على المنطقة العربية عند الحديث عن الإرهاب ويتم اتهامها ببؤرة الإرهابيين مشتل إنتاج الانتحاريين، ويعود ذلك للكم الهائل من الحروب التي مرت بها المنطقة على مر الزمن، الأمر الذي يجعل الرأي العام الغربي يتهمها بمنبع أغلب التنظيمات الإرهابية العالمية كالقاعدة وداعش اللتين قدّمتا أطروحاتهما
بناء على رغبتهما في تحرير الأراضي المحتلة ونصر الدين، خاصة في منطقة تعتمد على الدين والوطنية في تحفيز الناس وتقوية الجبهة الداخلية.
خلفية الإرهاب
وإذا تأملنا في خلفية الإرهاب، فهو ذاك العمل الذي يهدف إلى ترويع فرد أو جماعة أو دولة بغية تحقيق أهداف لا تجيزها القوانين المحلية أو الدولية. ويشير الإرهاب إلى منهج حُكم، وإما إلى طريقة عمل مباشر ترمي إلى إثارة “الرهبة”؛ أي إلى إيجاد مناخ من الخوف والرعب والهلع بين السكان، وهو بذلك عبارة عن تقنية عمل عنيفة تستعملها مجموعةٌ سرِّيةٌ ضد مدنيين بهدف الحصول على مطالب سياسية معينة.
ويصنف الإرهاب إلى إرهاب جماعي وآخر فردي؛ ويتخذ الأخير عدة أشكال: إرهاب فكري، الضغط النفسي، التسفيه، التحقير والقذف، العنف الجسدي، التكفير وهدر الدم، كما يرتكز هذا النوع من الإرهاب على الحصول على المبتغى بشكل يتعارض مع القانون أو المفاهيم الاجتماعية السائدة، وكذلك على أسباب دينية أو مذهبية.
أما الإرهاب الجماعي، فينقسم إلى منظم وغير منظم؛ فالإرهاب الجماعي غير المنظم تقوم به عصابات غير منظمة لتحقيق مآرب خاصة من خلال أعمال التخريب، النهب، السطو المسلح، العنف الجسدي والقتل الجنائي، والإرهاب الجماعي المنظم هو الإرهاب الذي تمارسه جماعات منظمة تمولها وتشرف عليها مؤسسات أو هيئات أو دول معلنة أو غير معلنة، سعياً لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو مذهبية،
ناهيك عن الإرهاب الدولي؛ فذلك الذي تمارسه دولة واحدة أو أكثر عن طريق تسخير إمكاناتها الدبلوماسية أو العسكرية لتحقيق هدف سياسي، أو الاستيلاء على مكتسبات أو ثروات غيرها من الدول، ويستعمل الإرهاب الدولي الضغط الدبلوماسي، الحصار الاقتصادي، القوة العسكرية والقتل المنظم للمدنيين.
للمرة الأولى على الإطار الاستراتيجي المشترك لمكافحة آفة الإرهاب، وذلك بالتصويت على استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب. وتهتم هذه الأخيرة، بمعالجة الأوضاع التي تساعد على انتشار الإرهاب، منع الإرهاب ومكافحته،
بناء قدرات الدول الأعضاء على منع الإرهاب ومكافحته وتعزيز دور منظومة الأمم المتحدة في هذا الصدد، وضمان احترام حقوق الإنسان للجميع وسيادة القانون، باعتبارهما الركن الأساسي لمكافحة الإرهاب.
وفي الدول الغربية، تباينت أساليب معالجة قضايا الإرهاب؛ ففي فرنسا مثلا يعرف الإرهاب على أنه خرق للقانون، يقدم عليه فرد من الأفراد، أو تنظيم جماعي بهدف إثارة اضطراب خطير في النظام العام عن طريق التهديد بالترهيب.
يلجأ القضاء الفرنسي لقانون العقوبات، والذي يحدد بعض الأفعال المجرمة، والتي يتعاطى معها بصرامة، باعتبارها جرائم إرهابية إذا اتصلت بمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام من خلال التخويف والترويع.
ويعزى الإرهاب في العالم العربي إلى مجموعة من الأسباب؛ فالحالة السياسية الرديئة التي تقصي المواطنين من المشاركة في صناعة القرار الوطني، وانعدام الثقة في المؤسسات العامة، ثم ارتهان الحركات السياسية، سواء كانت في السلطة أم المعارضة، ناهيك عن فشل المجتمع المدني في احتواء الطاقات الشبابية وتوجيهيها نحو العمل العام.
ولا يمكن فهم أواصر الإرهاب دون الغوص في التطرف، باعتباره عنصرا مركزيا في صناعة الإرهاب ومنظومة إنتاج لفكر الكراهية الممزوجة بالجهل؛ فالتطرّف هو اتخاذ الفرد موقفاً متشدّداً يتسم بالقطيعة في استجاباته للمواقف الاجتماعية التي تهمه، والموجودة في بيئته الزمنية والمكانية، واستخدم مفهوم التطرف في الإشارة إلى الخروج عن القواعد الفكرية، القيم والسلوكيات المتعارف عليها والشائعة في المجتمع، معبراً عنه بالعزلة، أو بالسلبية والانسحاب، أو تبني قيم ومعايير مختلفة،
قد يصل الدفاع عنها للجوء إلى العنف بشكل فردي أو جماعي منظم، بهدف إحداث التغيير في المجتمع وفرض الرأي بالقوة على الآخرين. وبذلك، يتحوّل التطرف في العديد من الأحيان من مجرد فكر إلى سلوك ظاهري، عمل سياسي أو ممارسة اجتماعية، يتم استعمال العنف فيها كوسيلة لتحقيق المبادئ التي يؤمن بها الفكر المتطرف، أو اللجوء إلى الإرهاب النفسي، المادي، أو الفكري ضد كل ما يقف عقبة في طريق تحقيق الأفكار المتطرفة.
وفي هذا الصدد، يرتبط التطرّف بالجمود العقائدي والانغلاق الفكري؛ فالتطرف هو أسلوب مغلق للتفكير، أحادي الرؤية، غير قادر على تقبل المعتقدات الأخرى المختلفة عليه، ولا يقبل فكرة التسامح والتعايش معها.
ويعتمد التطرّف على التعصب للجماعة التي ينتمي إليها، والتعصب هو اتجاه عقلي وحالة نفسية من الكراهية تستند إلى حكم عام جامد؛ فالتعصب بمثابة انحراف عن المعايير العقلانية مفرط في التعميم، رافض لأي تعديل، ويسعى إلى تصنيف الغير في قوالب نمطية.
في السياق نفسه، تتجلّى مظاهر التطرف في التشدد والغلو في الرأي مع عدم القدرة على إجراء حوار ونقاش متبادل يعتمد على الحجج والبراهين العلمية والفكرية، والعمل على محاسبة الناس دون قبول العكس، سوء الظن في الآخرين ووضعهم في قفص الاتهام والإدانة،
وكذلك العزلة عن المجتمع، ازدراء الآخر، إطلاق الأحكام عليه، تعنيفه وتجريده من حقوقه وخاصة حقه في الحياة. ويتخذ التطرف مظاهر عديدة؛ أهمها التطرف الفكري الذي يخص الخروج عن الأطر الفكرية والثقافية السائدة في المجتمع، وكذلك التطرف الديني الذي يعتبر أكثر أنواع التطرف انتشاراً من خلال التشدد في السلوك الديني فكراً وعملاً.
وخلال العقود الأخيرة، أصبح العالم العربي منتِجاً للتطرف بكل أنواعه، خصوصاً الديني. وبعيداً عن مسألة تأويل الدين، أو هناك بالفعل في داخل الدين أشياء تدفع بعض معتنقيه إلى تبني اتجاهات متشددة يوفرها النص،
الأمر الذي يستلزم إصلاح الشأن الديني وتجديد الخطاب، وضرورة فتح أبواب الاجتهاد والمعرفة الأصيلة بمقاصد الشريعة، والاعتراف بالمنظور التاريخي للتشريع، وتطويره ليتلاءم مع مقتضيات العصر وإحياء جهود المجدّدين من أعلام مفكري الإسلام، والتوافق مع مواثيق حقوق الإنسان. إلى جانب ذلك، لا بد من العمل على استكمال ثقافة علماء الدين بالمعارف المحدثة والفكر التنويري وإقامة تفسيرات حديثة تخص أوضاع الحريات، ومسألة الجهاد، والتكفير والردة وقضية المرأة في المجتمع.
وبالإضافة إلى ما سبق، ساهمت الأعطاب الاقتصادية في تزايد الاحتقان الاجتماعي، فاستفحال البطالة والفقر، وتدني مستوى العيش وجودة الحياة، حيث عمت الرداءة القطاعات الأساسية كالتعليم، الصحة، العدل، البنية التحتية والخدمات المدنية، مما يكرس ثقافة الجريمة والكراهية. فقد حول الريع الاقتصادي دور الدولة من دولة إنتاجية إلى دولة تحصيصيه، اندثرت فيها قيم العمل، والاجتهاد، والابتكار والاستحقاقية، واتسمت بتضخم بيروقراطي مفرط واستفحال الفساد الإداري والمالي وغياب للعدالة الاجتماعية، فتفشي الظلم، الإهمال وسوء توزيع الثروات يأسس للحرمان وتلاشي التماسك الاجتماعي.
معنى الإرهاب
إذا تأملنا في خلفية الإرهاب، فهو ذاك العمل الذي يهدف إلى ترويع فرد أو جماعة أو دولة بغية تحقيق أهداف لا تجيزها القوانين المحلية أو الدولية. ويشير الإرهاب إلى منهج حُكم، وإما إلى طريقة عمل مباشر ترمي إلى إثارة “الرهبة”؛ أي إلى إيجاد مناخ من الخوف والرعب والهلع بين السكان، وهو بذلك عبارة عن تقنية عمل عنيفة تستعملها مجموعةٌ سرِّيةٌ ضد مدنيين بهدف الحصول على مطالب سياسية معينة. ويصنف الإرهاب إلى إرهاب جماعي وآخر فردي؛
ويتخذ الأخير عدة أشكال: إرهاب فكري، الضغط النفسي، التسفيه، التحقير والقذف، العنف الجسدي، التكفير وهدر الدم، كما يرتكز هذا النوع من الإرهاب على الحصول على المبتغى بشكل يتعارض مع القانون أو المفاهيم الاجتماعية السائدة، وكذلك على أسباب دينية أو مذهبية. أما الإرهاب الجماعي، فينقسم إلى منظم وغير منظم؛ فالإرهاب الجماعي غير المنظم تقوم به عصابات غير منظمة لتحقيق مآرب خاصة من خلال أعمال التخريب، النهب، السطو المسلح، العنف الجسدي والقتل الجنائي،
الإرهاب الجماعي
والإرهاب الجماعي المنظم هو الإرهاب الذي تمارسه جماعات منظمة تمولها وتشرف عليها مؤسسات أو هيئات أو دول معلنة أو غير معلنة، سعياً لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو مذهبية، ناهيك عن الإرهاب الدولي؛ فذلك الذي تمارسه دولة واحدة أو أكثر عن طريق تسخير إمكاناتها الدبلوماسية أو العسكرية لتحقيق هدف سياسي، أو الاستيلاء على مكتسبات أو ثروات غيرها من الدول، ويستعمل الإرهاب الدولي الضغط الدبلوماسي، الحصار الاقتصادي، القوة العسكرية والقتل المنظم للمدنيين.
قانونيا، فعلى الرغم من أن موضوع مكافحة الإرهاب مدرجٌ في جدول أعمال منظومة الأمم المتحدة منذ عقود من الزمن، إلا أن التحرك الكبير نحو هذا الموضوع جاء بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 من خلال إصدار القرار 1373،
الذي أنشأ للمرة الأولى لجنة مكافحة الإرهاب. وفيما بعد ذلك، تمت الموافقة من طرف جميع الدول الأعضاء في الجمعية العامة للمرة الأولى على الإطار الاستراتيجي المشترك لمكافحة آفة الإرهاب، وذلك بالتصويت على استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب.
وتهتم هذه الأخيرة، بمعالجة الأوضاع التي تساعد على انتشار الإرهاب، منع الإرهاب ومكافحته، بناء قدرات الدول الأعضاء على منع الإرهاب ومكافحته وتعزيز دور منظومة الأمم المتحدة في هذا الصدد، وضمان احترام حقوق الإنسان للجميع وسيادة القانون، باعتبارهما الركن الأساسي لمكافحة الإرهاب.
معالجة قضايا الإرهاب
في الدول الغربية، تباينت أساليب معالجة قضايا الإرهاب؛ ففي فرنسا مثلا يعرف الإرهاب على أنه خرق للقانون، يقدم عليه فرد من الأفراد، أو تنظيم جماعي بهدف إثارة اضطراب خطير في النظام العام عن طريق التهديد بالترهيب.
يلجأ القضاء الفرنسي لقانون العقوبات، والذي يحدد بعض الأفعال المجرمة، والتي يتعاطى معها بصرامة، باعتبارها جرائم إرهابية إذا اتصلت بمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام من خلال التخويف والترويع.
على الجانب الآخر، يعرف المشرع الأمريكي الإرهاب على أنه خرق للقانون، يقدم عليه فرد من الأفراد، أو تنظيم جماعي بهدف إثارة اضطراب خطير في النظام العام عن طريق التهديد بالترهيب. فهو ذاك السلوك الجنائي العنيف الذي يقصد به بوضوح التأثير على سلوك حكومة ما عن طريق الاغتيال أو الخطف،
بينما عرفه مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنه عمل عنيف أو عمل يشكل خطراً على الحياة الإنسانية، وينتهك حرمة القوانين الجنائية في أية دولة، غير أن المشرع الأمريكي لم يتعامل مع الإرهاب، باعتباره جريمة مستقلة حتى صدور قانون عام 1996 ثم توالت القوانين بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وخاصة فيما يتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية سباقة في إصدار مجموعة من القوانين المتعلقة بالإرهاب، منها قانون مكافحة اختطاف الطائرات عام 1971.
كما سن الكونغرس عقوبات تفرض على البلدان التي تعاون الإرهابيين أو تحرضهم أو تمنحهم ملاذاً في عام 1976.
دوافع الإرهاب عربياً
يعزى الإرهاب في العالم العربي إلى مجموعة من الأسباب؛ فالحالة السياسية الرديئة التي تقصي المواطنين من المشاركة في صناعة القرار الوطني، وانعدام الثقة في المؤسسات العامة، ثم ارتهان الحركات السياسية، سواء كانت في السلطة أم المعارضة، ناهيك عن فشل المجتمع المدني في احتواء الطاقات الشبابية وتوجيهيها نحو العمل العام.
تم إبرام الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب سنة 1998، والتي تنص على أن الإرهاب هو كل فعل من أفعال العنف، أو التهديد به أياً كانت بواعثه، أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، وبهدف إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر.
واعتبرت الاتفاقية أن الجريمة الإرهابية هي الجريمة أو الشروع فيها التي ترتكب لغرض إرهابي في أي من الدول المتعاقدة، أو على رعاياها، أو ممتلكاتها أو مصالحها، وعلى أن تعد من الجرائم الإرهابية الجرائم المنصوص عليها في المعاهدات الدولية عدا ما استثنته منها تشريعات الدول المتعاقدة، أو التي لم تصادق عليها.
لا يمكن فهم أواصر الإرهاب دون الغوص في التطرف، باعتباره عنصرا مركزيا في صناعة الإرهاب ومنظومة إنتاج لفكر الكراهية الممزوجة بالجهل؛ فالتطرّف هو اتخاذ الفرد موقفاً متشدّداً يتسم بالقطيعة في استجاباته للمواقف الاجتماعية التي تهمه، والموجودة في بيئته الزمنية والمكانية،
مفهوم التطرف
واستخدم مفهوم التطرف في الإشارة إلى الخروج عن القواعد الفكرية، القيم والسلوكيات المتعارف عليها والشائعة في المجتمع، معبراً عنه بالعزلة، أو بالسلبية والانسحاب، أو تبني قيم ومعايير مختلفة، قد يصل الدفاع عنها للجوء إلى العنف بشكل فردي أو جماعي منظم، بهدف إحداث التغيير في المجتمع وفرض الرأي بالقوة على الآخرين.
وبذلك، يتحوّل التطرف في العديد من الأحيان من مجرد فكر إلى سلوك ظاهري، عمل سياسي أو ممارسة اجتماعية، يتم استعمال العنف فيها كوسيلة لتحقيق المبادئ التي يؤمن بها الفكر المتطرف، أو اللجوء إلى الإرهاب النفسي، المادي، أو الفكري ضد كل ما يقف عقبة في طريق تحقيق الأفكار المتطرفة.
يرتبط التطرّف بالجمود العقائدي والانغلاق الفكري؛ فالتطرف هو أسلوب مغلق للتفكير، أحادي الرؤية، غير قادر على تقبل المعتقدات الأخرى المختلفة عليه، ولا يقبل فكرة التسامح والتعايش معها. ويعتمد التطرّف على التعصب للجماعة التي ينتمي إليها، والتعصب هو اتجاه عقلي وحالة نفسية من الكراهية تستند إلى حكم عام جامد؛ فالتعصب بمثابة انحراف عن المعايير العقلانية مفرط في التعميم، رافض لأي تعديل، ويسعى إلى تصنيف الغير في قوالب نمطية.
في السياق نفسه، تتجلّى مظاهر التطرف في التشدد والغلو في الرأي مع عدم القدرة على إجراء حوار ونقاش متبادل يعتمد على الحجج والبراهين العلمية والفكرية، والعمل على محاسبة الناس دون قبول العكس، سوء الظن في الآخرين ووضعهم في قفص الاتهام والإدانة،
وكذلك العزلة عن المجتمع، ازدراء الآخر، إطلاق الأحكام عليه، تعنيفه وتجريده من حقوقه وخاصة حقه في الحياة. ويتخذ التطرف مظاهر عديدة؛ أهمها التطرف الفكري الذي يخص الخروج عن الأطر الفكرية والثقافية السائدة في المجتمع، وكذلك التطرف الديني الذي يعتبر أكثر أنواع التطرف انتشاراً من خلال التشدد في السلوك الديني فكراً وعملاً.
خلال العقود الأخيرة، أصبح العالم العربي منتِجاً للتطرف بكل أنواعه، خصوصاً الديني. وبعيداً عن مسألة تأويل الدين، أو هناك بالفعل في داخل الدين أشياء تدفع بعض معتنقيه إلى تبني اتجاهات متشددة يوفرها النص،
الأمر الذي يستلزم إصلاح الشأن الديني وتجديد الخطاب، وضرورة فتح أبواب الاجتهاد والمعرفة الأصيلة بمقاصد الشريعة، والاعتراف بالمنظور التاريخي للتشريع، وتطويره ليتلاءم مع مقتضيات العصر وإحياء جهود المجدّدين من أعلام مفكري الإسلام، والتوافق مع مواثيق حقوق الإنسان.
إلى جانب ذلك، لا بد من العمل على استكمال ثقافة علماء الدين بالمعارف المحدثة والفكر التنويري وإقامة تفسيرات حديثة تخص أوضاع الحريات، ومسألة الجهاد، والتكفير والردة وقضية المرأة في المجتمع.
بالإضافة إلى ما سبق، ساهمت الأعطاب الاقتصادية في تزايد الاحتقان الاجتماعي، فاستفحال البطالة والفقر، وتدني مستوى العيش وجودة الحياة، حيث عمت الرداءة القطاعات الأساسية كالتعليم، الصحة، العدل، البنية التحتية والخدمات المدنية،
مما يكرس ثقافة الجريمة والكراهية. فقد حول الريع الاقتصادي دور الدولة من دولة إنتاجية إلى دولة تحصيصية، اندثرت فيها قيم العمل، والاجتهاد، والابتكار والاستحقاقية، واتسمت بتضخم بيروقراطي مفرط واستفحال الفساد الإداري والمالي وغياب للعدالة الاجتماعية، فتفشي الظلم، الإهمال وسوء توزيع الثروات يأسس للحرمان وتلاشي التماسك الاجتماعي.
سوء إدارة
إن الإرهاب هو نتاج لسياسات عامة فاشلة، جعلت من الدول العربية مؤسسات بدون عقل في ظل إدارة للحكم بالجريمة بغرض الترويع من أجل التركيع، والتدبير باللقطة، حيث ينصب الاهتمام على المباني وتنسى المعاني ويبحث المسؤول عن التقاط الصور، لا عن تقديم الخدمات منتهجا منطق الإغاثة والطوارئ لا الإصلاح والبناء، فقد صارت الإنجازات خالية من مضمونها كمن يسجل نقاطا بأهداف فارغة،
واختزل معنى الوطن في الانتماء العائلي، القبلي والطائفي، كما أن المقاربة الأمنية غير كافية لمواجهة الإرهاب، إذ يستلزم الأمر إصلاحا سياسيا، تنمية اقتصادية ونهضة ثقافية تصحح المفاهيم الخاطئة من خلال منظومة تربوية قويمة وإعلام هادف لا يكون محتواه عبارة عن حشو المجال العام بأضغاث أفكار لا قيمة لها، ولا يكون وسيلة إعدام معنوي ومنصة عقوبة لمعارضي السلطة.
حرية الأفراد
أن حرية الأفراد هي بلا جدال أساس الحريات جميعا وهي الهدف الأسمى الذي تستهدفه كل حكومة عادلة لأننا بقدر ما نملك من حرية تتحدد قدراتنا على اشباع حاجياتنا وبمعنى آخر بقدر ما نمتلك حرية تتحدد قدراتنا في استخدام قوانا و أوقاتنا ووسائلنا في الوصول إلى ما يعود علينا من نفع وإن كانت المصلحة الحقيقية للمجتمع تتمثل في توفير أكبر نصيب من الحرية لكل فرد على حدا فإن ذلك لا يمنع المجتمع من تقييد حريات الأفراد في حدود معينة وخارج هذه الحدود يكون أي مساس بحريات الإفراد اعتداء يستحق المسائلة سواء في ذلك أن يكون المساس من سلطات الدولة أو من فرد أخر أو من مجموعة من الأفراد.
فالحرية هي أتمن ما في الحياة فحاجة الإنسان للحرية لا تقل عن حاجة الجسد للروح فإذا كان الجسد يفقد كيانه بإزهاق الروح فالإنسان يفقد وجوده وكيانه بفقدانه للحرية.
فالحرية هي ذلك الحق لا بفقده الإنسان بمرور الزمن أي بالتقادم، وهي تخول لكل إنسان أن يعمل أو يمتنع عن العمل وفقا لإرادته هو لا لإرادة الغير، وأن يمارس كغايته في منح ما يراه ناقصا أو ممتعا له، في الحدود التي ترسمها الهيئة الاجتماعية لمصلحة سائر أفرادها وأن يفكر ويعلن تفكيره وإن يستمتع بكامل مال لا يحرمه القانون.
تصنيف جرائم التخريب
إن مناط تصنيف جرائم التخريب أو التعييب أو الإتلاف ضمن الجرائم الإرهابية متى تحققت الشروط الموضوعية لهذا التصنيف-أنما يوازي في حقيقة الأمر درجة خطورة هذا النوع من الجرائم الذي يستهدف الضرب العشوائي للمرافق الحساسة التي يؤمها عموم الأفراد ويكون القصد منها إتلاف لبنى التحتية وتدمير المرافق العمومية والممتلكات العامة بشكل يشيع الرعب والفزع بين صفوف العامة، أما على المستوى القانوني
فقد عرفت المادة 3 من الاتفاقية المقررة من قبل عصبة الأمم المتحدة المؤرخة في 16 نونبر 1937 جرائم التخريب بالقول ” … كل الأفعال المقترفة عن قصد لغاية تدمير وإتلاف الممتلكات العامة أو المتعلقة بالمنفعة ووسائل المواصلات أو استعمال السم أو المكروب أو المواد المتفجرة أو المحرقة، وكذلك صناعة أو شراء أو حيازة أو توزيع أي من هذه المواد” قسمت محكمة النقض المصرية السلاح إلى نوعين :” أسلحة بطبيعتها وهي المعدة للقتل ويدل حملها لذاتها على أن هذا هو المقصود منها، كالبنادق والحراب والسيوف والملاكم الحديدية وغيرها مما هو معاقب عليها إحرازه …
وأسلحة يمكن أن تحدث الوفاة ولكنها معدة لأغراض بريئة ولا يدل حملها بذاتها على أن المقصود منها الاعتداء على الأنفس كالسكاكين العادية والفؤوس … مما يستخدم في الشؤون المنزلية والصناعية وغيرها ”.
كان لإدخال المعلومات في العديد من القطاعات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية، وتنوع أشكال القرصنة والاستعمال والاستغلال غير المشروعين لبرامج الحاسوب ومعطياته وقع في تعالي العديد من الأصوات المنادية بضرورة وضع إطار قانوني للمعلومات للحد من مخاطر الاستعمال الغير القانوني للمعلومات.
ذلك أن المعلومات غيرت بشكل كبير العديد من المفاهيم القانونية خاصة في مجال القانوني نظرا لظهور قيم حديثة ذات طبيعة خاصة مجملها معلومات ومعطيات فقد أصبحت جريمة إنشاء معلومات برامج الحاسوب والاعتداء عليها بالقرصنة أو الاستغلال غير المشروع من أخطر أنواع الجرائم التي أوجدتها المعلومات، حيث ان التطور المهول لظاهرة الجريمة جعلها يبحث في إحداث التقنيات والاختراعات العلمية لتسخيرها لخدمة الجريمة، ولا شك أن نظم المعالجة الآلية للمعطيات تأتي على رأس هذه التقنيات.
يتلخص العنصر في وقوع جريمة من الجرائم الإرهابية من طرف شخص وبالتحديد الجرائم التي يمكن أن يتحصل منها أشياء كجريمة السرقة وانتزاع الأموال والجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات وجرائم صنع الأسلحة او المتفجرات أو الذخيرة ثم يقوم شخص آخر بإخفاء ما تم تحصيله من هذه الجرائم أي الأشياء المسروقة في جرائم السرقة والأموال المنتزعة في جرائم انتزاع الأموال والبرامج المعلوماتية المنجزة خلافا لأحكام القانون، والأسلحة والمتفجرات والذخيرة المصنوعة خلافا لأحكام القانون.
ومما سبق يتبين ان هناك جريمتين الأولى أصل والثانية فرع وهذه الأخيرة في قيامها تابعة للأولى وجود أو عدما. والظرف المتمثل في أن الشيء الموجود تحت اليد تم الحصول عليه من جريمة إرهابية. والفعل المادي هو وضع اليد لا يقتضي حتما أن يكون محاطا بالسرية كما انه لا يلزم أن يكون قد قضى تحت يد الفاعل مدة معينة فيكفي أن يكون قد تلقى الشيء ثم سلمت لغيره بعد ذلك.
ويجب أن يكون قد وقع الحصول على الشيء اما من جناية او من جنحة إرهابية ويمكن أن يكون الشيء قد اختفى لكنه عوض بقيمة من المال.
جريمة الإخفاء
والملاحظ أن جريمة الإخفاء تكون مرتكبة حتى لو ان الشيء الذي ثم إخفاؤه لم يعد هو بالذات الشيء الذي وقعت سرقته وليس مهما أن يكون الفاعل قد حصل على نقود من بيع شيء مسروق أو اشترى بالنقود المسروقة أي شيء كان
ويجب أن تبين محكمة الموضوع (محكمة الاستئناف بالرباط) أصل الشيء الموجود في حوزته لكي يتبين بذلك سوء نيته.
وفي جريمة إخفاء شيء متحصل من جريمة إرهابية لا أهمية للوقت علم فيه الفاعل بأصل الشيء أي بأن الحصول عليه كان من جراء جناية أو جنحة إرهابية سواء كان هذا الوقت في أول فترة الإخفاء أو أثناءه.
وأخيرا فإن مخفي الشيء يعاقب حتى ولو لم تقع متابعة مرتكب الجريمة الأصلية أو كان مجهولا أو كان مستفيدا مثلا من إحدى حالات الإعفاء من العقاب المنصوص عليها في الفصل 534 من القانون الجنائي.
إزاء تصاعد أعمال الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره في أنحاء العالم كافة، اكدت رسميا الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إدانتها القاطعة لجميع أعمال الإرهاب وأساليبه وممارساته على اعتبار أنها أعمال إجرامية لا يمكن تبريرها،
أينما ارتكبت وأيا كان مرتكبوها فأصدرت الجمعية العامة قرارا بالغ الأهمية تطلب فيه من جميع الدول اتخاذ خطوات بالوسائل الداخلية الملائمة لمنع تمويل الإرهابيين والمنظمات الإرهابية والحيلولة دون تحقيق هذا التمويل، سواء كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق منظمات ذات أهداف خيرية او اجتماعية او ثقافية او تدعي ذلك أو تعمل أيضا في أنشطة غير مشروعة مثل الاتجار غير المشروع بالأسلحة والمخدرات وابتزاز الأموال
بما في ذلك استغلال الأشخاص لأغراض تمويل الأنشطة الإرهابية لذا اقتضت الضرورة اعتماد تدابير تنظيمية لمنع تحركات الأموال المشبه في أنها لأغراض إرهابية، والتصدي لهذه الحركات،
انتقال رؤوس الأموال المشروعة
دون وضع عقاب أمام الحق في حرية انتقال رؤوس الأموال المشروعة وفي توسيع نطاق تبادل المعلومات المتعلقة بالتحركات الدولية لهذه الاموال وللتصدي لظاهرة الإرهاب أصبح الاقتناع راسخا على بلورة كل هذه الأفكار في اتفاقية دولية وهو ما تحقق من خلال الاتفاقية لقمع تمويل إرهاب الموقعة في نيويورك في 1/01/2000 والتي نصت في المادة 3 على أن تتخذ كل دولة طرق التدابير اللازمة من أجل اعتبار الأفعال المتعلقة بتمويل الإرهاب والمنصوص عليها في المادة 2 من الاتفاقية جرائم جنائية بموجب قانونها الداخلي والمعاقبة عليها بعقوبات مناسبة تراعي خطورتها على النحو الواجب
كما فرضت المادة 5 من الاتفاقية على كل دولة طرف اتخاذ التدابير اللازمة وفقا لمبادئها القانونية الداخلية للتمكين من أن يتحمل كل كيان اعتباري موجود في اقليمها أو منظم في إطار قوانينها المسؤولية إذا قام شخص مسؤول عن إدارة او تسيير هذا الكيان بصفته هذه بارتكاب جريمة منصوص عليها في المادة2
وقد تكون هذه المسؤولية أما مدنية او جنائية أو إدارية. فمفهوم الأموال في قانون مكافحة الإرهاب والذي يوظف في تمويل العمليات الإرهابية قد يكون أموالا لا نقدية او قيما او ممتلكات ، في حين يقصد بتعبير الأموال في الاتفاقية أي نوع من الأموال المادية او غير المادية المنقولة او غير المنقولة التي يحصل عليها بأية وسيلة كانت والوثائق والصكوك القانونية أيا كان شكلها بما في ذلك الشكل الالكتروني أو الرقمي واليت تدل على ملكية الأموال أو مصلحة فيها بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر الائتمانيات المصرفية وشيكات السفر والشيكات المصرفية والحوالات والأسهم والأوراق المالية والسندات والكمبيالات وخطابات الاعتماد .
تعتبر جرائم غسيل الأموال أخطر جرائم عصر الاقتصاد الرقمي، أنها التحدي الحقيقي أمام المؤسسات المال والأعمال، وهي أيضا امتحان لقدرة القواعد القانونية على تحقيق فعالية مواجهة الأنشطة الجرمية ومكافحة أنماطها المستجدة وغسيل الأموال جريمة ذوي الياقات البيضاء تماما كغيرها من الجرائم الاقتصادية التي ترتكب من محترفي الإجرام الذين لا تتواءم سماتهم مع السمات الجرمية التي حددتها نظريات علم الإجرام والعقاب التقليدية.
وغسيل الأموال أيضا جريمة لاحقة لأنشطة جرمية حققت عوائد مالية غير مشروعة فكان لزاما إشباع المشروعية على العائدات الجرمية او ما يعرف بالأموال القذرة ليتاح استخدامها بيسر وسهولة ولهذا تعد جريمة غسيل الأموال مخرجا لمأزق المجرمين المتمثل بصعوبة التعامل مع متحصلات جرائمهم خاصة تلك التي تدر أموالا باهظة، كتجارة المخدرات وتهريب الأسلحة والرقيق وأنشطة الفساد المالي ومتحصلات الاختلاس وغيرها.
يمكن استغلال أي جريمة تعود بالأرباح لتمويل الإرهاب، وهذا يعني أن البلدان قد تواجه مخاطر تمويل الجماعات الإرهابية وإن كان خطر وقوع اعتداء إرهابي فيها ضئيلاً. ومن مصادر تمويل الجماعات الإرهابية نذكر مثلاً لا حصراً الأفعال الاحتيالية الصغيرة والاختطاف طلباً للفدية واستغلال المنظمات غير الربحية والاتجار غير المشروع بالسلع (كالنفط والفحم والماس والذهب وأقراص “الكابتاغون” المخدّرة) والعملات الرقمية. ومن خلال تقويض حركة أموال الجماعات الإرهابية وتكوين فهم عن تمويل اعتداءات سابقة، نستطيع أن نساعد في منع وقوع اعتداءات أخرى في المستقبل.
وتجدر الإشارة هنا أن النهب العام بخصوص جرائم غسيل الأموال ارتبط بجرائم المخدرات بل إن جهود المكافحة الدولية لغسيل الأموال جاءت ضمن جهود مكافحة المخدرات ولهذا موضوع النص دوليا على قواعد وأحكام غسيل الاموال جاء ضمن اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة المخدرات ومبرر ذلك أن أنشطة المخدرات هي التي أوجدت الوعاء الأكبر للأموال القذرة بفعل متحصلات عوائدها العالية،
غير ان هذه الحقيقة أخذة في التغيير إذ تشير الدراسات التحليلية إلى أن أنشطة الفساد المالي والوظيفي خاصة في الدول النامية من قبل المتحكمين بمصائر الشعوب أدت إلى خلق ثروات باهظة غير مشروعة تحتاج لتكون محلا لغسيل الأموال كي يتمكن أصحابها من التنعم بها، وكذلك أظهر التطور الحديث لجرائم التقنية العالية (جرائم الكمبيوتر والأنترنيت)
إن عائدات هذه الجرائم من الضخامة بمكان تتطلب أنشطة غسيل الأموال خاصة أو مقترفيها في الغالب ليس لديهم منافذ الإنفاق الموجودة لدى عصابات المخدرات وذات القول يرد بخصوص أنشطة الإرهاب وتجارة الأسلحة وتجارة الرقيق والقمار
وخاصة مع شيوع استخدام الأنترنيت اليت سهلت إدارة شبكات عالمية للأنشطة الإباحية وأنشطة القمار غير الشرعية وغسيل الأموال نشاط إجرامي تعاوني تتلاقى فيه الجهود الشريرة لخبراء المال والمصارف وخبراء التقنية – في حالات- غسيل الأموال بالطرق الإلكترونية – وجهود اقتصادي الاستثمار المالي إلى جانب جهود غير الخبراء من المجرمين ولهذا تطلبت مثل هذه الجرائم دراية ومعرفة لمرتكبيها ولهذا أيضا تطلبت عملا تعاونا يتجاوز الحدود الجغرافية مما جعلها جريمة منظمة تفترفها منظمات إجرامية متخصصة وجريمة عابرة للحدود ذات سمات عالية ومن هنا أيضا ليس بالسهل مكافحتها دون جهد دولي وتعاون شامل يحقق فعالية أنشطة المكافحة. نحلل استخدام الإرهابيين لشبكات التواصل الاجتماعي، وذلك من أجل تعزيز جهود الكشف عن هذه الأنشطة في إطار التحقيقات الوطنية المتصلة بمكافحة الإرهاب.
التهميش الثقافي
استفاد الإرهاب من التهميش الثقافي ومن ضعف مؤسّسات التنشئة التربويّة والاجتماعيّة ومن تراجع دور الشخصيّة الرمزية كالأب والأستاذ والمسؤول والمثقّف والإمام في تأمين التوازن الروحيّ والوجدانيّ للأجيال الجديدة، كما استفاد أيضا من التطرّف المضادّ للدّين المستهين بالمقدّسات والمستهدف لمقومات الهوية.
إنّ ما حصل من اضعاف للحقل الديني في وجه الأشكال الوافدة من التدين خلق حالة هجينة من التصحّر والجهل بالدّين خاصّة في صفوف الشباب.
فالمنتمون إلى الظاهرة في معظمهم لم يتشرّبوا التديّن بشكل طبيعيّ، بل اكتشفوه انبهارا من خلال الخطاب السلفيّ الجهاديّ الوافد.
لذلك فإنّ من أوكد المهام اليوم تأهيلُ الفضاء الدينيّ الوسطيّ بكلّ مكوّناته ليصبح قادرا على تأطير الشباب ومجابهة الغلوّ وإرساءُ حراك ثقافي وفكريّ ودعويّ مستمر للمواجهة الفكريّة مع الإرهاب وتبيين انحرافه عقلا وشرعا.
وتفعيلُ دور المنظومة التربوية في نبذ التطرف والعنف وتكريس ثقافة الاعتدال وتنمية الأخلاق العامة والحس الوطني واتّباعُ سياسة إعلامية مضادّة مكثّفة تستثمر في المجال الافتراضي وتتصدّى للإرهاب.
الهجرة غير الشرعية
محاربة الهجرة غير الشرعية تستلزم تطوير الخطط الأمنية المعتمدة في اتجاه تعزيز الجهود الدولية في هذا المجال. وخاصة بالتعاون مع الشركاء الأوروبيين والمنظمات الدولية من أجل ضمان معالجة أفضل لتدفق المهاجرين غير الشرعيين، مع ضرورة أخذ البعد الإنساني بعين الاعتبار في معالجة ملف الهجرة وعلى تشجيع حرية التنقل والهجرة الشرعية لما في ذلك من أثر حضاري وتنموي على الصعيدين الإقليمي والدولي.
الحيلولة دون تنامي ظاهرة الاتجار بالمخدرات بكل أنواعها وما يترتب عنها من أخطار محدقة على أمن وسلامة وصحة المواطن واقتصاد البلد يصير من الضروري وضع استراتيجية فعالة لمكافحة شبكات الاتجار بالمخدرات لما لها من ارتباط وثيق بأنشطة العصابات الإجرامية ولا سيما الإرهابية منها.
وفي هذا الإطار يحتاج الأمر تكثيف تبادل الخبرات والمعلومات والتقنيات الحديثة بين بلدان الجوار ومع أوروبا لمقاومة هذا النوع من الإجرام.
فمحاربة الإرهاب تحتاج من الجميع أن يوضح موقفه بجلاء ووضع كل الخلافات جانبا وتجاوز المناكفات التي لا تزيد إلا من إضعاف الصف الداخلي والمس بمعنويات جنودنا وأمنينا.
توحيد الجهود بين دول المنطقة وتكثيف التعاون بين الأجهزة الأمنية من خلال تبادل المعلومات والخبرات وتبني نفس المقاربة في مواجهة هذه الظاهرة وإحباط أساليب التنظيمات الإرهابية
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان