تقرير كتبه: أحمد تركي
في واحدة من أبرز الأمسيات الثقافية ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الـ25 والتي كان لي شرف الحضور فيها من خلال الدعوة التي وجهتها لي وزارة الإعلام العُمانية لحضور فعاليات هذه الدورة، جاءت الجلسة الحوارية “السلام في فكر السلطان الراحل قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه –” حاضر فيها يوسف بن علوي بن عبد الله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، وأدارها بمنهيته العالية وحسه الإعلامي الراقي وكيل وزارة الإعلام، الأستاذ على الجابري.
حضر الأمسية لفيف من كبار المسئولين العُمانيين من كل المؤسسات والجامعات العُمانية، وفي مقدمتهم الدكتور عبد المنعم بن منصور الحسني وزير الإعلام التي كان لي شرف حضور افتتاح فعاليات المعرض ضمن نخبة من المثقفين من مختلف الدول العربية والأجنبية.
ثقافة السلام في سلطنة عُمان هي مدرسة خاصة تحتاج إلى التأمل والتدبر لمعرفة كل أبعادها، والسلام اسم من أسماء الله الحسنى والكبرى وأيقنت عُمان منذ نشأتها، أن رسالة السلام هي رسالة الله إلى العالمين.
هذه هي الفكرة الأساسية التي يمكن الخروج بها من خلال حضوري هذه الأمسية العُمانية الرائعة والتي تضمنت الكثير من الإشادات عن العلاقات العُمانية المصرية المتميزة كما جاءت على لسان يوسف بن علوي، وكم كنت فخوراً باعتباري مصري يشهد شهادات حية للوزير بن علوي في محفل عُماني عربي ودولي يتحدث باستفاضة عن تميز العلاقات بين مصر وعُمان منذ السنوات الأولى لحكم السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه.
لقد أشار ابن علوي إلى أن السلطان قابوس كان أمة وحكم أمة، وأنه هدية المولى عز وجل لأهل عُمان، فخلال عهده انتقلت السلطنة إلى مصاف التقدم عبر رحلة من العمل والإخلاص والتفاني التي شارك فيها الجميع لأجل نهضة عُمان، وكانت مسألة السلام وترسيخه سواء السلم الداخلي أو السلام الخارجي مع دول العالم، من المرتكزات المحورية في فكر السلطان الراحل.
وقد أكد السلطان هيثم بن طارق، على أن القائد الراحل كان رجل الحكمة والسلام، وأن عمان سائرة على عهده، كما أن العالم كله يؤكد على أن ما تأسس لعُمان في خمسة عقود إرث عظيم أصبح مضرب الأمثال في الهيئات الأممية ولدى الشعوب كافة، ما يعني أن هناك منهج تأسس في هذا الإطار يشار إليه بالبنان ويعرفه الداني والقاصي.
التأكيد على قيم السلام العُمانية، يقود إلى تأمل التاريخ العماني منذ القدم وإلى اللحظة المعاصرة، وأن ما تحقق ويتحقق اليوم له جذوره البعيدة في تربة الأمس، فسيرة الشعوب والأمم هي خط متصل وما تجنيه اليوم تكون قد زرعته في الأمس، وهكذا تصبح صيرورة الكفاح والعمل لأجل المستقبل المشرق، باستلهام التجارب التاريخية الثرية وتطويعها عبر التواصل الحضاري والإنساني مع الزمن الحديث.
إن مفهوم السلام وقصته المشبعة بالمعاني تتطلب المزيد من المحاضرات والكتب التي تروي للأجيال المتعاقبة عن تجربة عظيمة تستحق تأملها بكل عمق، ولعل مثل هذه الندوات تقدم مفاتيح للقراءة وبسط المفاهيم التي يمكن الانطلاق منها للمزيد من القراءات واستبصار التجارب عبر التاريخ العماني القديم والحديث، وتقاطعات ذلك التاريخ مع التجربة الإنسانية بشكل عام.
لقد نسج السلطان قابوس -رحمه الله- رواية عظيمة عن السلام العماني، تأتي وتتعاظم ثمارها باستمرار، والآن مع عهد السلطان هيثم بن طارق، نحن ماضون على الطريق والعهد إلى المزيد من الإنجازات على أرض الواقع إلى أن تصبح صورة عمان أكثر بهاء وإشراقا على المحيط الدولي والإنساني.
لا شك أن معرض مسقط الدولي للكتاب بات عُرساً ثقافياً يتجدد باستمرار لينهل منه المُتعطشين إلى الفكر والثقافة والأدب والفن، وسط مناخ من حرية الرأي والفكر المستنير.
تأتي هذه الدورة لتؤكد على التواصل الثقافي العُماني، وعلى أهمية القراءة والكتاب المداد الطبيعي للعلم والمعرفة والثقافة، وباعتباره المرتكز الذي قامت عليه الأمم والحضارات، وبه استطاعت أن تبني نهضتها العلمية والفكرية والإنسانية، وأن تبلغ الدرجات العلا في جميع المجالات.