ليته يشغفني الصبر..
طرفا من نهار..
قدر استراحة عابر سبيل في ظل أيك..
فلما انقضى الهجير ولى وتركها..
لزينت كعبة في أيسري كنت ابتنيتها لأولئك القديسين..
أو كذلك خلتهم..
طمعا في إقامة مراسم لقيا تضخ الحياة في شريان يعاني الموت من ألف حزن..
ويطفئ نارا أضرمت بين الضلوع على غير احتمال..
ما كنا لها حطبا ولكنهم هكذا جعلونا..
فلما آيس القلب من أن يقيموا شعائرهم على مسرح نبضه..
ولو مرة على سبيل العطية التي تمنح لسائل كلتا يديه فراغ..
طلق الصبر طلقة بائنة وما عاد ممكنا أن يقترن به مرة أخرى..
ليته يمكثني الليل..
مقيما على أضلعي..
أو عابرا بساط أنفاسي على مهل..
يدعني أنا وطيفك المارق..
برهة من زمن لا يعد..
قدر انتشاء عاص بلذة المعصية..
وحينما يستفيق على وخزة من ضمير أخذته أخذة لوم فأيقظته من طول سبات..
استسلم طوعا لمطلع الصبح..
ولما كانت أمنيتي ببقاء الليل هي محاولة-مآلها الخيبة-للتوبة عنك لعلي ألملم حاجاتي وبعثرة روحي وأعود لذلك الزمان الأول..
وكانت عودة الصبح هي نكوص الروح على عقبيها معلنة تراجعها عن ذنب التوبة منك..
غارقة مرة أخرى في براثن العشق موتا..
لأموت مرتي الأولى وأنا موشوم بك..
بمعصية تستوجب-على طول القيام والنصب-جحيما بحجم ما بين المشرقين من سفر..
فإلى أي شعب أنعطف؟!..
وكل المسالك تذهب بي غيا إليك..
إلى أي ملاذ أسند ظهرا عاريا من الدثار؟!..
وأنا بلا ذراعيك أرض بلا سياج يمنعها المتسللين وطامعي التبر،وعورة تنكشف لعيون العابرين من كل واد..
وإلى أي درب ألوذ فرارا منك وأنت خوفي وأمني؟!..
كفيل وجهك بمنح نبتة الفردوس التي زرعتها يوما بخافقي ثمرة لا جوع بعدها ولا ظمأ..
كفيل..
بمنح من يعاني احتضارا-بحجم ما كانتا رتقا-رغيف حياة يكفي لبضعة أنفاس أخرى..
ليتوضأ ويقيم طقوس ليلته الأخيرة..
مرتلا آي الشوق في محراب الفجر..
قنوت عابد..
،وصلاة وداع..
وبضع دعوات لن تجاوز حذو الترقوة..
فما كتب له أن ترتفع دعواته والأبواب موصدة..
عاكفا على بعض ذكر وهمهمات لم يجمع في صرة أبجديته سواها حسبها السامعون حروف اسمك..
قاس..
هو الذهاب من الحياة دون وداع..
والأقسى..
الرحيل وفي الضلوع بقية حلم لم تمنحه الحياة فرصة الولادة الأولى..
والأكثر قسوة..
أن تسرق بقايا طفولة من قلب كان يحتفظ بها ذخرا لولادة ثانية على أعتاب عينيك..
وهو الذي لم يملك من جفاء الأيام غيرها..
ليبتدرك كطفل يبحث عن كتف أمه ليلقي رأسه فوقها عند أول لقاء..
أو يعانق في وجنتيك جود السماء بالغيث بعد طول عجاف..
فهل أستصرخ الجنة لتيمم وجهها شطري؟!..
وأنا الذي استوجبت بفعالي ما ابتليت به من حرمان..
وكيف بي أسأل الفردوس شبرا من نعيم؟!..
وأنا ما اجترحت إلا ارتكاب جرم بعد جرم وكلها أنت..
بالغ طول أملي ارتفاع الجبل..
ممتدة جذور أمنياتي إلى عمق الأرض السابعة..
ولكن..
رحمها عقيم ليس في قدره وجع مخاض يأتيني بك..
ولو على قيد الخيال..
ولا يزال حلم الوطن-حبيس الضلوع-
يجوب بقاع ذاكرتي جيئة وذهابا طمعا في زاوية يضرب بها خيامه..
يرقب يوما يؤدي فيه قسم الولاء..
ويسأل هوية ومنتمى..
صورة وملامح..
وهو الذي تخلى عن اسمه وماضيه وأشياءه كلها طمعا في إقامة ولو على تخوم تحمل ريحك..
أو يقرع سمعه صوت مئذنة تنطلق منها ضحكتك أذان شوق..
بعدما شنقت على موصدات أبوابك أحلام أذن تؤدي ضريبة الشوق صياما عن السماع لسواك..
وعلى مشارف التيه ما زلت أسأل عنك وجه كل عابر..
أستعطف ألسنة الخرسى لتدلني..
وأنا الكفيف دونك..
فهل من ولادة أخرى..
أم أن الولادة كالموت؟!..
لا تكون إلا لمرة واحدة..
ياااا حلمي الآبق..
لله در قسوتك..
(نص موثق)