تحليل كتبه: أحمد تركي
جاء تأجيل انتخابات المجالس البلدية للفترة الثالثة بسلطنة عُمان والتي كان مقرر إجراؤها هذا العام 2020، واستمرار مجالس الفترة الثانية بتشكيلها لحين إجراء انتخابات جديدة يتم الإعلان عن موعدها، وبناء على موافقة السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان، نظرا للوضع الراهن الذي تمر به السلطنة ودول العالم جراء انتشار جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19)، ليسلط الضوء على أهمية هذه المجالس باعتبارها أحد مظاهر البناء المؤسسي الحديث في سلطنة عُمان.
فقد قامت فكرة البناء المؤسسي في سلطنة عُمان على عدد من الأسس، أبرزها: توسيع عملية المشاركة السياسية وإشراك المواطن في صياغة القرارات السياسية والاقتصادية باعتباره شريكاً أساسياً في التنمية والبناء، ولتحقيق قيم التحديث عبر مراحل متتالية، مع الحفاظ على الخصوصية التاريخية والاجتماعية للواقع العماني، والأخذ بأسلوب التطور التدريجي السلمي البعيد عن النظريات المستوردة التي لا تتفق مع الثقافة السياسية العمانية.
والواقع أنه إذا كانت التجربة التنموية العمانية قد سبقت بناء المؤسسات السياسية للدولة بخطوة عبر مجلسي الشورى والدولة ثم مجلس عمان، ثم المجالس البلدية في مرحلة لاحقة، فإن ثمة قناعة لدى صانع القرار بأهمية التحرك الديمقراطي على مراحل وتحقيق التناغم بين مختلف الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مناخ اتسم بالخصوصية للتجربة السياسية العمانية.
تأتي المجالس البلدية العُمانية في سياق استكمال البناء المؤسسي الحديث المنوط به استدامة مشاركة المواطنين في العملية السياسية والاقتصادية والتنموية في آن واحد.
انتخابات الفترة الثانية
اكتسب انتخابات المجالس البلدية للفترة الثانية التي شهدتها سلطنة عمان في الخامس والعشرين من ديسمبر2016 أهمية كبيرة، باعتبارها ثاني انتخابات من نوعها لهذه المجالس، حيث أنشأت سلطنة عمان أول مجلس بلدي في مدينة مسقط عام 1939، وأعيد تشكيله عام 1972 ليقتصر على محافظة مسقط وكان يتم تعيين جميع أعضائه، ثم شهد عام 1973 إنشاء ما سُمي مجالس “أمهات المناطق” وتغير مسمى هذه المجالس إلى “لجان بلدية” في عام 1986.
وقد جرت انتخابات المجالس البلدية طبقاً للمرسوم الذي أصدره المغفور له السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ فى شهر أكتوبر 2011، بشأن قانون المجالس التي تختص بكافة شئون العمل البلدي، وتقوم بتقديم الآراء والتوصيات بشأن كل ما يتعلق بالجوانب الخدمية والتنموية وتطويرها في نطاق المحافظات وذلك في حدود السياسة العامة للدولة وخطتها التنموية.
خاض الانتخابات البلدية للفترة الثانية عام 2016 نحو 731 مرشحًا ومرشحة منهم 708 مرشحاً، و23 مرشحة، وذلك لاختيار نحو 202 مرشح ومرشحة للتمثيل في المجالس البلدية للسنوات الأربع القادمة (2017 – 2020)، وحازت محافظة شمال الباطنة النصيب الأكبر في عدد المرشحين المقرر تمثيلهم في الفترة الجديدة بمعدل 30 مرشحا، بينما احتلت كل من محافظات مسندم والبريمي والوسطى أقل عدد بمجموع 8 مرشحين في كل محافظة.
وقد بلغ عدد الناخبين في مختلف المحافظات والولايات 623224 ناخبًا وناخبة، منهم 333733 ناخبًا، و289491 ناخبةً، وأكبر عدد من الناخبين سجل في محافظة شمال الباطنة بمجموع 128208 ناخبين وناخبات، بينما سجلت محافظة مسندم أقل عدد بمجموع 9924 ناخبا وناخبة.
كما بلغ عدد المراكز الانتخابية المخصصة للانتخابات البلدية 107 مراكز انتخابية، بينها 18 مركزا مخصصة للذكور، و18 آخر مخصصا للإناث، بالإضافة إلى 71 مركزا مشتركا للذكور والإناث، وموزعة في عدد من الولايات.
وأظهرت النتائج النهائية لانتخابات المجالس البلدية للفترة الثانية، فوز 202 عضوًا بينهم سبع نساء في ست ولايات، هي: العامرات والسيب والسنينة ولوى والخابورة والمصنعة من بين إحدى وستين ولاية بـ11 محافظة جرت بها الانتخابات.
وبلغ عدد الذين شاركوا في العملية الانتخابية 207 الف ناخب وناخبة من بين 650 ألف مسجلين في الانتخابات بنسبة قاربت 32 بالمائة.
انتخابات الفترة الأولى
كانت انتخابات الفترة الأولى التي جرت في الثاني والعشرين من ديسمبر 2012 قد خاضها نحو ( 1653 ) مرشحا ومرشحة من بينهم ( 50 ) امرأة شملتهم قائمة المترشحين، فيما ضمت القوائم النهائية للناخبين الذين يحق لهم الإدلاء بأصواتهم 546 ألفً و428 ناخبا، وذلك لانتخاب 192عضوا لتكوين مجالس بلدية بعدد محافظات السلطنة الإحدى عشر، وعدد الولايات التي تبلغ نحو 61 ولاية.
ونظرا لكثرة عدد ولايات السلطنة وحتى تضمن الحكومة العمانية تمثيلاً مناسباً لكل المحافظات، تم تحديد ممثلي كل ولاية في المجلس البلدي وفقًا لعدد سكانها على أساس أن الولاية التي يزيد عدد سكانها العمانيين عن 60 ألف نسمة يمثلها 6 أعضاء وتنتخب الولاية التي يزيد عدد سكانها العمانيين عن 30 ألف نسمة 4 أعضاء فيما تنتخب الولاية التي لا يزيد عدد سكانها العمانيين عن 30 ألف نسمة عضوين اثنين.
وينضم إلى الأعضاء المنتخبين اثنان من أهل المشورة والرأي يتم اختيارهما من بين أبناء المحافظة من قبل وزير الداخلية ومن الوزير المختص بالنسبة لمحافظتي مسقط وظفار وتضم المجالس أيضا ممثلين غير منتخبين من الجهات المعنية.
يبقى القول أن بناء الدولة العصرية الحديثة في سلطنة عُمان ارتكز على مجموعة من الثوابت والمبادئ، من أهمها أن يتم البناء وفق الخصوصية العُمانية وفي إطار من النهج التدريجي الذي يستوعب النخب السياسية الجديدة التي تثري التجربة السياسية العُمانية، وأن يكون في إطار من التكامل والتعاون بين مؤسسات الدولة العصرية الحديثة التي يحكمها القانون، باعتبار أن هذا التعاون بين مؤسسات الدولة تنفيذية وتشريعية يصب في خدمة الوطن والمواطن، الآن وفي المستقبل.
وعلى مدار نصف قرن، قطعت السلطنة شوطاً كبيراً في إرساء مؤسسات الدولة الحديثة التي يحكم طبيعة تفاعلاتها القانون. فإضافة إلى مجلس الشورى بتطورات مراحله التاسعة، ومجلس الدولة بمراحله السبعة وبالتالي مجلس عُمان بفتراته السبع أيضاً، كانت تجربة سلطنة عمان في المجالس المحلية البلدية متممة لممارسة الديمقراطية.
فقد جاءت التجربة الديمقراطية العمانية مستندة على الارث المجتمعي للعمانيين، وما يتميز به المجتمع من ميزات حيوية يستطيع أن يضعها في خدمة العمل السياسي، من أجل هدف واحد هو خدمة ورقي وتطور الإنسان العماني، وذلك لاستكمال مسيرة البناء والتنمية في سلطنة عمان والتي تتواصل مسيرتها الزاهرة مع السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان، الذي أكد على تحمل المسئولية رغم جسامتها والسير قدماً لاستكمال مسيرة البناء والتنمية الشاملة والمستدامة.