منذ حلول أزمة كورونا وأصبحت كلمة الوعي دارجة على كل الألسنة. وكلمة الألسنة مقصوده وأعنى بها أنها مجرد كلمة تقال من أفواه المسئولين وغير المسئولين ومن المتخصصين وغير المتخصصين ، بل وتتردد على ألسنة العامة . وبمتابعة بسيطة لتصريحات الكثيرين عن الوعي تجد أنهم أنفسهم يفتقدون الوعي .
وهنا الأزمة الحقيقية لأن أزمة الوعي التي نعيشها قبل وبعد كورونا أخطر وأعمق من مجرد كلمات تحث المواطنين على الوعي ، أو تدعو لرفع مستوى الوعي ، ولا يمكن ان يتحقق الوعي بالتصريحات أو بمجرد توجيه القيادة العليا بالاهتمام به . لان بناء الوعي الشعبي عملية طويلة المدى تشارك فيها مؤسسات متعددة دينية وإعلامية وتعليمية وتربيوية وثقافية وتتعهد المواطن بالاعداد منذ ميلاده وطوال فترة حياته . حيث يتم تشكيل وعي المواطن في سنواته الاولى ثم متابعته بتصحيح المفاهيم المغلوطة وتقويم المعوج من السلوكيات والمفاهيم بقية حياته .
وعلى الجهات المنوطة بصناعة الوعي أن تعلم أنه مرتبط إلى حد كبير بطريقة التفكير وبعملية الادراك ، وأن مستوى الوعي ينعكس في السلوكيات. وبناء الوعي بتلك الطريقة الصحيحة يجعل المواطن محصنا ضد الإختراقات الفكرية والثقافية هي أخطر أسلحة الحرب الحديثة التي تعتبرعقل وفكر المواطن الميدان الرئيسي .أيضا هذا الوعي الصحيح هو الطريق الحقيقي لنهضة الأمم وأساس استمرارها قوية وفاعلة والتغلب على أي أزمات .
ويروي صحفي مصري شاب يعيش في بكين كيف أن وعي الشعب الصيني ساعد الحكومة في التغلب سريعا على أزمة فيروس كورونا. وأوضح أن سكان بكين ( حوالي 25 مليون نسمة ) كانوا أسبق من الحكومة في إتخاذ الإجراءات الإحترازية بأكثر من 15 يوما. وأن كل سكان بكين التزموا منازلهم قبل أن تعلن الحكومة رسميا إجراءات الحظر ، ومن يضطر منهم للنزول يرتدي الكمامة ويصطحب معه أدوات التعقيم والتطهير ويبتعد تلقائيا عن أي تجمعات ولا يمكن أن تجد شخصا خارج سكنه لا يرتدي الكمامة . ونظمت كل التجمعات السكنية بشكل ذاتي إجراءات الدخول والخروج للسكان بل ومنع أي شخص لا يحمل بطاقة تثبت أن من السكان من دخول التجمع السكني. والأكثر من ذلك أنها نسقت مع الجهات الصحية بقياس درجة الحرارة لكل من يدخل أو يخرج ، وفي حالة الشك في إصابته ينقل فورا الى مستشفيات العزل . ونظمت ايضا عمليات شراء الاحتياجات اليومية لكل اسرة بطريقة التوصيل للمنازل ( ديليفري ).
وأرى أن حل أي مشكلة لا بد من الإعتراف أولا بوجودها ( تشخيص الداء ) ثم البدء الجدي والفوري في العلاج ببرامج عاجلة تواكب الحدث ثم بخطط طويلة الأجل . وكشف الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، في تصريحات صحفية نشرت مؤخرا أن “الشعب المصري لا يملك الوعي الكافي حاليًا، والفئات اللي عندها وعي محدودة، لا تتعدى الـ 10 % من المصريين”. ورغم أن النسبة صعب التحقق منها ولكني مقتنع بل ومتأكد ان نسبة الوعي قد تكون أقل من ذلك أو أكثر بقليل . بل أن هذه النسبة المحدودة من الوعي تنتشر في كافة فئات المجتمع . ويقول الدكتور علي عبدالرازق جلبي، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة الإسكندرية،أن الوعي لا يتوقف على فئة مجتمعية معينة فهو متواجد بنسب مختلفة داخل كل فئة وداخل كل شريحة طبقية.
ولقد أدركت مبكرا منذ كنت صحفي شاب أهمية الوعي في حياتنا . فاخترت لسلسلة مقالاتي الأسبوعية التي بدأتها قبل أكثر من 30 عاما في الصحف السعودية واستمر بعدعودتي لصحيفتي الأم الجمهورية عنوان (دائرة الوعي ). وحرصت قدر المستطاع أن يكون موضوع المقال يتناسب مع عنوانه ، وبفضل من الله حقق المقال تأثيرات جيدة في فكر وفهم وبالتالي وعي القراء، وتأثر به ايجابيا كثير من شباب الصحفيين في أسلوب الكتابة والصياغة الصحفية.
Aboalaa_n@yahoo.com
.