كتب عادل أحمد
لجأت مصر مؤخرًا إلى مجلس الأمن المسئول الرئيسي عن صون السلم والأمن الدوليين، وقدمت شكوى طبقًا للفصل السادس المادة 35 والتي تنص على أن لكل عضو من أعضاء الأمم المتحدة أن ينبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع أو موقف قد يهدد السلم والأمن الدوليين، وبذلك تسعى مصر إلى استصدار توصيات من مجلس الأمن تعزز موقفها الدولي وتستطيع التحرك بناءً عليه أو استصدار قرار ملزم وفقًا للفصل السابع من الميثاق، وحول مسار مصر واللُجوء إلى مجلس الأمن الدولي، والسيناريوهات المتوقعة تحدث الدكتور عمر محفوظ عليوه، متخصص في القانون الدولي.
وقال الدكتور عمر محفوظ ، إن الأنهار طبقًا للقانون الدولي نوعان، الأنهار الوطنية، وهي تلك الأنهار التي تقع من منابعها إلى مصابها في إقليم دولة واحدة كنهر السين في فرنسا، أما الأنهار الدولية والتي هي مجال حديثنا هي الأنهار التي تجتاز من منبعها وإلى مصابها أقاليم أكثر من دولة أو التي تصل بين أراضي دولتين أو أكثر كنهر النيل، وإذا كان لإثيوبيا هدف إقتصادي وحسن نية كما زعمت مسبقًا، فكان لزامًا عليها قبل المضي في خططها احترام إرادة مصر ومحاولة التفاوض للوصول إلى قرار يرضي جميع الأطراف، ولكن سوء النية يظهر للجميع دون أدنى شك، لذلك على المجتمع الدولي التدخل لتحجيم الطموح الإثيوبي وجعل هذه الطموحات تتماشى مع قواعد القانون الدولي، فالسعي للرخاء الإقتصادي من جانب إثيوبيا يجب أن يبنى على الاحترام الدولي مع الدول المشاطئة بدلًا من تعزيز العداء.
وأضاف الدكتور عمر محفوظ، إن القانون الدولي لم يمنع بناء السدود والمشروعات على الأنهار الدولية، بل أجاز بناء السدود ولكن قيد هذا الأمر بعدة ضوابط لا يجوز الخروج عليها، فمتخصصي القانون الدولي يعلموا أن قواعد القانون الدولي نشأت في رحم الممارسات العملية والعرفية للدول منذ قرون خلت، وأصبحت قواعد ملزمة ومستقرة في وجدان وضمير الجماعة الدولية، وضوابط بناء السدود هي عدم الأضرار بالدول المشاطئة، الإخطار المسبق بالشروع في بناء السد وهو ما تمسكت به مصر أمام إثيوبيا، توافر حسن النية من جانب الدولة القائمة ببناء السد وهو ما لا يتوافر مع إثيوبيا، حيث إنه إذا بحثنا عن الهدف من بناء سد النهضة نجد هدف سياسي خفي يشير إلى سوء نية إثيوبيا وهو محاولة السيطرة على مقاليد الأمور في مصر والمساومة على حقها في مياه النيل بالإضافة إلى وضعها تحت ضغط وهيمنة الدول المساعدة في بناء السد لزعزعة الأمن القومي المصري، كما أن مبدأ سلطان الإرادة الذي تدعيه إثيوبيا بحكم أن من حقها وفقا لإرادتها المتفردة أقامه سدود على نهر النيل يعد مخالفا لقاعدة أمره من قواعد القانون الدولي وهي عدم الأضرار، فإذا تعارض سلطان الإرادة مع قاعدة أمره من قواعد القانون الدولي بصفة عامة وقواعد القانون الدولي الحاكمة الأنهار الدولية بصفة خاصة تتوارى سلطان الإرادة وأصبح باطلا ومنعدما ولا يترتب عليه أي آثار قانونية لا في الماضي أو الحاضر أو المستقبل.
وتطرق الدكتور عمر محفوظ في حديثه، إلى حق مصر التاريخي في مياه النيل فاتفاقية 1902 التي كانت بين إثيوبيا وبريطانيا بصفتها ممثلًا عن مصر والسودان المستعمرتين، أكدت على عدم إقامة أي مشروعات سواء على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط، وتبعها إتفاقية تقاسم مياه النيل عام 1929 والتي أبرمتها الحكومة البريطانية بصفتها الاستعمارية نيابة عن عدد من دول حوض النيل، ورسخت حق مصر في مياه النيل بل وأضافت أن لمصر الحق في الإعتراض في حالة إنشاء أي مشروعات على حوض النيل، ثم أبرمت أهم الاتفاقيات عام 1959 والتي حددت حصة مصر في مياه النيل بمقدار 55 مليار متر مكعب سنويًا، وهذه الإتفاقية مكملة لاتفاقية 1929 وليست لاغية لها.
وأشار الدكتور عمر محفوظ، المتخصص بالشأن الدولي ، إلى أسباب تفاقم الأزمة وعدم الوصول إلى حلول حتى الآن، وتتمثل في عدم وجود منظمة حقيقة بين دول حوض النيل للسماح بالحوار لتحديد التوزيع الأمثل لمياه النيل، ووجود منافسة حقيقة بين دول حوض النيل على إنتاج محاصيل محددة للتصدير خاصة القطن الذي يحتاج إلى كميات ضخمة من المياه، والنزاعات المستمرة بين دول حوض النيل والحروب الأهلية داخل الدول، كل ذلك خلق فرص لعدم الإستقرار والتلاعب المتكرر من قبل القوى الخارجية بمقدرات الأمور داخل هذه الدول.
وأوضح الدكتور محفوظ ، أن موقف مجلس الأمن لن يخرج عن السيناريوهات الآتية وهي إصدار توصية بالعودة إلى المفاوضات أو طلب الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية أو إصدار قرار ملزم بوقف ملء السد لحين إبرام اتفاق أخر يرضي جميع الأطراف أو فرض عقوبات سياسية واقتصادية على إثيوبيا حال حدوث تهديد للأمن الدولي، أما فرضية إستخدام مجلس الأمن للقوات المسلحة طبقًا للفصل السابع من الميثاق، فهو جائز له وذلك بعد إتخاذ التدابير المؤقتة من قطع الصلات الإقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية، ولكن للأسف للعلاقات والمصالح الدولية وللفئات المسيطرة في المجتمع الدولي رأيًا أخر، فإذا قرر مجلس الأمن إستخدام القوات المسلحة ضد إثيوبيا يستلزم لإصدار هذا القرار موافقة 9 دول من أعضاء مجلس الأمن على أن يكون من بينهما الخمسة أعضاء الدائمين والذين يملكون حق الفيتو، ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية والصين المشتركين في بناء سد النهضة، الأمر الذي يدفعهما إلى إستخدام حق الفيتو ضد القرار، لذلك إستخدام القوات المسلحة من جانب مجلس الأمن أمر مستبعد تمامًا.
وأجاب الدكتور عمر محفوظ، حول الجدل المثار في الشارع المصري وعلى مواقع التواصل الإجتماعي ، عن إستخدام مصر لقواتها المسلحة وضرب سد النهضة، قائلاً، من حق مصر الدفاع عن أمنها المصري بكافة الطرق الممكنة خاصة لو فشلت المفاوضات وفشل مجلس الأمن في حل النزاع القائم، ولكن يجب أن نعلم أن إختراق حدود دولة وانتهاك سيادتها أمر ليس بالهين في القانون الدولي هذا من الناحية القانونية، أما من الناحية السياسية فإن إستخدام مصر لقواتها المسلحة أمر مرغوب من الجانب الإثيوبي خاصة بعد إكتشاف إثيوبيا وجود عيوب فنية وهندسية في سد النهضة قد يعيقه عن أداء مهمته وذلك طبقًا لتقرير الخبراء الصادر مؤخرًا، لذا يحاول الجانب الإثيوبي استفزاز مصر بكافة الطرق لإجبارها على ضرب سد النهضة للتغطية على فشلهم بالإضافة إلى إحراج مصر أمام المجتمع الدولي ومقاضاتها أمام القضاء الدولي.
أنهى الدكتور عمر محفوظ حديثه، مضيفاً أن نهر النيل هو الشريان الرئيسي للحياة في مصر بل الحياة نفسها، هذه هي الحقيقة الأساسية التي لا تنطبق بنفس القدر على الدول المشاطئة الأخرى، فالعلاقة بين مصر والنيل علاقة زواج جغرافي، فإذا كان التاريخ أبًا للمصرين ومصر أمًا لهم فالنيل هو الجد العظيم للمصريين، فنهر النيل كان له دور فعال في تشكيل عادات وثقافة المصريين على مر العصور.