الإبداع أن تعقد الدهشة لسانك وتخلب جنانك وتجذب قلبك وتملك شغاف نفسك فتصير أسير الوجدان وهذا بغية الإبداع في نفس المتلقي جذب انتباهه والتأثير فيه وتلعب الدهشة دورا محوريا لايستطيع أحد أن ينكره على مر العصور .
الآداب والفنون مثل الكائن الحي تتأثر بما يحيط به فهناك بيئة تربي فيها وتنسم عبيرها وتغذى من أرضها يحمل في طياته جينات موروثة تظل ضاربة بجذورها في تكوينه مهما تأثر بمن حوله من عوامل خارجية .
وفي الطريق إلى التجديد والتحديث تسلك الآداب والفنون مضارب شتى منها مايحبس نفسه على القديم، ومنها ما ينفتح على الحديث والعالمي حد الانفلات، والمتزن يأخذ من القديم ويبني عليه من الحديث دون استلاب فيجمع بين الأصالة والمعاصرة دون إفراط أو تفريط.
وفي الطريق إلى الحداثة تظهر أنماط وضروب من الآداب والفنون يتخذها الأدباء والفنانون وسيلة وسلما للخروج على الفن نفسه، منهم من يحسن إلى نفسه وتراثه ومنهم من ينسلخ عن جلده فيخرج لنا عملا مشوها بدعوى الحداثة والحداثة منا براء وتلك آفة الحداثة يدعيها أنصاف الموهوبين هروبا من الالتزام بالمعايير وعجزا عن الإتقان والإجادة.
حينما خرج الشعراء على عمود الشعر أرادوا أن يجدوا لأنفسهم بديلا تارة التفعلية وأخرى إهمال الوزن ثم اتخاذهم قصيدة النثر التي استغنت عن الوزن كلية واستعانت بتقنيات بديلة لتؤطر لنفسها وتتخذ لها شكلا يميزها عن النثر بأنواعه فاتخذت التفكيك والإغراب والموسيقى الداخلية وأدوات من فنون أخرى .
أتت الدهشة والعلاقة بين الأشياء والبحث فيما وراء المضامين والعلاقات على رأس أدواتها وسار كثير من الأدباء في هذا الدرب فأخرجوا لنا روائع وتبعهم من تبعهم فأفسد لعدم تمكن أدواته وخلط بين قصيدة النثر والقصة الومضة والقصة القصيرة جدا باستخدام الدهشة والغرابة وسيلة للإبداع فخرج كثير منها عن الهدف المرجو ألا هو جذب الانتباه أو إيصال رسالة أو إرساء مبدأ وإعلاء قيمة بمخاطبة الوجدان لأنها استخدمت الدهشة تقليدا وهدفا لاوسيلة وأصبح السباق في مضمار الدهشة لا الأدب والفن فخرجت الأعمال بعيدة كل البعد عن الطرافة والجدة والتفرد، وسقطت في فخ الركاكة والابتذال.
الآداب والفنون رقي وارتقاء وسمو وتسام فعود إلى ما يدعوان إليه ونظرة إلى رسالتهما.
فالجيد مهما توارى سيبقى ملء السمع والأبصار ،والسيئ مهما ذاع وانتشر سيطويه الزمان .