أن يحرص فنان على زيارة رئيس جمهورية فى مقر رئاسته خلال تواجد الفنان فى بلد ذلك الرئيس فهذا أمر عادى حدث مع كثير من الفنانين العرب، وهو من الناحية الصحفية مجرد خبر عادى ربما لا يلفت نظر القراء، هذا إذا اهتمت الصحف أصلا بنشره. لكن أن يحرص رئيس على زيارة فنان فى بيته فهذا أمر نادر لا يحدث إلا مع فنان بحجم فيروز التى لم يسبقها لهذا الشرف سوى كوكب الشرق أم كلثوم. لذا كان من الطبيعى أن تحظى زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون للفنانة العربية الكبيرة فيروز فى بيتها الذى يقع فى ضاحية الرابية قرب انطلياس فى شمال بيروت باهتمام كبرى وكالات الأنباء والصحف العربية والعالمية.
مزيج من السعادة والفخر انتابنى وأنا أتابع تفاصيل الزيارة منذ أن أعلن عنها ماكرون على صفحته الخاصة على تويتر، عندما تجرد فى رأيى من صفته الوظيفية وراح يبشر متابعيه مثله مثل صاحب أى حساب على تويتر بأنه سيحظى بشرف زيارة فيروز فى منزلها حيث كتب عبارة «موعد على فنجان قهوة مع فيروز، فى انطلياس، مساء الإثنين». من المؤكد أن ماكرون لم يكن ليجرؤ على إعلان مثل هذا النبأ إلا بعد أن يستأذن الفنانة الكبيرة فى الزيارة وبالطبع لولا أنها وافقت لما أعلن الخبر سعيدا مبتهجاً. لم أسعد بالخبر ولم أشعر بالفخر بسبب شخصية ماكرون رئيس فرنسا، فهو من وجهة نظرى رئيس عادى تقليدى لن يذكره التاريخ كثيرا عندما يرحل فهو ليس بصاحب بصمة ولا كاريزما ولا تأثير فهو ليس شارل ديجول مثلا، ولا يقترب حتى من سابقيه من العمالقة أمثال فرانسوا ميتران وجاك شيراك ولا حتى ساركوزى وغيرهم كما أنى لست مرتاحا لتصرفات الرجل تجاه لبنان والتى تعكس شعورا خفيا عنده ربما بأن لبنان لايزال مستعمرة فرنسية يستطيع أن يتدخل فى شئونها وقتما وكيفما يريد حتى وأن أظهر عكس ما يبطن مستعرضا حضوره فى صورة المنقذ. لكن مع ذلك استهوتنى فكرة أن رئيسا لدولة بحجم فرنسا يشعر بكل هذه البهجة والسعادة ويحرص على زيارة فيروز كبيرة لبنان وجارة القمر فى بيروت وفى كل عواصم الدنيا.
كان يمكن لماكرون أو لأى رئيس دولة غيره أن يزور أى بلد عربى ويطلب ترتيب مقابلة مع أى فنان أو فنانة فى مقر إقامته هو كضيف فى هذا البلد وكان يمكن لأى فنان أن يسعد ويفرح ويفتخر أن الرئيس الفلانى شخصياً يتابع أعماله ويحبه ويقدره ويطلب أن يراه فى مقر إقامته وسط جدوله المزدحم بالقضايا السياسية وربما الاقتصادية التى جاء من أجلها، أما مع فيروز فالأمر مختلف. فالنجم الحقيقى هو الذى يدور الآخرون فى فلكه وليس الذى يدور هو فى فلك الآخرين. هكذا كانت كوكب الشرق أم كلثوم خلال زياراتها المتعددة لغالبية الدول العربية حيث كان يحرص حكام تلك الدول لزيارة الست فى مقر إقامتها لا أن يستدعوها هى لمقارهم الرئاسية، فالمقامات محفوظة وشعبية أم كلثوم تفوقت على شعبية الكثير من السياسيين فى العالم.
لقد جلس ماكرون فى حضرة فيروز ساعة ونصف الساعة كاملة، لاحظ أن أى لقاء بين أى رئيسين لا يتعدى أبدا دقائق معدودة لكن أى إنسان طبيعى يجد نفسه وجها لوجه مع صوت لبنان وأيقونتها وقامة الفن الشامخة، من الطبيعى أن ينسى نفسه ويتمنى للقاء أن يمتد. ويقينى أن ماكرون تمنى بينه وبين نفسه لو ألغى كل مقابلاته السياسية فى لبنان وجعلها تقتصر فقط على هذا الرمز الذى يلتقى حول اسمه اللبنانيون ولا يتفرقون. وإذا كان ماكرون يعتقد أنه قد قام بتكريم فيروز بمنحها وسام جوقة الشرف الفرنسى والذى يعتبر أعلى تكريم رسمى فى فرنسا، فقد حصل ماكرون لنفسه على وسام الشرف من رتبة فيروز وهو أغلى وسام عربى ممكن أن يحصل عليه إنسان من كبيرة لبنان وأرزته الشامخة على مر العصور وللأبد.