الموجة الثانية من حالات الإصابة بـ كوفيد-19 في أوروبا هل ستتسبب الى ارتفاع في عدد الوفيات مرة اخرى؟
للوهلة الأولى، لا تبدو التوقعات قاتمة للغاية. بينما وصلت حالات الإصابة المبلغ عنها إلى مستويات قياسية مع دخول أوروبا في مرحلة “الموجة الثانية”، لا تزال الوفيات أقل بكثير من ذروتها في أبريل.
لكن الخبراء يحذرون من ان الدلائل تشير إلى انه ان لم يتم التعامل مع الموقف بشكل صحيح فإن نسب الوفيات قد ترتفع بشكل كبير في أوروبا هذا الشتاء. صحيح أن عدد من الخبراء لا يتوقعون (حتى الان) أن تصل الوفيات إلى المستويات التي شوهدت في الموجة الأولى، الا انه يبدو اننا قد نرى انتشارًا كبيرًا للحالات، وسنشهد الكثير من حالات دخول المستشفى، والكثير من الضغط على الخدمات الصحية.
لنبدأ بالعوامل التي تدعو الى التفاؤل اولاً:
⁃ أصبحت مستشفيات أوروبا الآن مستعدة بشكل أفضل لعلاج كوفيد-19 وأكثر قدرة على تشخيصه وعلاجه، حيث انخفضت معدلات الوفيات لمرضى وحدة العناية المركزة في بعض الدول الأوروبية من حوالي 50٪ خلال الربيع إلى حوالي 20٪ حالياً.
⁃ انتشار التدابير الوقائية مثل التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات في العديد من الدول الاوروبية.
⁃ يغلب على انتشار العدوى في الموجة الثانية (حتى الان) انه يقع في المقام الأول بين الشباب، الذين هم أقل عرضة للوفاة إذا أصيبوا بالفيروس.
ثانيا ما هي العوامل المقلقة اذن؟
– بدأ الطقس الأكثر برودة في الظهور وبينما لم يكن هناك أي نوع من الأنماط الموسمية مع هذا الفيروس، لكن الخطر الحقيقي يكمن في أن الطقس البارد قد يجبر الناس على قضاء وقت اكبر في تجمعات داخل منازلهم، حيث يكون انتقال العدوى أكثر احتمالًا.
- هناك مؤشرات على أن الناس قد سئموا من الالتزام بالتعليمات الوقائية في عدد ليس بقليل من دول اوروبا.
⁃ رغم ان النسبة الأكبر من الحالات الجديدة في شهر سبتمبر كانت في المرحلة العمرية بين 25-49 عامًا، لكن كان هناك أيضًا ارتفاع في الحالات لدى الفئات الأكبر سنًا، الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و79 عامًا.
وهذه الزيادة في عدد الحالات ستترجم في مرحلة ما إلى إصابات بين كبار السن الذين ترتفع معدلات احتياجهم الى المستشفيات وغرف الرعاية المركزة بنسبة اكبر ولفترات اطول. إنه نمط معتاد يمكن التنبؤ به ففي بريطانيا وفرنسا أو إسبانيا، رأينا السكان الأصغر سناً يتأثرون، وبعد ذلك بنحو 4 إلى 6 أسابيع … نرى كبار السن يصابون. وهذا امر منطقي فالمزيد من الحالات في المجتمع تعني المزيد من فرص وصول الفيروس إلى مؤسسات مثل دور رعاية المسنين.
-ارتفاع حالات الاصابة بصفة عامة وبين المسنين بصفة خاصة سيؤدي بالضرورة الى زيادة الضغط على المستشفيات وعلى الخدمات الطبية.
-بداية موسم الإنفلونزا هو أيضًا “مصدر قلق كبير” بسبب العبء المحتمل على المستشفيات والخدمات الطبية.
– يزداد الضغط على المستشفيات أيضًا بسبب عدد مرضى “كوفيد الممتد”، أولئك الذين يعانون من آثار سلبية من فيروس كورونا بعد أكثر من شهر من مرضهم.
- في حين أن معظم البلدان لديها الآن قدرة اختبار أكبر لكن الاختبارات المتزايدة لا تفسر الزيادة في الحالات التي نراها الان نظرًا لأننا نرى أيضًا نسبة أعلى من الاختبارات تعود إيجابية هذا قد يعني أن بعض هذه البلدان قد تفقد السيطرة على هذا الوباء.
- يجب أن يتم بذل كل الجهود للتأكد من الموجة الثانية من العدوى لن تصبح كبيرة بشكل مدمر، لأن هذا في النهاية ما سيؤدي إلى عدد أكبر من الوفيات، عندما تبدأ الأنظمة الصحية في الانهيار.
هناك اختلاف اخر مهم بين الموجة الاولى و الموجة الثانية من كوفيد-19 وهو ان نهج مواجهة الموجة الثانية من العدوى في جميع أنحاء أوروبا مختلف حيث يحاول القادة الموازنة بين حماية الصحة العامة وتجنب الأضرار الاقتصادية الناجمة عن عمليات الإغلاق الكامل للمرة الثانية.
خلاصة القول هي أن الموجة الثانية موجودة بالفعل في العديد من دول أوروبا وستكون قرارت الحكومات ومدى تقبل السكان لها في الأسبوعين المقبلين، وربما طوال الشتاء، حاسمة لوقف انتشار المرض. لكن إذا لم يتم التعامل مع الأمر بشكل صحيح، لا سيما في أماكن مثل المملكة المتحدة وإسبانيا وفرنسا في الوقت الحالي، سنشهد بالتأكيد زيادة كبيرة في الوفيات لاحقاً.
أوروبا بحاجة إلى تسوية المنحنى مرة أخرى من خلال استراتيجيات حكومية مدروسة والالتزام بتدابير الوقاية وارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي وغسيل الايدي … الخ بالإضافة إلى الاختبارات القوية وتتبع الاتصال.
لكن يبدو أنه من “غير المرجح” أن تعود الدول إلى عمليات الإغلاق الوطنية الكاملة التي كانت نهجًا شائعًا في الربيع، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الرفض الشعبي أو التعب من القيود والى العبء الاقتصادي الكبير الذي مازالت تلك الدول تعاني منه جراء الاغلاق الذي تم لمواجهة الموجة الاولى.