مصر كلها كانت على موعد مع حدث فريد من نوعه.. مصر لم تكن تتحدث عن نفسها فقط بل كانت تتحدث عن الامام الشافعي رضى الله عنه مصر بأئمتها ومساجدها تعزف منظومة واحدة في حب الامام العظيم صاحب ثالث المذاهب الفقهية المشهورة المذهب الشافعي في خطبة الجمعة الموحدة..
حتى وان كانت المناسبة تجديد وتطوير المسجد التاريخي الشهير(شيد في عهد الخديوي محمد على عام1399ه/ 1892)ويحمل اسم الامام ويحوي مرقده فان المبادرة طيبة وتستحق ان تكون فتحا ومفتاحا لمنهج وتوجه مهم ومطلوب للاهتمام بالأئمة والاعلام والمجددين العظام الحقيقيين وليت وزارة الاوقاف ووزيرها الدؤوب الدكتور محمد مختار جمعة يرسي قاعدة جديدة يخصص فيها اسابيع وشهورا ممتدة لسير الاعلام الكبار ويفتح نافذة مهمة للتعريف بمصر واهلها وعلمائها واوليائها الصالحون وما اكثرهم على مر التاريخ وتعاقب الايام والدهور. وهي رسالة مهمة للمصريين جميعا شيبا وشبابا ليعرفوا ويجددوا معرفتهم بمصر وتاريخها وعظمتها وقوتها الحقيقية الناعمة. لان الامر ليس سيرة شخصية لهذا العالم اوذاك وانما تاريخ حافل بكل المعاني الانسانية والقيم النبيلة وتفاعلات الحياة بحلوها ومرها وتشابك علاقاتها على كل المستويات بين الشعوب والحكام بين الامم والممالك والامبراطوريات الكبيرة والصغيرة..انها صورة حقيقية للدورة الحضارية وتاثير علماء المسلمين فيها ليس فقط الفقهاء وعلماء الدين بل في التخصصات كافة علمية وغيرها علوم تجريبية وعلوم تطبيقية وكل ما لم تكن تعرفه اوروبا انذاك عن العلم والحضارة.. كانت قدم علماء المسلمين عالية وتتطلع اليها الامم الاخرى ويسعون ويبتغون الى ذلك سبيلا..يوم كنا مسلمين بحق وحقيق..
قلت في نفسي خطبة واحدة مع معطيات كورونا وشروطها الاحترازية لا تكفي مع العلم الكبير المجدد الذي عده كثير من الفقهاء والعلماء وحسبوه واحدا من الذين اختصهم الله بفضله وممن قصدهم المعنى بان الله يبعث على راس كل مائة عام للامة من يجدد لها امر دينها..او قل ان شئت امر تدينها. لما سئل الامام أحمد بن حنبل: «أى رجل كان الشافعى فإنا نسمعك تكثر من الدعاء له؟ فقال:يا بنى كان الشافعى كالشمس للدنيا وكالعافية للناس فانظر هل لهذين من خلف أو منهما عِوض.
فهو أول من دوّن قواعد علم أصول الفقه ورسّخ حجية السنة النبوية في الأذهان..
والإمام الشافعى أحب مصر حبا جما وعبر عن ذلك في شعره الخالد يقول:
لَقَد أَصبَحَت نَفسي تَتوقُ إِلى مِصرِ
وَمِن دونِها أَرضُ المَهامَةِ وَالقَفرِ
فَوَاللَهِ لا أَدري أَلِلفَوزِ وَالغِنى
أُساقُ إِلَيها أَم أُساقُ إِلى القَبرِ.
ولم يكن حبا من طرف واحد بل احبه المصريون أكثر فقد روى المؤرخون انهم افتتنوا به من اول لحظة لقدومه.اذ ان الشافعي لما قدم مصر اتبع منهج وطريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر الى المدينة المنورة فنزل على أخواله وهو ما ذكره الإمام أحمد قال ان الشافعي قصد من نزوله على أخواله متابعة السنة فيما فعل النبي حين قدم المدينة فقد نزل النبي صلى الله عليه وسلم على بني النجار وهم أخوال عبد المطلب.
وقال هارون بن سعد الأيلي: ما رأيت مثل الشافعي قدم علينا مصر فقالوا: “قدم رجل من قريش” فجئناه وهو يصلي فما رأيت أحسن صلاة منه ولا أحسن وجها منه فلما قضى صلاته تكلم فما رأيت أحسن كلاما منه فافتتنّا به.
قد يقول البعض ان الشافعي لم يكن مصريا خالصا بل كان قرشيا وولد في غزة ثم انتقل الى مكة والعراق وعاد الى مصر.. وهذا صحيح الا انهم ينسون قاعدة مهمة وضعها العلماء المسلمون الثقات خاصة عندما ينسبون عالما الى بلد ما وقالوا انه إذا قضى فيها أكثر من أربع سنوات عدوه من اهل البلاد. ولعل هذه القاعدة الذهبية قد استفادت بها ومنها الدول الغربية وامريكا في العصر الحديث فهم يمنحون الاقامة الدائمة بل والجنسية ايضا لمن يقيم لديهم أربع سنوات متصلة ورغم انها قاعدة اسلامية فان اول من يتنكر لها هم العرب والمسلمون!
التاريخ المصري ذاخر وحافل بالأئمة الاعلام وارض مصر كانت مركزا وحاضنة لكبار الائمة والفقهاء اتوها من كل حدب وصوب واستقروا فيها وكانت مقرا ومركزا علميا لهم ولغيرهم شهدت مساجلاتهم وحواراتهم وفتاواهم التاريخية واصداراتهم العلمية التى لاتزال تنهل منها البشرية في كل مكان واصبحت مصر ايضا مقرا لمثواهم الاخير ولا تزال الشواهد قائمة حتى اليوم بدءا من الانبياء والمرسلين ومرورا بالصحابة والتابعين وعظماء الولاة والامراء في العصور الذهبية لامة الاسلام.ولعل الكثيرين يسمعون ما يعرف بالبقيع المصري وهي منطقة تشهد وتضم رفات المئات من صحابة رسول الله الذين وفدوا الى مصر زمن الفتح الاسلامي العظيم وبعده والاثار حية حتى الان في مصر القديمة وبلبيس وفي البهنسا في المنيا وغيرها الكثير من المدن المصرية لمساجد ومقابر تحمل اسماء اعلام الصحابة كالقعقاع بن عمرو التميمي وغيره.
الكنوز التاريخية المطمورة آن الاوان للكشف عنها وتقديمها ليس فقط للأجيال الجديدة ولكن لكل الحاقدين والطامعين والمتطاولين ومن يحاولون اهالة التراب على كل شيء عظيم ويريدون ان يوصموا بالعار ذلك التاريخ المضيء ومن يريدون ايضا سحب البساط من تحت الاقدام واهمين انها ضعفت اوكلت!
كثير من الدراسات التاريخية احصت وعددت بالاسم الالاف من العلماء الاعلام في ارض الكنانة ممن أشعلوا مصابيح الهداية للدنيا كلها حتى في فترات التراخي والتردي الحضاري والانحطاط الثقافي وفورة الاستعمار ومن بعده الاذناب المستعملون والمستأجرون الذين اتخذوهم مطية للتشويه والتزوير والتحريف واثارة البلبلة والفرقة باسم الدين وكل ما يمت له بصله من قريب او بعيد.
السلسلة الذهبية طويلة مشحونة محملة باهل المجد والعز والفخار للأعلام الكبار والمجددين بحق في كل المجالات وليس الدين وحده ممن كان همهم الاكبر مصالح البلاد والعباد في كل عصر الذين لم يرضوا الدنية ابدا لا في دينهم ولا لأوطانهم فكانوا تيجانا فوق جبين الدهر والزمان. فقد كان التنوير ديدنهم والاصلاح منهجهم لا تلين لهم قناة ولا يفت في عضدهم زاعق وناعق ولا يخشون في الله لومة لائم لأنهمكانوا واثقين بأنهم على الحق وانهم اقوياء بالحق فما وهنوا وما استكانوا اتقوا الله فعلمهم الله وايدهم بنصره المبين.
ولمن يريد قائمة او حصرا بأسماء الائمة الاعلام وكبار الفقهاء وأشهر الصحابة والاولياء ممن شرفوا مصر وشرفت بهم يمكنه الرجوع الى الدراسة الماتعة للدكتور محمد موسى الشريف عن فضائل مصر ومزايا أهلها. سيطالع قائمة رائعة ومبهرة من اهل مصر ومحبيها ومنارات الهدى للعالمين في كل عصر وحين.
استدراك واجب :المهمة ليست مهمة وزارة الاوقاف وحدها ومساجدها ولكنها مهمة وطنية الكل ليس مدعوا لها فقط ولكن عليه واجب وفرض عين وليس كفاية للمسارعة والمشاركة بقوة واخلاص ايضا من اجل دين الله ووطننا الحبيب.
نعم انا لقادرون. والله المستعان..
Megahedkh@hotmail.com